الخميس 23 مايو 2024

عن مذبحة الأقصر الشهيرة.. كيف اغتال الإرهاب قلوب العاشقين في رواية "دماء من قلب المعبد"

عن مذبحة الاقصر الشهيرة.. كيف اغتال الإرهاب قلوب العاشقين في رواية دماء من قلب المعبد

ثقافة21-8-2021 | 17:19

مريانا سامي

صدرت رواية "دماء من قلب المعبد" للكاتب سامح مصري عن دار الأدهم للنشر والتوزيع، وقد شاركت في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، وسامح مصري هو كاتب مصري مقيم في ولاية كاليفورنيا، ولد عام 1974، وحصل على بكالوريوس السياحة والفنادق ثم ماچستير في إدارة الأعمال من جامعة كاليفورنيا.

رواية قصيرة لا تصل للمئة صفحة يكتبها المؤلف بقلبه قبل يده وفكره، يجسد الأحداث بروح مرشد سياحي مُغرم بالأثار المصرية وبالحضارة والتاريخ العريق، وشاهد على السياحة المصرية في فترة التسعينات بالتحديد في منطقتي الاقصر وأسوان حيث عبق التاريخ يفوح مُعلنًا عن نفسه بصوت يملئه العزة والفخر.

حاول الكاتب أن يقدم روايته كهدية لفئة معينه وهم العاملين بقطاع السياحة والاثار في مصر وما يعانوه وأظنه لم يجد أهم وأكبر من حدث مذبحة الأقصر الشهيرة في التسعينات لتدور أحداث روايته في هذا الفلك، ومن نفس المنطلق يحاول أن يُطلع القارئ العام على تضحيات العاملين بالقطاع ذاته.


تبدأ الرواية بتعارف بطلي القصة أدم المرشد السياحي المصري حتى النخاع وإيفا المصرية الأمريكية وذلك على مركب سياحي حيث يرافق أدم وفد إيطالي وترافق زميلته "نيڤين" الوفد المصري الأمريكي، يقع أدم في غرام إيڤا من النظرة الأولى مُحطمًا كل وجهات نظره و أرائه وسخريته من أصدقائه سابقًا.


يرتب القدر حادثة إلتواء قدم إيڤا لتكون نقطة إنطلاق علاقتها بأدم وبداية لطاقة حب تنير قلبها بل تهز وجدانها بعنف العشق والغرام التي لم تتذوقه من قبل، حتى أدم هذا الشاب الأسمر التي لطالما بحثت له أمه عن عروس جميلة وكان يرفض في كل مرة وجد ضالته أخيرًا في هذا الملاك المتجسد أمامه في هيئة أنثى.!

يوظف الكاتب أيضًا أداة محورية ومهمة وفاصلة في علاقة أدم وإيڤا وهو "الكرسي المتحرك" الذي يصبح السبب الرئيس في لقاءات البطلين وتعرفهما على بعضهما البعض بشكل أكبر وأعمق، حيث كانت إصابة إيفا تمنعها من الحركة وفي نفس الوقت تطوع أدم بكل حبه بالكرسي المتحرك ليأخذها في جولة سياحية خاصة بها كي لا يعكر عليها صفو عطلتها.

حين تندمج في القراءة سوف تشعر وكأنك تقوم مع الأبطال برحلة سياحية تتعرف فيها على المعالم الأثرية لمنطقتي الأقصر وأسوان، وأظن أن الكاتب وظف خبرته ومعلوماته في التاريخ والحضارة المصرية بشكل أدبي رائع يجعلك تستقبل المعلومة في سياق رقيق غير تقريري جامد، فها هو أدم يشرح بفخر مكانة المرأة المصرية القديمة وعين إيڤا تلمع حب وإندهاش، ويهديها سلسلة بها عين حور لتحميها كما كان يعتقد المصريون القدماء، وطوال الرحلة السياحية سوف يتعرف الكاتب على أسباب للتسميات المختلفة للأله والمعابد وحتى المعتقدات القديمة.

ناقش الكاتب في سياق متصل مشكلات الفجوة الثقافية بين جيل الأباء والأبناء المهاجرين، حيث أختلاف العادات والتقاليد  ومدى تأثيره على علاقتهم بعضها البعض، فيدلل على ذلك مثلاً بعلاقة إيفا بوالدها المصري بالميلاد والهوية، كذلك يناقش العلاقة العكسيه بين تكريم وتقديس المرأة قديمًا وبين الأفكار الذكورية حديثًا.

في نهاية الرحلة السياحية يعترف أدم لحبيبته بحبه عارضًا عليها الزواج والتفكير بشكل جاد في مستقبلهم المهني والشخصي ويتفقا على خطبتهما بعد إخبار أسرتيهما وبالفعل يتم ذلك وتغادر إيفا مصر على وعد بلقاء مرة ثانية لاتمام الخطبة، وفي فترة بعدهما المكاني كانا يتواصلان مرة أسبوعيًا ويبين الكاتب في ذلك مدى شغف الحبيبين وانتظارهما لليوم الأسبوعي للتواصل. 

رصاص ودماء يملئ معبد الدير البحري في الأقصر، هلع وصراخ وفقد وحادث مأساوي تتناقله الصحف والناس، مذبحة الأقصر الشهيرة في التسعينات والتي تسببت في استشهاد حوالي 58 روح بريئة من جنسيات مختلفة بينهم مرشد سياحي مصري واحد ضحى بروحه في سبيل انقاذ الفوج الذي يرافقه؛ حدث فاصل في أحداث الراوية يقلب الأمور رأسًا على عقب وتتأكد من ذلك حين تتابع مع إيفا التي تكاد أن تجن من عدم تواصل أدم معها في موعدهما الأسبوعي، حتى تسمع أسمه ضمن الشهداء في قناة إذاعية عابرة لم تشفق على قلبها الصغير المُحب فسقطت على الفور في حالة صحية سيئة. 

بالطبع لم تكن الرواية سيرة ذاتية حقيقية لهذا المرشد السياحي البطل، لكنها قصة تخيلية عن أحلام شاب فقد حياته بسبب العنف والتطرف والإرهاب، تسليط ضوء على حياة واحد من ألاف الشباب الذين يتساقطون يومًا وراء يومًا بسبب أفكار متطرفة وأناس تحولوا عن فطرتهم وتوحشوا، فلكل شاب شهيد مثل "أدم" كانت له حياته وخططه وأسرته التي تحبه وفتاة يعشقها قلبه وحكاوى لن تحكى أبدًا اغتالتها يد الأثم والعدوان في لحظات غادرة. 

يستكمل الكاتب حتى النهاية نتيجة خبر اغتيال أدم على حبيبته حيث يذكر ثلاث سنوات تمر على إيڤا في علاج تأهيلي نفسي كي تتجاوز صدمة فقدانها لحبيبها ثم بعدها ينتقل المؤلف نقلة زمنية كبيرة تتجاوز العشرين عامًا حيث تزوجت إيفا وأنجبت ندى أبنتها التي تدرس حضارة وتاريخ الشرق الأوسط وتسعى لزيارة مصر؛ لكن لوالدتها رأي أخر فبعد مرور كل هذه السنوات لن يندمل جرحها أبدًا. 

رواية "دماء من قلب المعبد" في صفحاتها الأولى كان السرد فيها شبه تقريري مما يفقد القارئ بعض الانسجام والتعمق في المشاهد، إنما في الصفحات التالية حيث عمق الأحداث تبدأ طريقة السرد في الإختلاف بشكل يجذب أنتباه القارئ مرة أخرى ويجعله يتفاعل بشكل أقوى نسبيًا مع الأحداث. 

على المستوى الشخصي كنت أفضل فرد مساحات أعمق وأكبر للشخصيات المحورية في الأحداث ولحدث مذبحة الأقصر على وجه التحديد، لكن نستطيع القول أن الرواية في شكلها الحالي  ليس بها أي خلل بالتفاصيل أو اختصار غير مرغوب.