الأربعاء 27 نوفمبر 2024

مقالات

الكاظمي يضع بغداد فوق قمة الالتقاء بين الفرقاء والشركاء

  • 27-8-2021 | 20:40
طباعة

من النادر أن تصبح بغداد مركز اهتمام دولي وإقليمي يجتمع فيه الرفقاء والخصماء معا، لبناء تكامل إقليمي وصياغة مسارات مشتركة يتوسطه العراق ويلعب دور بيضة القبان فيه.

مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، هو لقاء تاريخي لجميع دول الجوار العراقي، يضم لاعبين إقليميين ودوليين مهمين مثل فرنسا ومصر وقطر والإمارات والسعودية وإيران، ويشير إلى مكانة بغداد المعززة، بقيادة السيد مصطفى الكاظمي.

نصف الحضور سيشاركون بأعلى مستوى، ومن بينهم العاهل الأردني الملك عبد الله، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وعبد الفتاح السيسي من مصر، وتميم بن حمد من قطر. وستشارك الكويت مع رئيس وزرائها صباح الخالد الصباح ، نظرا للحالة الصحية للأمير الذي أبدى استعداده للحضور سابقا. محمد بن راشد سيمثل الإمارات العربية المتحدة. سترسل إيران وزير خارجيتها الجديد، حسين أمير عبداللهيان. لم يتم تأكيد تركيا والسعودية بعد لكن من المتوقع أن يحضر رئيسا وزرائهما او وزراء خارجيتهما على الأقل. ويعد هذا في حد ذاته نجاحا كبيرا، حيث يعتمد عادة نجاح المؤتمرات بحضور نصف أعضائها في اعلى المستويات.

 

في الواقع ، فإن جلب القوى الإقليمية ذات الثقل إلى طاولة مشتركة، وهي في حالة صراع مفتوح مثل إيران والمملكة العربية السعودية هو بحد ذاته إنجاز دبلوماسي يمكن أن تدعيه حكومة الكاظمي. وكان الكاظمي قد توسط واستضاف ثلاث جولات من المفاوضات بين إيران والسعودية ، بالإضافة إلى بعض المبادرات الأخرى بين الدول المتصارعة في المنطقة. ويأتي المؤتمر استمراراً لجهود الحكومة لتخفيف حدة التوتر في المنطقة ودعم الاستقرار في العراق.

 

تحدث السيد حسن ناظم، المتحدث الرسمي باسم الحكومة ووزير الثقافة، عن أجندة طموحة وواسعة النطاق. ويهدف المؤتمر، حسب قوله، إلى تحقيق أمرين:

الأول سياسي من خلال المساعدة على "تهدئة التوترات بين الدول الأخرى في المنطقة" مما "يساعد العراق على استعادة استقراره".

والآخر اقتصادي، يعزز الشراكات الاقتصادية بين المشاركين في المؤتمر في مجموعة من المجالات بما في ذلك النفط والكهرباء والزراعة والثقافة والتعليم ومشاريع بناء المدارس.

 

على الصعيد السياسي، يبدو أن هناك إجماعاً بين المشاركين حول دعم الاستقرار في العراق. لا يوجد بلد في المنطقة يستفيد من دولة عراقية ممزقة وغير قادرة بشكل ميؤوس منه على فرض سلطتها على الصعيد الوطني. يمكن للعراق المضطرب بشكل خطير أن يصبح محركًا لعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة، مع انتشار جميع أنواع الأنشطة الإرهابية والإجرامية عبر الحدود.

 

إلى جانب هذا الإجماع الإقليمي على دعم حرب العراق ضد الإرهاب، فإن استقرار العراق يعني أشياء مختلفة للقوى الإقليمية المختلفة التي اجتمعت في المؤتمر. وهذا هو التحدي الأكبر للعراق في صناعة واقع جديد للتعاون والشراكة والتكامل الإقليمي في المنطقة. وإن كان طرفا واحدا يمكنه أن يقوم بذلك في المنطقة، فهو العراق، بسبب موقعه الجيوسياسي الاستراتيجي المهم توسطه بين مختلف القوى المتخاصمة والمتنافسة.

 

كانت هناك تحالفات وتجاذبات كثيرة في تاريخ المنطقة، ولكن يعد هذا فريد من نوعه، حيث هو تحرك من داخل المنطقة مدعوم من قبل الدول الموجودة فيه، دون تدخل خارجي، وفي نفس الوقت مرحب به من قبل المجتمع الدولي.

بجانب الفوائد السياسية الكبرى للمؤتمر، هناك قابليات واعدة لتعاون اقتصادي واسع بين دول المنطقة بمركزية العراق.

 

فرنسا قد حصلت على عقد استراتيجي في مجال الطاقة بحضور شركة النفط العملاقة، توتال، كما هي تعمل على تجديد مطار الموصل الدولي التي حصلت عليها شركة (Aeroports de Paris Ingenierie). ويتطلع العراق الى المزيد من التعاون الاقتصادي مع فرنسا، ولا سيما في مجال الطاقة، على أمل ملء الفراغ الذي خلفه رحيل بعض الشركات العالمية العملاقة اثر الاضطرابات السياسية والشعبية إبّان الحكومة السابقة.

 

مصر والأردن تتطلعان إلى اتفاقيات التجارة والبنية التحتية. إن شراء الكهرباء من الأردن سيجعل الإيرادات متاحة للمملكة الهاشمية التي تعاني من ضائقة مالية، وينوع مصادر استيراد الطاقة للعراق. كما يعمل العراق على تصدير النفط عبر ميناء العقبة الأردني وربما عبر الموانئ المصرية المجاورة، في محاولة طموحة لتنويع منافذ التصدير في البلاد وجعلها أقل رهينة بالاضطرابات الأمنية والسياسية التي قد تهدد سلامة الطرق البحرية عبر الخليج العربي. وهناك حاجة ماسة لمشاريع البنية التحتية المخطط لها مع هذين البلدين والتي تشمل بناء الطرق والجسور والمدارس في العراق.

 

سيشهد المؤتمر على الأرجح توقيع اتفاقيات الشراكة الاقتصادية التي كانت قيد الإعداد منذ أشهر، وعلى رأسها العقد مع شركة توتال الفرنسية.

كما أن المملكة العربية السعودية والأمارات المتحدة العربية ودولة قطر يتطلعان الى استثمارات واسعة في العراق في مجالات الزراعة، والطاقة، والمصارف وغير ذلك.

وإيران تبحث عن منفذ ترانزيت الى غرب آسيا واروبا عبر العراق، ما سيدعمه مشروع ربط السكك الحديدي بين البصرة وشلمجة، الذي تم توقيعه قبل أشهر.

 شيئان في هذا المؤتمر يعكسان تفكير وشخصية السيد الكاظمي. الأول هو استخدام التعاون الاقتصادي لحل أو تقليل الآثار السلبية للصراعات السياسية. المبدأ نفسه منطقي: الفوائد الاقتصادية تجمع الناس معًا بينما تفرقهم السياسة عن بعضهم البعض. والثاني هو نوع شخصية الوسيط التي اتسمت بها مقاربة رئيس الوزراء العراقي للصراع: بدلاً من المواجهة، حاول إيجاد أرضية مشتركة تلتقي فيها الأطراف المختلفة وتناقش الحلول المحتملة.

 

الأنظار ستكون شاخصةً غداً إلى الجلسة المغلقة، وما سينتج عنها من أحاديث ولقاءاتٍ ثنائية قد تكون على هامش القمة. إن هذه الحدث الدبلوماسي – وفي هذا التوقيت العراقي على المستوى المحلّي – قبل إجراء الانتخابات التشريعيّة، ليس إلا دليلاً أيضاً على تمسّك الرئيس الكاظمي بإجراء الانتخابات في موعدها المقرّر، والعمل على تهيئة الظروف محليّاً وإقليميّاً ودوليّاً لإنجاحها. فالبيئة الآمنة ليست محصورة على أصعدة محدّدة، بل تتجاوز حدود البلاد أحياناً، والسيد الكاظمي يدرك حساسية الموقف ويعمل على التهدئة وضبط الخصومات، على قاعدة أن استقرار العراق هو استقرارٌ للمنطقة، ومنطق الحوار يساهم في ذلك ويقرّب من وجهات النظر...

 في بلد مثل العراق له تاريخ طويل ومليء بالسياسة الانفعالية ودوامات العودة الى الصفر، فإن هذا خروج نوعي سيمثل منعطفا مهما ويكتب تاريخا جديدا للمنطقة بأكملها.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة