السبت 23 نوفمبر 2024

عرب وعالم

فورين بوليسي: صعود الصين التكنولوجي يدفع واشنطن للتخلي عن سياسات صدارة التنافس الاقتصادي العالمي

  • 4-8-2021 | 18:09

الصين وأمريكا

طباعة
  • دار الهلال

في ظل الصعود التكنولوجي السريع للصين والمخاوف من سيطرتها على القطاعات التكنولوجية الرئيسية، لم يكن أمام الإدارة الأمريكية الحالية من بد سوى التخلي عن سياسات اقتصادية وضعها الرئيس الأسبق رونالد ريجان والنظر إلى السياسات الصناعية الأوروبية

والاستفادة منها؛ للحفاظ على الاقتصاد الأمريكي في صدارة المنافسة العالمية.

وبحسب الكاتب فريد باكر في تقرير لمجلة (فورين بوليسي) الأمريكية، فإن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن ألغت السياسات الاقتصادية المتعلقة بالموارد الجانبية القائمة التي أدخلتها الولايات المتحدة إبان فترة حكم الرئيس رونالد ريجان قبل أربعة عقود، حيث منع هذا

النهج الحكومة الأمريكية من أن يكون لها أي دور في تشكيل الاقتصاد من خلال السياسة الصناعية. وكان الاعتقاد السائد حينها أن خفض الضرائب والحد من أعباء اللوائح التجارية من شأنه أن يمنح الشركات والأسواق مساحة أكبر لجذب الاستثمارات وزيادة فرص العمل،

إضافة إلى مساهمة الإنعاش والازدهار الاقتصادي الناتج عن هذه السياسات في تعزيز ودعم الطبقة المتوسطة.

غير أن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن توصل إلى استنتاج مفاده أن هذا النهج لم ينجح. وعلى العكس من ذلك، أدى الصعود التكنولوجي السريع للصين ورغبتها المعلنة بوضوح في السيطرة على القطاعات التكنولوجية الرئيسية إلى تحريك الأمور بوتيرة أسرع في واشنطن،

ففي مبادرة نادرة من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري)، صوت مجلس الشيوخ الأمريكي لصالح حزمة بقيمة 250 مليار دولار لتعزيز الابتكار التكنولوجي والصناعي في تكنولوجيا الرقائق والذكاء الاصطناعي والحساب الكمومي (أي وسيلة تعتمد على مباديء ميكانيكا الكم

وظواهره مثل حالة التراكب الكمي والتشابك الكمي لمعالجة البيانات)، والروبوتات وغيرها من التقنيات. كما أنه يتم النظر إلى الحكومة الفيدرالية في عهد بايدن على أنها تلعب دورا مهما في تعزيز البحث والتطوير والتدريب المهني.

ويؤكد الكاتب أن حكومة الولايات المتحدة، بالطبع، لم تكن غائبة تماما خلال الفترات الماضية، حيث إنه والكاتب "أنطوان فان أجتميل" خرجا بنتائج مهمة حول هذا الأمر في كتاب لهما بعنوان: "أذكى الأماكن على الأرض: لماذا تعتبر أحزمة الصدأ النقاط الساخنة الناشئة

للابتكار العالمي" (حزام الصدأ هو مصطلح يطلق على المنطقة المتداخلة العليا شمال شرق الولايات المتحدة، البحيرات الكبرى وولايات الغرب الأوسط، وتشير إلى التدهور الاقتصادي، عدد السكان، واضمحلال المناطق الحضرية بسبب تقلص قوة القطاع الصناعي الذي كان

قويا سابقا).

ويرى الكاتب أن العديد من أجزاء حزام الصدأ الأمريكي هي أمثلة نموذجية على الإنعاش الناجح بمساعدة الحكومة، فبدعم مالي من الحكومات المحلية وحكومات الولايات، شهدت مدن مثل أكرون بأوهايو؛ وألباني بنيويورك؛ وببيتسبرج بولاية بنسلفانيا انتعاشا اقتصاديا مثيرا

للإعجاب. وكان التعاون بين الحكومات المحلية والشركات والجامعات والشركات الناشئة - التي تجمع بين المال والمعرفة - المحرك وراء هذا النجاح، وأدت مشاركة القدرات العقلية إلى تغيير أحزمة الصدأ إلى ما يمكن وصفه بـ "أحزمة دماغية" (قدرات العقل الخارقة).

ولكن كيف يمكن لواشنطن، بعد 40 عاما من الحد الأدنى من مبادرات السياسة الصناعية، أن تأخذ مكانها؟ اليوم، يمكن لفريق بايدن التعلم من الطريقة التي تتعامل بها أوروبا مع السياسة الصناعية، حيث تحفز المفوضية الأوروبية في بروكسل، على سبيل المثال، بناء ونمو النظم

الإيكولوجية التكنولوجية والصناعية الجديدة التي تجمع بين الشركات القائمة والشركات الناشئة الجديدة والمؤسسات البحثية ومرافق التدريب والحكومات المحلية. وتعد مشاركة القدرات العقلية وتمكين الشبكات (تقنيات الاحتياجات الأساسية التي تهدف إلى إتاحة حلول واعدة

للتكنولوجيا) هي حجر الزاوية في السياسة الصناعية الأوروبية.

وبحسب تقرير (فورين بوليسي)، فإن جوهر السياسة الصناعية الأوروبية -التي يمكن للولايات المتحدة أن تتعلم منه- هو بناء النظم البيئية بمشاركة القدرات العقلية. فلم تعد بروكسل تركز فقط على تدليل المزارعين بالإعانات، حيث تمول خطة التعافي من فيروس "كوفيد-19"،

التي وضعها الاتحاد الأوروبي بقيمة 891 مليار دولار، الابتكار التكنولوجي والرقمنة وأوروبا الخضراء. بالإضافة إلى ذلك، هناك أكثر من 1.2 تريليون دولار متاحة للاستثمارات المبتكرة في إطار صفقة أوروبا الخضراء، وهي مجموعة من المبادرات التي تهدف إلى جعل

أوروبا محايدة للكربون بحلول عام 2050، كما أعلن الاتحاد الأوروبي عن مبادرتين رئيسيتين هما: التحالف الأوروبي للبطاريات والتحالف الأوروبي للهيدروجين الأخضر، والهدف من ذلك هو تحويل أوروبا من دولة متقاعسة في مجال البطاريات وتكنولوجيا الوقود الأخضر

إلى المتصدرة العالمية.

وللمساعدة في بناء نموذج القدرات العقلية المشتركة، طلبت المفوضية الأوروبية أيضا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة تقديم مقترحات لمراكز الابتكار الرقمي. وسيُطلب من كل دولة -بما في ذلك مالطا وقبرص ولوكسمبورج- تخصيص مركز

واحد للذكاء الاصطناعي، بينما بالنسبة لبعض الدول الأعضاء، غالبا ما ستكون هذه هي المرة الأولى التي يعملون فيها على هذه المفاهيم. ولكن في العديد من البلدان، يمكن لبروكسل الاعتماد على الشبكات القائمة والقوية التي تركز على معاهد البحوث التطبيقية، مثل معاهد

"فراونهوفر" الألمانية والمنظمة الهولندية للبحث العلمي التطبيقي، والتي تعمل كجسور وشبكات وصل لربط الجامعات ومعاهد البحث الحكومية والشركات والشركات الناشئة.

وفي عام 2017، أدركت بروكسل أن وصول السيارة الكهربائية سيزيد بشكل كبير من الحاجة إلى البطاريات، وحيث إنه لا يوجد في أوروبا إنتاج كبير للبطاريات وتعتمد على آسيا التي تنتج أكثر من 85% من بطاريات العالم، فإنه في إطار التحالف الأوروبي للبطاريات سيُطلب

من رواد الأعمال والباحثين والسياسيين المحليين والشركات الناشئة والممولين بناء شبكات جديدة لدفع القدرات التكنولوجية وبناء القدرات التصنيعية، فيما خصصت المفوضية الأوروبية حوالي 11.9 مليار دولار لهذا التحالف بين عامي 2020 و 2030.

وتحقيقا لهذا الغرض، يجب أن تُبنى السلسلة الكاملة للمواد الخام، والبحوث، والشركات الناشئة، والموردين، والمنتجين، والعملاء، وإعادة التدوير، من الصفر. لقد أخذت المفوضية الأوروبية على عاتقها مسؤولية تطوير المعايير، والتي سيتعين على موردي تكنولوجيا البطاريات

غير الأوروبيين الالتزام بها أيضا. وقد انضمت بالفعل سبع دول هي: بلجيكا وفنلندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا والسويد إلى التحالف الذي يتوقع أن يضم 500 شركة صناعية وشركة ناشئة ومعهد بحثي.

وعبر الدعم المالي، تشجع المفوضية الأوروبية الشركات والمعاهد البحثية على إنشاء نظام بيئي جديد، والتعاون وإجراء البحوث المشتركة لدراسة المواد الخام وتكنولوجيا الخلايا وأنظمة البطاريات وإعادة التدوير. ومن بين المشاركين في ذلك شركتا BMW و BASF

الألمانيتين وشركة Eneris البولندية وشركة Umicore البلجيكية وشركة Peugeot الفرنسية ومختبر النقل الكهربائي السويدي (SEEL).

إن مختبر النقل الكهربائي السويدي (SEEL) العضو في التحالف الأوروبي للبطاريات هو مثال ممتاز حول كيفية عمل السياسة الصناعية للنظم البيئية الأوروبية. ففي عام 2017، استثمرت الحكومة السويدية ما يقرب من 119 مليون دولار في أبحاث كهربة النقل في جوتنبرج

بالسويد، وتم إنشاء مختبر النقل الكهربائي السويدي SEEL من جانب جامعة "تشالمرز" للتكنولوجيا ومعاهد البحوث في السويد. ولا تقتصر مشاريع SEEL على ربط الباحثين من الشركات المصنعة المعروفة، مثل Scania و Volvo -وهما شركتان تابعتان لفولكس فاجن

وجيلي فقط- ولكنها تشمل أيضا الشركات الناشئة مثل Northvolt، التي تخطط لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في السويد باستخدام قرض قيمته 59 مليون دولار من بنك الاستثمار الأوروبي.

وإلى جانب جامعة تشالمرز للتكنولوجيا، تجري "نورث فولت" أيضا أبحاثا حول إعادة تدوير البطاريات شديدة السمية، وهي عقبة رئيسية أمام كهربة النقل المستدام، وإذا نجحت الاختبارات الأولية، فسوف تنشيء شركة "نورث فولت" منشأة إعادة تدوير أكبر في شمال السويد

كجزء من مشروع مشترك مع Hydro، وهي شركة نرويجية للطاقة والألمنيوم. إن شبكات تكنولوجيا البطاريات التي تجمع بين القطاعين العام والخاص آخذة في الانتشار بسرعة في الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي أيضا، لاسيما ألمانيا. وإن مثل هذه الشبكات

تعتبر نموذجية بالنسبة لأوروبا، وتسمح للتحالف الأوروبي للبطاريات والمبادرات الأخرى المماثلة بالبناء عليها.

وفي صيف عام 2020، دعت بروكسل حكومات الدول الأعضاء والمعاهد البحثية والشركات والشركات الناشئة إلى إنشاء تحالف الهيدروجين النظيف الأوروبي. وبهذه الطريقة، تجاوبت المفوضية الأوروبية مع تطلعات مجموعة متنامية من الشركات الصناعية الأوروبية التي

اعتبرت الهيدروجين بديلا ضروريا للوقود الأحفوري. وعلى عكس تصنيع البطاريات، ما تزال تقنية الهيدروجين في مهدها، لذا فإن السياسة الصناعية على مستوى أوروبا مهمة للغاية لدفعها إلى الأمام.

وأصبح لدى بروكسل طموحات كبيرة، بينما لا تمتلك حاليا سوى القدرة على إنتاج ما يعادل 20 ميجاوات من الهيدروجين سنويا، لكن المفوضية الأوروبية تريد زيادة هذه القدرة إلى 6 جيجاوات بحلول عام 2024 و 20 جيجاوات بحلول عام 2030.

ودعت المفوضية الأوروبية الشركات والمؤسسات البحثية للانضمام إلى تحالف الهيدروجين، وهو ما استجابت له أكثر من 600 شركة. كما تم إنشاء مجلس لتحديد المشاريع الاستثمارية الكبرى، وتحديد العقبات، وتحفيز البحث والتطوير المتعلق بالنظام البيئي، فيما يمثل الرئيس

التنفيذي لشركة Royal Dutch Shell Ben والرئيس التنفيذي السابق لشركة Siemens مصالح الصناعة الأوروبية في مجلس الإدارة.

وتتطلع شركة Siemens التي تنتج توربينات الرياح وآلات التحليل الكهربائي للهيدروجين، لدمج التكنولوجيا المستخدمة في توربينات الرياح والتحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2026. كما تريد شركة Royal Dutch Shell بناء منشأة للتحليل

الكهربائي للهيدروجين بسعة 4 جيجاوات بالقرب من ساحل بحر الشمال بحلول عام 2030، وتخطط لتوسيع نطاق الانتاج ليصل إلى 10 جيجاوات بحلول عام 2040، وبمجرد تحديد والإعلان عن مثل هذه المشروعات الكبرى واحتياجاتها التمويلية، يمكن للمفوضية الأوروبية

والحكومات الوطنية أن توفر إعانات ودعم تنظيمي واسع النطاق.

وتعمل شركة Royal Dutch Shell جنبا إلى جنب مع شركات BP و ExxonMobil و Uniper و Gasunie على ما يسمى بمشروع الهيدروجين الأزرق باستخدام الغاز المتبقي من مصفاة نفط ضخمة في "روتردام" بهولندا كمصدر للطاقة. ويخطط القائمون على

المشروع لاحتجاز انبعاثات الكربون وتخزينها في حقول غاز فارغة تحت بحر الشمال، فيما تدعم الحكومة الهولندية المشروع بإعانة تقارب 2.4 مليار دولار. وفي جنوب فرنسا، هناك مشروع لانتاج الهيدروجين باستخدام الطاقة الشمسية مرهون بدء العمل فيه في عام 2023

على الإعانات التي تمنحها بروكسل وباريس.

ويرى الكاتب فريد باكر أن واقع الأمر هو أن قلة من صانعي السياسة الأوروبيين كانوا يؤمنون بالسياسات الاقتصادية التي انتهجها الرئيس الأمريكي الأسبق ريجان. ولكن الدول الأوروبية والمفوضية الأوروبية اختارت عوضا عن ذلك السياسات الصناعية التي تجعل جانب

العرض في الاقتصاد أكثر مرونة، وتبني على ما أنشأته الشركات الخاصة والمؤسسات العامة بالفعل في السنوات الأخيرة.

وأشار إلى أن جوهر السياسة الصناعية الأوروبية -التي يمكن للولايات المتحدة أن تتعلم منه- هو بناء النظم البيئية بمشاركة القدرات العقلية. فبعد 40 عاما من "ريجانوميكس" (السياسات الاقتصادية التي وضعها رونالد ريجان)، تستحق الولايات المتحدة حكومة اتحادية ذكية

تسهل عملية تقوية الشبكات القائمة وتدعو الشركات وحكومات الولايات والحكومات المحلية والشركات القائمة والشركات الناشئة والمؤسسات البحثية والتدريب لتشكيل تحالفات جديدة.

وكما أظهرت أوروبا، لا تتعلق السياسة الصناعية بكمية الأموال التي تضخها في الاقتصاد، حيث إن هذه هي طريقة التفكير الكينزية القديمة (النظرية الكينزية في الاقتصاد تركز على دور كلا القطاعين العام والخاص في الاقتصاد أي الاقتصاد المختلط حيث يختلف مؤسس

النظرية مع السوق الحر (عدم تدخل الدولة) أي أنه مع تدخل الدولة في بعض المجالات)، ولكن ما يهم أكثر في هذا الأمر هو أين تذهب هذه الأموال. والخلاصة هي أن الاستفادة من هذه الدروس هي الطريقة الذكية لإدارة بايدن للحفاظ على الاقتصاد الأمريكي في صدارة

المنافسة العالمية.

 

الاكثر قراءة