الثقافة المصرية كانت من أكبر الثقافات العالمية
ظاهرة الأدباء الكبار اختفت لهذه الأسباب
الرقابة على الكتب صعبة جدًّا
حسن خليل سعد الله، كاتب ومؤلف مصري، يعمل رئيسًا لقسم الصارف الآلي في بنك التعمير والإسكان، وبرغم طبيعة عمله البعيدة عن موهبته، فإنه استطاع أن يوجه اهتمامه إليها بشكل كبير ومثمر، حتى حصل على ليسانس الدراسات العربية والإسلامية، ومن ثم الدراسات العليا والماجستير، في علوم الحديث الشريف من المعهد العالي للدراسات الصوفية.
وله أعمال أدبية عديدة في مجالات عدة، "دار الهلال"، التقته في حوار حول مستقبل الثقافة في مصر، وغيرها من الموضوعات التي تهم الوسط الثقافي، فإلى الحوار
في البداية ما أوجه الاختلاف بين ثقافة الماضي والحاضر؟
الاختلاف كبير، فثقافة الماضي كانت تبنى على الأبحاث والعلوم المنقولة والدراسات المعترف بها عربيًا وعالميًا، وحركات الترجمة التي كانت رائجة رغم صعوبتها في الماضي، وارتباط الكتاب والعلماء بتراثهم العربي الأصيل، وتحقيق مخطوطاته وإخراجها إلى النور سواء كانت أدبية أو علمية، بجانب الاكتشافات الجديدة والكتابات الجديدة العصرية.
أما ثقافة الحاضر فجزء كبير منها مأخوذ عن طريق مداخل كثيرة وغريبة وتكون في أحيان كثيرة غير ذي ثقة، وتنتشر كالنار في الهشيم، ومثال على ذلك السوشيال ميديا والتي يستعملها الجميع تقريبًا، ويُنثر في المعلومات المغلوطة نثرا، ويأخذها الجاهل فيظنها حقائق، وينقلها للآخرين، ثم تثبت في الأذهان على أنها حقائق.
ومختصر الكلام أن ثقافة الماضي موثقة معلومة المصدر، وثقافة الحاضر غير موثقة ومجهولة المصدر.
ماذا تحتاج مصر لبناء مستقبل ثقافي أفضل؟
الحقيقة أن بناء مستقبل ثقافي أفضل لابد أن يكون له أساس كأي بناء آخر، وإن اختلفت المعايير، فإذا أردت أن تقوم ببناء صرح ثقافي شامخ فلتهتم جيدًا بالأساس، وأول هذه الأسس التعليم، والذى أصبح الآن خارج التصنيف العالمي، وإن كنت أرى أن هناك محاولات جيدة لاستعادة مكانته برغم ما يقابله من معوقات، من مافيا الدروس الخصوصية، وظاهرة التسرب من التعليم، فإن استطعنا تحقيق هذه الخطوة سوف يكون وضعنا أول لبنة في صرح الثقافة.
وثانيها الاهتمام بالتراث المصري والعربي وتاريخنا ملىء بهذا، بل قد يكون التراث العربي أكثر من تراث أي مجتمعات أخرى، ولا نهمل الحاضر ولا نتهمه بالسطحية، وإنما علينا مزج الماضى بالحاضر حتى يتولد فكر معاصر يستمد من القديم، ويدعم بالحديث، فيسهل على المتلقى الفهم والاستمتاع في نفس الوقت. ثم بعد ذلك الانفتاح والتعرف على الثقافات العالمية والقديمة والمعاصرة على قدر المستطاع، ثم نأخذ منها ما يتناسب مع مجتمعنا المصرى، ونلم بما لا يتناسب حتى نعرف طبيعة هذه المجتمعات.
ثم يأتي بعد ذلك دور الدولة في دعم المثقفين، والاهتمام بجميع النواحي الثقافية -كالاهتمام مثلا بكرة القدم،- وعمل أنشطة دورية ملموسة والتعريف بدور الثقافة في النهوض بالمجتمع. فإذا فعلنا ذلك فقد يتحقق ما نصبوا إليه في تحقيق مستوى ثقافي أفضل.
هل الثقافة المصرية قادرة أن تكون ثقافة عالمية وهل نشهد هذا الآن؟ وإذا لم نشهد ما الخطوات أو الرؤية لإعداد هذا؟
لو نظرنا إلى ما مضى لوجدنا أن الثقافة المصرية كانت من أكبر الثقافات العالمية، والدليل على ذلك نيل كاتبنا الكبير نجيب محفوظ لجائزة نوبل، وكان في وقته أيضًا طه حسين ويحيى حقي وغيرهم من الأدباء، وفي العلوم لدينا زويل. إذًا فمصر قادرة على أن تعود مرة أخرى للثقافة العالمية، ولكن للأسف نحن لا نشهد هذا الآن ولا أظن أننا نشهده عن قريب.
رؤيتي الشخصية لاستعادة مكانتنا الثقافية العالمية، تتمثل في خطوات بسيطة ولكن لا يلتفت إليها الجميع.
أولاً: الاهتمام بالمحتوى
ويتأتي ذلك من جميع النواحي، سواء كانت في الكتابة أو السينما، أو التليفزيون، فالمحتوى هو أساس الارتقاء بالوعي الثقافي.
ولكن للأسف نجد في مجتمعنا ثقافة من نوع آخر، وهو الاهتمام بما يدور في ذهن المتلقي، وبالعامية (السوق عاوز كده) وهذه آفة كبرى تعوق كل تقدم ثقافي، بل تساعد على تدهور المجتمعات سريعًا، فحتى دور النشر الآن تنشر لمن يدفع وليس لمن يكتب.
ثانيًا: الاهتمام بالكاتب
ولا نبالغ إذا قلنا إن الكتابة هي من أكبر منابع الثقافة، أو هي الأساس لكل ما يظهر على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة، وغيرها من الثقافات، وفي مجتمعنا المصري لا يهتمون بالكاتب، فتجد أن الكاتب هو أكثر من يهدر حقه ماديًا ومعنويًا دونًا عن الآخرين.
ثالثًا: الاهتمام بالنشء
وذلك عن طريق توجيهه إلى حيث الاهتمام الفكري وتنمية وعيه عن طريق ما نقدمه إليهم، بمعنى آخر الاهتمام ببرامج الأطفال، والكتابات المخصصة لهم، فعلى سبيل المثال، منع أفلام الكرتون والتي تقدم محتوى عنيف ، وآخر سطحي، والاهتمام بتقديم الأفلام التي تحث على القراءة وتنوع الثقافات. وبذلك ينشأ وعي الطفل على ما تربى عليه.
لماذا لا يدعم الأدباء الكبار صغار الشباب المبدع في الأدب؟
الحقيقة أن ظاهرة الأدباء الكبار قد اختفت، فلم يعد لدينا أسماء كثيرة رنانة مثل أسماء الماضي، فالموجود الآن هم بعض من لديهم خبرة في الكتابة ولهم أكثر من إصدار في أكثر من دار نشر، أما الأسماء الرنانة فهم الذين يكتبون للسينما وللدراما، وهؤلاء رغم نجوميتهم لا يتكلمون عن كاتب ولا يساعدون أحدا، خشية أن يلفتوا إليه الأنظار، وتهتم به الدوائر الإعلامية عنهم. ولكن هناك من يدعم الشباب، فمثلا الأستاذ عادل إدريس وهو كاتب ساخر، وله الكثير من الكتب، قد قام بعمل منتدى الإدريسى وقدم الكثير من الشباب لدور النشر، وأنا أيضًا قد اشتركت في كتابين مع اثنتين من تلميذاتى، كتاب إشراقة عشق، مع الكاتبة رضوى جاويش، وكتاب رسائل عشق مع الكاتبة كاميليا عصام، وحاليًا أقوم بعمل كتاب الحب يا صغيرتي مع الكاتبة فاطمة خيرت.
هل ترى أن هناك رقابة على الكتب؟
بالطبع فالرقابة على الكتب التي تنشرها دور النشر صعبة جدًّا، لأنه لا بد أن تقرأ المحتوى كاملا حتى تستطيع أن تكون رأيا فيه، وهذا لا يتسنى كثيرا، ويحتاج إلى مجهود، وعدد كثير من المراقبين، نظرًا لكثرة عدد الكتاب في هذه الأيام، أما الكتاب الديني أو السياسي فسهل أن تعرف محتواه، وقلة هم من يكتبون الآن في هذه المحتويات، ونظرًا للظروف السياسية التي مرت بها البلاد أصبح اتجاه الرقابة فقط على المحتوى السياسي والديني، حتى ولو احتاج إلى مجهود أكبر.
هل حرية النشر تؤدي للازدهار أم الرجعية؟
هذا السؤال يتوقف كثيًرا على المستوى الثقافي للمجتمع، فكلما كان المستوى الثقافي أعلى وأرقى كانت حرية النشر مصبا للازدهار، والمثال على ذلك كثير من الدول الغربية ذات الثقافة الراقية، فالكل ينشر ما يريد، وكل أيضًا يقرأ ما يريد، ثم يحكم مستواه الثقافي على هذه الأمور، أما في الدول المتدنية ثقافيًّا فقد يصبح مصبا للرجعية والتخلف، لأنهم سوف يتلقون ثقافتهم بناء على ما نشر، ولا تحكيم هناك للعقل ولا الفكر، فحرية النشر يختلف تأثيرها باختلاف المستويات الثقافية للمجتمعات.