تابوت رمسيس الثالث الحجرى - متحف اللوفر
كان التابوت أحد الأشياء الضرورية للدفن فى مصر القديمة، منذ فترة ما قبل الأسرات وحتى العصر اليونانى والرومانى وما بعده، فهو يقى جسد المتوفى من رمال الصحراء فيعيش كما لو كان فى بيت. وكان فى مقدور المتوفى أن يخرج متى أراد، حسب معتقداتهم، من الباب المصور على جانبى التابوت، وإذا عجز عن رؤية ما بالخارج رآه بالعينين المصورتين على التابوت دون أن يتحرك. وكان للتابوت بدن يشبه الصندوق ذى الغطاء، غالباً ما كان يزخرف أو ينقش من الداخل والخارج، وغالباً ما كان يأخذ الغطاء صورة المتوفى وشكله. ولم تقتصر وظيفة التابوت على حماية جسد المتوفى والحفاظ على جثته من التلف أو التعدى عليها، فقد كان له العديد من الوظائف الدينية والرمزية التى تغيرت مع مرور العصور.
واختلفت التوابيت، فى أشكالها وتصميماتها، وفى مادة وتقنية صناعتها، وفى أسلوب زخرفتها وتزيينها، باختلاف العصور، وباختلاف الثروة والطبقة الاجتماعية لأصحابها. فمن حيث الشكل، كان منها المربع، والمستطيل، والبيضاوي، وذو الشكل الآدمي. وكان الباعث الأساسى لاختلاف أشكال التوابيت هو توفير الراحة للمتوفى باعتبار التابوت السكن الأساسى له داخل القبر.
وقد عثر على الكثير من التوابيت، الكبيرة الحجم منها والمتوسطة والصغيرة، والأنيقة فى مظهرها والبسيطة والحقيرة، أغلبها تم نقلها إلى المتاحف، التى تحتفظ بالكثير منها، بعض هذه التوابيت تمَّ نقله إلى خارج مصر عبر البحار والمحيطات؛ ليستقر فى قاعات عرض المتاحف الأوربية والأمريكية وغيرها، بعيداً عن أرض مصر وترابها. ومن أمثلة هذه التوابيت التى وجدت طريقها إلى خارج مصر، تابوت الملك رمسيس الثالث من الجرانيت الوردي، من مقتنيات متحف اللوفر فى باريس.
كان الملك رمسيس الثالث ثانى حكام الأسرة العشرين، حكم مصر مدة 31 عامًا (فى الفترة من 1186 إلى 1155 ق.م)، يراه البعض آخر الملوك العظماء من الدولة الحديثة، كما وُصِف بأنه "الفرعون المحارب" بسبب استراتيجياته العسكرية القوية، وإن شهد عهده الطويل تراجع القوة السياسية والاقتصادية المصرية، نتيجة الغزوات الكثيرة والمشكلات الاقتصادية الداخلية، التى ورثها عمَّن سبقوه. تمكَّن رمسيس من هزيمة الغزاة المعروفين باسم "شعوب البحر"، وكان قادراً على إنقاذ مصر من الانهيار فى الوقت الذى سقطت فيه العديد من الإمبراطوريات خلال انهيار العصر البرونزي. لكن يبدو أنه كانت هناك مشاكل خطيرة فى مصر أواخر عهده، حيث توجد تقارير عن إضراب عمال عن العمل لعدم حصولهم على رواتبهم، وكانت نهايته نهاية درامية مؤلمة، فقد تعرض لمحاولة اغتيال نتيجة مؤامرة حيكت له من أقرب الأقربين إليه، عرفت بمؤامرة الحريم، تزعمتها الزوجة الثانية للملك "تيي"، لتنصيب ابنها (بنتاؤر) ملكاً على مصر بدلاً من زوجها بمساعدة بعض الحريم والموظفين بالقصر وبعض من رجال الجيش. ويبدو أن المؤامرة قد نُفذِّت بينما لم يمت وعاش بما يكفى ليأمر بمحاكمة المتآمرين قبل أن يموت، فتمَّ تحقيقٌ عاجل فى المؤامرة. وتظهر المحاكمة على جدران معبده الجنائزى فى مدينة هابو، وعوقب جميع المتورطين، وتمَّ شُنق (بنتاؤر) أو أُجبِر على الانتحار.
كان تابوت الملك رمسيس الثالث المصنوع من الجرانيت الوردي، والذى يزن 18 طناً، يحتوى فى يوم من الأيام على مومياء الملك، وتم استخراجها من قبل الكهنة ونقلها إلى المقبرة التى تعرف بالمقبرة 320 للحفاظ عليها هى وغيرها من المومياوات الملكية للحفاظ عليها بعد أن سلبها لصوص المقابر ما كان يزينها من مجوهرات وحلي، وضمت المومياوات والتجهيزات الجنائزية لأكثر من خمسين شخصية فرعونية عالية المقام ما بين ملوك وملكات وأمراء ونبلاء من أسرات مختلفة تناوبت على حكم مصر.ليتمَّ العثور عليها لاحقاً فى الخبيئة المعروفة بخبيئة الدير البحرى عام 1881. ومن الأرجح أن المقبرة شيدت فى الأساس من أجل "بينوزم الثاني" كبير كهنة آمون بطيبة وزوجته "نسخنسو" وبعض من أفراد العائلة المقربين، حوالى عام 969 ق.م.
كان التابوت، ضمن محتويات مقبرة رمسيس الثالث، والتى تحمل الرقم 11 فى وادى الملوك، وتقع فى الوادى الشرقى بوادى الملوك. وكانت المقبرة فى الأساس لأبيه "ست نخت" ثم أوقف العمل بها بعدما أدى الحفر إلى اختراق مقبرة الملك "أمن مسه " المقبرة رقم 10، ومن ثمَّ دُفن الملك ست نخت فى مقبرة 14، ومع اعتلاء رمسيس الثالث لعرش مصر استكمل حفر المقبرة، ولكن من خلال محور تصميمى أخر (المحور المستقيم)؛ لتفادى حدوث أضرار أخرى لمقبرة الملك "أمن مسه".
والمقبرة مفتوحة منذ العهود القديمة وتعرف أيضا باسم مقبرة بروس (نسبة لجيمس بروس الذى دخل المقبرة عام 1768) كما يُطلق عليها أيضاً لقب "مقبرة عازفى القيثار" لوجود نقوش لاثنين من عازفى القيثار العميان على جدران المقبرة.
كان العثور على هذا التابوت وإخراجه من المقبرة عملية صعبة للغاية، فقد كان التابوت الضخم، قابعاً فى قلب المقبرة المنحوتة فى التلال الصخرية، محشوراً داخل المقبرة بين الصخور، ويستحيل إخراجه منها. ونجح بلزوني، المستكشف الإيطالي، الذى كان يعمل لحساب القنصل البريطانى فى مصر "هنرى سولت" النصف الأول من القرن التاسع عشر، فى استخلاصه، حيث استطاع بلزونى بمساعدة مجموعة من العمال تنظيف الممرات الموصلة للتابوت، وإخلائها، وتوسيع المدخل إليه، ثم استعان بالعمال، وبخبراته فى مجال الروافع والحفائر والنقل، فى رفع التابوت من مكانه، واستخلاص غطاءه، ومن ثمَّ نقلهما إلى النيل ليصلا إلى دار القنصلية البريطانية بالقاهرة حيث "هنرى سولت"، بعدما حصل على تفويض وفرمان من الباشا، "محمد على" والى مصر، بأن يأخذ ما يشاء من أحجار وتماثيل.
كان "سولت" قد ملأ دار القنصلية الإنجليزية فى القاهرة بالتماثيل الرائعة، وبالآلاف من الآثار المصرية القديمة، التى شكَّلت مجموعته الأولى الفريدة والكبيرة من الآثار المصرية، التى جمعها فى الفترة من 1816 – 1818، وباعها للمتحف البريطاني، وكان أشهرها رأس الملك رمسيس الثانى أو التمثال النصفى له من معبد الرامسيوم.
ثم تحمَّس سولت أكثر فى جمع الآثار المصرية حتى كوَّن مجموعة جديدة من الآثار المصرية، اشتراها منه ملك فرنسا عام 1826 وكان أشهرها التابوت الحجرى لرمسيس الثالث المذكور، بينما كان غطاؤه من نصيب بلزونى الذى باعه لمتحف متحف فيتزويليام Fitzwilliam فى كامبريدج.
التابوت، الذى يعد من أنفس مقتنيات متحف اللوفر، مغطى بالنصوص الدينية، والطقوس الجنائزية، المصورة بدقة، التى تبدأ من رأس التابوت بالقرب من تمثيل المعبودة "نفتيس" زوجة الإله (ست)، التى تستقبل الموتى فى العالم الآخر. وقد حفر على أحد جانبى التابوت من الخارج الفصلين السابع والثامن من "كتاب أمدوات"، أو "كتاب الآخرة"، والغرض منه تعريف المتوفى بالطريق فى رحلة الآخرة، حيث يصف رحلة انتقال المتوفى من الدنيا إلى العالم الآخر، وما يقابله من الآلهة، والصعوبات التى تهدده فى الطريق، وما يعينه عليها من تعاويذ هذا على جانب من التابوت. بينما يصف النص على الجانب الآخر من التابوت رحلة إله الشمس "رع" فى العالم السفلى بقارب خلال اثنتى عشرة ساعة من الليل، حيث يقابل رع خلال رحلته الليلية عوائقا مختلفة، ينجح هو ومن معه فى التغلب عليها. وأكثر الأعداء على هذا الطريق تشكله الأفعى "أبو فيس" التى تظهر فى الساعة السابعة، ويتغلب عليها "الساحر الكبير" الذى يمثله الإله ست ويحمى "رع" وأتباعه منها، أما الجزء الداخلى من التابوت محفور عليه الفصل الأول فى "كتاب البوابات"، يروى مرور روح المتوفى فى العالم الآخر، وهو المقابل لرحلة الشمس من خلال العالم السفلى خلال ساعات الليل، والمطلوب من الروح هو المرور من خلال سلسلة من "البوابات" فى مراحل مختلفة من الرحلة. وترتبط كل بوابة مع إله أو إلهة مختلف كل مرة، ويتطلب أن يعرف المتوفى الطابع الخاص بهذا الإله أو الإلهة.