يمتلك المؤلف محسن زايد موهبة مثل بحر يتدفق لا تنقطع موجاته، ويعيش مع شخصياته ويعرف مفاتيحها، لا تعنيه بساطة أو ثقافة وطبقة الشخصية الظاهرية، هو يبحث بتأمل داخل نفوسهم وعقولهم التي تنخر فيها أسئلة حول الحياة والموت، يغوص بعمق ليخرج منهم بفلسفة دون أن تتشابه شخصياته.
تجد "المعلم شوشة" في "السقا مات" الرجل الذي يخشى الموت بعد وفاة زوجته "آمنة" أثناء ولادة ابنه "سيد" ثم يسوق له القدر في طريقه "شحاتة أفندي" صبي الحانوتي الذي يسير خلف الجنازات ليعيش معه في نفس البيت، ليلقى لـ"السقا" خلاصة خبرته وفلسفته في الموت بعد كل بعد الجنازات التي سار خلفها "أوعى تفتكر اللي بيبكوا في المياتم بيبكوا على المرحوم أبدا؛ معظمهم خايفين من الموت علشان كده بيبكوا مقدما"، وبعد أن عادت ل"شوشة" ثقته في الحياة تركه "شحاتة" ومات وبعد دفن صديقه يتخلى "شوشة" عن خوفه ويواجه الموت ويتكلم معه، ليصير صديقا له ليلا ويرتزق منه في الصباح.
بينما في "حديث الصباح والمساء" تجد "داود باشا" يسأل شقيقه "عزيز المصري" سؤال بعد سنوات من العمر الطويل "احنا جينا الدنيا ليه يا عزيز؟ إيه سبب وجودنا من الأصل" ليرد بجملة عبقرية في آخر المشهد "كل حيّ جاي يشهد مكتوبه جاي يشهد على اللي اتكتبله في اللوح المحفوظ ويتوكّل" يعطي محسن زايد شخصياته الفرصة لاكتشاف أنفسهم بعد أن يلقي علي كل منهم مصيره أمامه، هو صاحب الموهبة المتفردة وشديد الذكاء وأهم كتاب ومؤلفي الدراما والسينما.
ولد محسن زايد في 23 أغسطس 1944 بحي السيدة زينب بالقاهرة، التحق بالمعهد العالي للسينما في قسم المونتاج وقبل تخرجه بسنة واحدة انتقل إلي قسم الإخراج، قضى في الخدمة العسكرية نحو 6 سنوات وشارك فيها في حرب 1967 وأكتوبر 1973 لتكون لديه خلفية سياسية طغت على بعض كتاباته.
بدأ مشواره في كتابة السيناريوهات بفيلم "حمام الملاطيلي" 1973 للمخرج صلاح أبو سيف أثناء تأديته الخدمة العسكرية، ليكرر التجربة مع مخرج الواقعية "أبو سيف" مرة أخرى في فيلم "السقا مات" 1977 عن رواية الأديب يوسف السباعي، "السقا مات" التي تناقش فلسفة الموت، في مغامرة إنتاجية من المخرج يوسف شاهين وعند عرض الفيلم استقبله النقاد والجمهور بترحاب شديد وأعتبره النقاد من علامات السينما المصرية.
لم يتوقف قلم "زايد" عن الكتابة وكتب سيناريو وحوار فيلم "إسكندرية ليه" 1979 للمخرج يوسف شاهين، وفي فترة السبعينيات كتب للتليفزيون عدة مسلسلات أبرزها "أرض النفاق، العطش".
فترة الثمانينيات شهدت توهج محسن زايد دراميا وكتب واحد من أجمل أعماله "عيلة الدوغري" 1980 المأخوذ عن مسرحية بنفس الأسم للمسرحي نعمان عاشور، وبعده وفي نفس العام"القضية 80"، وتألق في "ولسه بحلم بيوم" 1981 وفي العام التالي "ليلة القبض علي فاطمة".
بدأت رحلته مع نجيب محفوظ من فيلم "أيوب" 1983 للمخرج هاني لاشين، وبطولة عمر الشريف، عن قصة أديب نوبل التي تحمل نفس الاسم، وعُرف عن محسن زايد بأنه أفضل من قدم أعمال "محفوظ" دراميا في الثلاثية، وفي عام 1989 كان علي موعد مع إبداع جديد يليق بحجم موهبته عندما كتب سيناريو وحوار فيلم "قلب الليل" للمخرج عاطف الطيب وبطولة نور الشريف.
فترة التسعينيات شهدت تألق جديد يضاف إلي سجلات محسن زايد عندما كتب فيلم "المواطن مصري" للمخرج صلاح أبو سيف، ودراميا في مسلسل "الحاوي" 1997 بطولة فاروق الفيشاوي، وفي العاك التالي كانت مع رائعة جديدة من روائع نجيب محفوظ في "السيرة العاشورية_ الحرافيش" وكانت النهاية مع واحد من أهم مسلسلات التليفزيون في فترة الألفية مسلسل "حديث الصباح والمساء".
تزوج "زايد" 3 مرات وله ثلاث أبناء هم "نشوى وشريف" والمخرج الراحل ياسر زايد، وهو ابن خال الفنانة معالي زايد واشتركت معه في عدة أعمال من كتاباته "ثلاثية نجيب محفوظ، القضية 80، الحاوي، عيلة الدوغري".
ظل يعمل محسن زايد حتى النفس الأخير ليخطفه الموت ويرحل عن عالمنا في 27 يناير 2003، عن عمر ناهز 59 عاما بعد أزمة قلبية مفاجئة، ورغم قلة أعماله إلا أنها مازالت باقية تعيش طوال الأبد، شاهدة علي موهبة أفضل كتاب الدراما والسينما.