السبت 18 مايو 2024

علموا أولادكم.. مهارات سوق العمل

مقالات21-8-2021 | 23:21

بدلاًمن أن تلعنوا «الإخفاق» في الثانوية العامة، تخلصوا من الفكر القديم. ونظرية تراب الوظيفة الميري.. وواكبوا التطور الهائل في العالم.. ورسِّخُوا في أبنائكم الأفكار الخلاقة.. والملكات والإبداعات.. فعدم الالتحاق بكليات القمة ليس نهاية المطاف.. فكم من عظيم لم يدخلها.. وهناك شباب يحصلون علي رواتب خيالية بالعملات الصعبة.. لأنهم أدركوا الطريق الصحيح، ونسفوا الفكر القديم.. بأساليب مختلفة في التفكير.
 
«انسف» فكرك القديم .. وكُن مواكباً للتطور والإبداع والتكنولوجيا فى العالم.. لا تبك على لبن الثانوية المسكوب واصنع قمتك بنفسك

 

أفكار قديمة وموروثات.. أصبحت لا تصلح الآن، ولا تخاطب أو تلبي حالة التطور الفريدة التي نعيشها.. ولا تتواكب مع الظروف التي نعيشها في هذا الزمن في ظل تطور تكنولوجي رهيب، والذي يشهد تغييراً في كل ثانية، ويحتاج عقولًا وكوادر تتمتع بمهارات إبداعية.. واتساق واستعداد لمواكبة هذا السباق التكنولوجي.
وظائف كثيرة بالمئات، حسب التقارير سوف تنتهي، وتصبح «موضة قديمة» في ظل التطور الهائل في تقديم الخدمات وانخفاض معدلات الاعتماد علي العنصر البشري، لذلك لابد أن نفهم ونستوعب هذا التغير والتطور الهائل ونستعد له ونتجاوب معه، خاصة المتعلق باحتياجات سوق العمل في هذا العصر، الذي يبحث ويحتاج مواصفات خاصة ومهارات استثنائية تجلب دخلاً سخياً، يوفر حياة أكثر رفاهية.. فالإنسان الآن أصبح «كياناً».. والكيان يحتاج اكتساب المهارات وإبداعات وقدرات، حتي يظل مطلوباً ومرغوباً من الجميع.
للأسف الشديد.. كأسر وأولياء أمور، لم نستوعب بعد طبيعة التطور والتقدم الذي اقتحم حياتنا رغماً عنا.. ولم نتجاوب مع هذا التقدم بالقدر الكافي ولم نغير أفكارنا.. ومازلنا نتعلق في حبال القديم.. فالأسر وأولياء الأمور مازالوا يتمسكون بفكرة الالتحاق بكليات القمة، ويعتبرونها نهاية المطاف ومنتهي الحلم.. وإذا لم يلتحق الابن أو الابنة بكليات الطب والهندسة والاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام، فإنه فشل في تحقيق الحلم.. ما هذا الفكر القديم الذي لا يتناسب مع احتياجات سوق العمل والمهارات المطلوبة لتولي أفضل الوظائف ذات الدخل المرتفع جداً.
هذا لا يعني انتقاصاً من قدر كليات الطب والهندسة والسياسة والاقتصاد والإعلام والألسن والصيدلة علي الإطلاق.. لكن عدم الالتحاق بهذه الكليات ليس نهاية المطاف.. فربما يستجيب الابن أو الابنة لرغبة الأب والأم في الالتحاق بهذه الكليات دون رغبته وفي النهاية يصبح طبيباً أو مهندساً أو إعلامياً أو سياسياً أو صيدلانياً ضعيفاً، أو ربما فاشلاً، أو ربما بدون وظيفة.. لأنه لم يقدم المردود الذي يحتاجه سوق العمل.
هناك وظائف كثيرة فرضتها حالة التطور الهائل التي نعيشها هذا العصر، ربما بالمئات، لكنها تحتاج إلي مهارات خاصة ومواصفات استثنائية.. فالذكاء أن تدرك وتعي متطلبات سوق العمل.. فهناك شباب حاجه تفرح.. ربما يؤدي عمله من بيته.. وتستفيد من مهاراته كبريات الشركات الدولية والعالمية، ويتقاضي أكثر من 3 آلاف دولار شهرياً.. علي سبيل المثال هناك شاب أعرف قصته جيداً.. نجح في تقديم فكرة أو تطوير لإحدي الشركات العالمية في مجال معين.. ويحصل علي نسبة من مبيعات وأرباح الشركة، وصلت أسبوعياً إلي ألفي يورو، أي أنه يتقاضي شهرياً 8 آلاف يورو.. ولديه رصيد في البنك الآن تجاوز الـ500 ألف يورو، ورغم أن عمره لم يتجاوز 19 عاماً.
دعونا نتحدث عن نموذج آخر لشاب مصري تخرج في كلية الهندسة هو «مصطفي قنديل» الرئيس التنفيذي لشركة «سويفل» المتخصصة في مجال النقل التشاركي، وبدأ فكرته بمجرد تطبيق علي الموبايل، وأصبح يمتلك شركة دولية.. موجودة في كبري البورصات العالمية.. واستقبله الدكتور مصطفي مدبولي، رئيس الوزراء.. هو نموذج وقدوة للشباب المصري.. فالدولة الآن تدعم وبقوة كل الأفكار والجهود من الشباب المصري.. وأبدي الدكتور مدبولي استعداد الحكومة لدعم الشركة متمنياً رؤية آلاف الشركات في مصر مثل شركة سويفل.
مصطفي قنديل أكد أن الشركة انطلقت من مصر، وهي بالأساس شركة مصرية، لكنها توسعت في أسواق أخري.. وقنديل كما يقول: هو ثاني أصغر رئيس تنفيذي لشركة في بورصة «ناسداك» الأمريكية، وتبلغ قيمة الشركة المالية ملياراً ونصف المليار دولار.. ويسعي قنديل إلي زيادة هذه القيمة إلي 15 مليار دولار خلال العام المقبل فقط!!.. يالها من تجربة عظيمة، وياله من نموذج فريد.. ومَثَل ونموذج أمام شبابنا الذي مازال يحلم بتراب الوظيفة الميري في عالم التطور والأفكار المبدعة والعقول المتوهجة.. قنديل أكد أن هناك مئات المشروعات في مصر التي يقودها الشباب، استطاع أصحابها أن يصنعوا علامات فارقة ونجاحات مبهرة، يمكنها أن تدخل غمار المنافسة عالمياً، وتخلق قصص نجاح مهمة.. وأن ذلك يعود إلي توجه الدولة الواضح لدعم مجال ريادة الأعمال والشركات الناشئة.
لو واصلت سرد النماذج الشبابية المهمة في العالم، ما كفت هذه السطور.. لذلك أقول لأولياء الأمور الذين يندبون الحظ.. ويلطمون الوجوه.. ويشقون الجيوب علي ضريح الثانوية العامة.. «علِّمُوا أولادكم مهارات وإبداعات واحتياجات سوق العمل.. وسلحوهم بالتكنولوجيا ومواكبة التطور ومعرفة لغات العالم.. بدلاً من انتظار وظيفة تدر الحد الأدني للكفاف.. اغرسوا فيهم التطلع والطموح.. ورسخوا بداخلهم الفكر الخلاق والانفتاح، وعدم الاتكالية والتواكل.. دعوهم يحلقوا في آفاق المستقبل منذ الصغر».
حديثي لا يعني التخاذل والتقصير في المذاكرة، وتحصيل الدروس والحصول علي أعلي الدرجات والتفوق في الثانوية العامة، ولكن علينا أن ندرب أبناءنا منذ الصغر علي مواكبة التطور.. فلا يمكن أن يتحول جهاز الكمبيوتر أو «اللاب توب» أو التليفون إلي وسيلة للألعاب والترفيه فقط.. ولكن للاطلاع والمعرفة والوعي بالأفكار الخلاقة، والتعلم وكسب مهارات جديدة.. والتعرف علي التجارب الناجحة.. لماذا لا نشرك أطفالنا منذ الصغر في دورات الحاسب الآلي والكمبيوتر، حتي نصل إلي المتقدمة منها.. ولماذا لا نعلمهم اللغات المختلفة مثلما نذهب بهم إلي النادي أو المصيف أو المدرسة، علينا أن نلحقهم بالدورات المتقدمة التي تخاطب احتياجات سوق العمل في الحاضر والمستقبل، لماذا لا نحرص علي إكسابهم مهارات جديدة.. وتدريبهم علي القيادة وريادة الأعمال منذ الصغر.. فلا يمكن أن نجعل أبناءنا في حالة «هشاشة» إبداعية.. وفقر في المهارات والإبداعات، أو جمود في مواجهة التطور التقني والتكنولوجي الهائل.. ولماذا نعزلهم عن عالم يعتمد علي الفكرة أو الأفكار الخلاقة التي تجلب الملايين، وأحياناً المليارات.. هناك دول لا تمتلك موارد طبيعية أو إمكانيات جغرافية أو أجواء مثالية.. ولكنها تقدمت بالأفكار الخلاقة والعلم والبحث العلمي، نتاج عقول أبنائها.. هناك أفكار صنعت دولاً متقدمة.. وأفرزت أثرياء العالم.. وتحقق مليارات الدولارات.
خلال إحدي الزيارات للصين تلقيت دعوة لزيارة مصانع شركة «هواوي» العالمية، التي لا يذكر منها المواطن المصري سوي أجهزة المحمول.. وإذا بي أفاجأ أن بها 88 ألف باحث، قدموا أكثر من 80 ألف فكرة وتطوير، وحجم أرباح الشركة يفوق الخيال ويتجاوز ميزانيات دول.. وصاحب الشركة بدأ بدولار بعد خروجه لسن التقاعد أو المعاش.
إن عدم الالتحاق بكليات القمة المزعومة ليس نهاية المطاف، وليس شرطاً أن تحقق السعادة لمن تحقق حلمه في الالتحاق بها، ولا أدري لماذا كل هذه «المندبة» علي الذين لم يوفقوا في الحصول علي مجاميع للالتحاق بكليات القمة.. لذلك لابد أن نغير الفكر وتنشئة الأبناء وإمدادهم وإعدادهم وتأهيلهم بالمهارات اللازمة.. وعلي الجميع أن يتصدي للفكر القديم.
الإعلام مطالب بأن يعرض النماذج الشبابية التي تفوقت وحققت نجاحات هائلة، ولم يتوقفوا كثيراً عند نوعية الكلية أو الدراسة، أو لم يلتفتوا للوظيفة الحكومية.. فالوظيفة الواحدة لمستحقها تتكلف مبالغ طائلة.. وبحسبة بسيطة تحتاج ميزانيات طائلة لتوفير وظائف.. لكن نجاحات وإبداعات الشباب توفر الكثير علي ميزانية الدولة، وفي أحيان كثيرة ودول عديدة تضيف لميزانيات وموارد الدول.
الأمر المهم الذي يجب أن تتوسع فيه الحكومة كثيراً هو توفير مراكز حديثة وجادة ومنضبطة، وعلي أحدث مستوي عالمي لتنمية مهارات وإبداعات أبنائنا وإعدادهم بشكل جيد للحياة، وسوق العمل بشكل يواكب الحاجة والمتطلبات، ويفرز لنا جيلاً من المبدعين وأصحاب الفكر الخلاق.. وأيضاً مراكز ريادة الأعمال وإتاحتها للشباب وبأسعار مناسبة.. ليتخلص شبابنا من الفكر القديم وتراب الوظيفة الميري، وينطلق لمواكبة العالم.. وعلي الإعلام أن يوفر الإعلان عن هذه المراكز، وعلي كل أسرة وولي أمر أن يحفز الأبناء علي المشاركة والتعلم واكتساب المهارات وأساليب الفكر والإبداع وتعلم القيادة وريادة الأعمال، ليخلق لنفسه فرصة ثمينة يستطيع من خلالها أن يحصل علي وظيفة مرموقة ومجزية مالياً تحول حياته إلي رفاهية واستقرار ووعي، وفي هذه الحالة تكسب الدولة مواطناً يليق بالتطور العصري والتكنولوجي، ويلبي احتياجات سوق العمل المحلي والإقليمي والدولي، ويوفر لها دخلاً قومياً وعملات صعبة بدلاً من أن ينتظر منها وظيفة تكلفها مبالغ طائلة علي حساب خدمات جموع الشعب.
لن تتقدم الأمم والدول إلا بالأفكار الخلاقة والتأهيل والإعداد والتدريب علي متطلبات العصر ومجاراة التطور التكنولوجي الهائل في شتي المجالات.. فلماذا لا نطلق مجموعة من المبادرات في هذا المجال، ونعلن عن مراكز الإعداد والتأهيل والتدريب، وإذا كانت موجودة بالفعل.. فأين هي.. والتقصير يعود لمن؟!.. هل الإعلام هو المسئول عنها.. ولماذا لا تتحول المدارس والجامعات إلي مراكز لتعليم هذه المهارات والملكات التي تتوافق مع سوق العمل؟!.. بالفعل لدينا جامعات جديدة في مجال العلوم التطبيقية لكن يجب أيضاً إتاحتها في الجامعات الحكومية وبكثرة، بدلاً من تعليم الحفظ والصَّمْ، والتلقين الذي نعاني منه.
أقولها بصوتٍ عالٍ لكل أولياء الأمور: لا تلوموا التعليم، ولكن لوموا أنفسكم.. وعلموا أولادكم مهارات وإبداعات ومواصفات سوق العمل.. فالعلم متاح حتي علي أجهزة الكمبيوتر الموجودة في بيوتكم بكثرة، لكنها تقتصر فقط عندكم علي الألعاب والترفيه.. فلنغير الفكر والطريق.. ولا نجعل من الثانوية العامة والمجاميع المنخفضة شماعة نعذب بها أنفسنا، ونصيب أبناءنا بالإحباط والجمود.

تحيا مصر

الاكثر قراءة