بقلم: أ. د نادر نور الدين
ليس المطلوب من الرئيس –أى رئيس – أن يكون متخصصا فى كل أنشطة الاقتصاد المصري، وأن يفهم فى الزراعة والصناعة والسياحة والاقتصاد والمالية والتجارة والتصدير والاستيراد، ولكن عليه أن يستمع إلى رأى الخبراء الذين يطمئن إليهم فى كل تخصص قبل أن يعلن ذلك على الشعب. ولكن للأسف ليس كل الخبراء من أصحاب العلم والرؤية الواقعية القابلة للتطبيق على أرض الواقع وهناك العديد منهم حصل على لقب خبير، لأنه من ذوى القربى من وزير مرموق أو سياسى محنك. أيضا هناك من يظن أنه يستطيع خداع الرئاسة ويتاجر فى الوهم معها. فمشروع توشكى كان خداعا من وزير ورئيس وزراء لرئيس الجمهورية ومن قبله مشروع فوسفات أبو طرطور، وكلاهما لم يكن لهما أى جدوى اقتصادية أو قابلية واقعية للتطبيق حتى إن عقد الصيانة للطلمبات العملاقة لمشروع توشكى انتهى قبل أن تتم تجربتها وعملها لأن الأراضى وشبكة الترع لم تنته ولم ننتبه إلى صعوبات المناخ وصلابة التربة وقلة الزراعات القابلة للزراعة فى هذا المناخ الصعب الأقرب لمناخ دول الخليج منه لمناخ مصر.
هناك أيضا مشروع ميناء دمياط للغلال والحبوب ومعه مشروع السياحة والتسوق بالزعفرانة، وكلاهما أيضا وهم كبير وكذب متعمد بجهالة من وزير على مؤسسة الرئاسة وبالتالى فالكذب على الرؤساء وارد ويتكرر فى مصر.
بدأ مشروع استصلاح الأربعة ملايين فدان أثناء الحملة الرئاسية للمرشح عبد الفتاح السيسي، حيث استعان بفريق من خبراء وأساتذة الزراعة برئاسة الدكتور عادل البلتاجى الذى أصبح وزيرا للزراعة لمدة ستة أشهر بعد ذلك ومعه فريقه المعتاد ومساعده الدكتور عبد الغنى الجندى وفريق عمل المقربين من الدكتور يوسف والى وأتذكر أنى كتبت مقالا وقتها موجها للرئيس بعنوان “إلا رجال يوسف والى ياريس”. هذا الفريق الذى يبدو أنه لا غبار عليه فهم أساتذة مرموقون فى كلية زراعة عريقة عملوا عشرات السنين مع الدكتور يوسف والى وعين بعضهم فى منظمات عربية زراعية، لأنهم فقط من ذوى القربى وليس من ذوى العلم الغزير والرؤية. قدم هذا الفريق للرئيس خطة عمل لاستصلاح أربعة ملايين فدان مبنية على أساس ما سيوفرونه من المياه فى مشروع بحثى يقومون به منذ عام ٢٠٠٥ مدعم من البنك الدولى بمبلغ ٥٠ مليار جنيه مصرى لتطوير الرى فى أراضى الدلتا التى تبلغ مساحتها ٤.٥ مليون فدان وتنتج ما يقرب من ٧٠٪ من إنتاجنا الزراعي. تطوير الرى فى هذه المساحة وطبقا لوجهة نظر هؤلاء الخبراء سوف يوفر للدولة ما يقرب من ١٢ مليار متر مكعب للمياه، ويضاف إليها تحويل زراعات الخضراوات من الحقول المفتوحة على مساحة ٢ مليون فدان إلى إنتاج هذه الخضراوات من الصوبات الزراعية ومن عُشر هذه المساحة فقط أى ٢٠٠ ألف فدان حيث إن الصوبة الزراعية تقام على عُشر إلى ثُمن فدان ولكنها تنتج إنتاج فدان كامل، وبما سيوفر نحو ٨ مليارات أخرى من المياه تضاف إلى الاثنى عشر مليارا الماضية فيصبح مجموع ما سيتم توفيره من المياه ٢٠ مليار متر مكعب تكفى لرى أربعة ملايين من الأفدنة بواقع خمسة آلاف متر مكعب للفدان، أى أن كل مليون فدان تحتاج إلى خمسة مليارات متر مكعب من المياه وهو ما يتماشى مع التوصيات الأممية لمعدلات الرى فى المناطق الحارة الجافة مثل مصر.
إلى هنا يبدو الكلام جميلا ومنطقيا وليس هناك أى خطأ للرئيس فى هذه الحسابات الدقيقة النظرية، لأن السادة الخبراء الأفاضل لم يبلغوا الرئيس أنهم يعملون فى مشروع تطوير الرى فى مصر منذ عام ٢٠٠٣ دون أى إنجاز يذكر على أرض الواقع، بل إنهم بدءوا بمحافظة كفر الشيخ وهى المحافظة الأكثر تملحا لأراضيها فى محافظات الدلتا وتحتاج إلى المزيد من المياه لغسيل هذه الأملاح وليس إلى نقص المياه وإلا تحولت أراضيها إلى البوار التام، وبالتالى خرج الفلاحون على ما أقاموه علماؤنا الأفاضل وقاموا بتدميره تماما بعد أن بارت زراعتهم وخربت، وبالمثل كاد أن يفتك الفلاحون فى محافظة المنوفية بالسادة العلماء السابق ذكر أسمائهم وهم على وجه التحديد، عادل البلتاجى وعبد الغنى الجندى ومساعديهما بعد أن علموا أن تطوير الرى سيكلف كل فدان أكثر من ١٢ ألف جنيه يتحملها الفلاح كاملة ولكن يمكن تقسيطها على خمس سنوات أى على الفلاح أن يسدد للدولة ألفين ونصف سنويا بالإضافة إلى ألف جنيه أخرى تكلفة الصيانة السنوية لشبكة الرى التى لن يزيد عمرها عن خمس سنوات لتبدأ بعدها الشبكة الجديدة بتكاليف جديدة وأقساط جديدة فى دائرة لن تنتهى وقابلة للزيادة طبقا لارتفاع أسعار الدولار فما يسدده الفلاح فى الخمس سنوات الأولى مبلغ ١٢ ألف جنيه للشبكة قد يتضاعف إلى ٢٤ ألفا فى السنوات الخمس التالية وتزيد أعباء الفلاح عاما بعد عام دون استفادة واقعية للفلاح نفسه، ولكن لتوفير المياه للدولة فقط، ودون تقدير لكميات مياه إضافية لغسيل الأملاح التى ستتكون لأن الرى بالرش أو التنقيط يوفر حاجة النباتات فقط من المياه دون زيادة لازمة لغسيل الأملاح التى تضاف للتربة مع مياه الرى ومع الأسمدة وبسبب البخر العالى للحرارة المرتفعة فى مصر. وأتذكر أن المرحوم الدكتور مغاورى شحاتة أمين الحزب الوطنى بالمنوفية كان قد اتصل بى فى عام ٢٠١٠ أثناء لقاء هؤلاء الخبراء مع فلاحى المنوفية مستنجدا بى لمحاولة إنقاذ الخبراء من براثن وغضب الفلاحين الذين كانوا فى ثورة عارمة ضد هؤلاء الخبراء، وأنه سيضطر إلى مغادرة القاعة وتركهم للفلاحين بسبب الكلام النظرى غير القابل للتطبيق عمليا وغير المقدر لظروف الفلاحين وفقرهم وتدنى دخولهم.
هذا الأمر يوضح أنه كان من الأمانة على خبراء الزراعة المشاركين فى الحملة الرئاسية أن يخبروا الرئيس بكل صراحة وشفافية أنهم فشلوا فى تطبيق أى تطوير للرى خلال السنوات العشر الماضية، وأن مشروعات الصوبات الزراعية التى تبنتها وزارة الزراعة نفسها فشل فشلا ذريعا واضطرت الوزارة إلى هدم جميع الصوبات بسبب ما تسببت فيه من خسائر كبيرة للوزارة رغم أن الوزير نفسه يوسف والى كان قد اتخذ من مبنى الصوبات الزراعية مقرا له حتى يكون قريبا من المشروع ومتابعا وضامنا لنجاحه ولكنه تحول الآن إلى محطة القناة الفضائية لوزارة الزراعة بعد فشل الصوبات. أتذكر أيضا أنه عندما طرح البلتاجى والجندى المشروع على شاشات الفضائيات بضمان توفير ٢٠ مليار متر مكعب من تطوير الرى أننى تحديتهما لو قاما بتوفير ولو مليار واحد من المياه من هذا المشروع وأن عليهما أن يكونا أكثر شفافية وأكثر صراحة ومكاشفة مع مقام رئيس الجمهورية، وأن عليهما على الأقل أن يبلغا الرئيس أن نتائج تطوير الرى قد تستغرق خمس سنوات على الأقل يبدأ بعدها خروج مشروع المليون فدان أو حتى الأربعة ملايين فدان للنور خلال فترة الرئاسة الثانية فى عام ٢٠١٨ ولكن هذا لم يحدث للأسف لأن هدفهما الأساسى كان حصد المناصب وضمان الاستمرار فى وزارة الزراعة، وبعد أن تحولت وزارة الزراعة إلى “وزارة زراعة عين شمس” (مع كل الاحترام للكلية العريقة وخبرائها) بعد أن سيطروا على الوزارة قرابة الثلاثين عاما الماضية والنتيجة واضحة للجميع من تدهور كامل فى إنتاجنا الزراعى وزيادة وارداتنا من جميع السلع الغذائية من الفول والعدس والسكر والقمح والأعلاف والذرة الصفراء وزيوت الطعام والعديد من السلع وأصبحت مصر لقمة سائغة فى فم المستوردين بسبب إبداعات الزراعة فى الثلاثين عاما الماضية. هذا الأمر يوضح أن ليس للرئيس أى ذنب فى تعثر مشروع الأربعة ملايين فدان لأنه أخذ برأى خبراء مرموقين ضمنوا له نجاح المشروع وتوافر مياهه.
وللهرب من مسئولية الفشل فوجئنا بعد ذلك بإعلان الرجل الذى أصبح وزيرا للزراعة بعد ذلك بأن المشروع سيعتمد على المياه الجوفية بنسبة ٨٠٪ لإلقاء المسئولية على وزارة الرى ومتنصلا من كلامه عن توفير ٢٠ مليارا من مياه الرى الحالية والاعتماد على مياه النيل العذبة فى رى أراضى هذا المشروع، وبصرف النظر عن احتمالات عدم وجود مياه جوفية متجددة وعذبة تكفى لرى هذه المساحة الكبيرة لمدة مائة سنة على الأقل حتى يضمن المستثمر استدامة المشروع وتوارثه لأنجاله.
من هنا بدأت وزارة الرى فى بحث الأمر ليخرج علينا وزير الرى السابق الدكتور حسام المغازى ليعلن للجميع أن مصر تسبح على أنهار من المياه الجوفية تكفيها لمئات السنين وأن مياه المشروع جاهزة ثم بدأ فى إسناد حفر الآبار لشركات صينية بعينها فاعترض جميع المستثمرون الخليجيين الذين لا يضعون الشركات الصينية ولا مواسيرهم فى قائمة مواصفات الجودة العالمية التى يشترطونها للاستثمار فى بلدنا وكان يجب على وزير الرى وقتها أن يترك هذا الأمر لكل مستثمر على حدة وأن يقوم بحفر البئر بالمواصفات التى يرتضيها بعد أن تضمن له الوزارة وجود المياه بنوعية جيدة واستدامة تكفى لرى المساحة التى سيتملكها لمائة سنة. بعد إبداعات وزير الرى فى موضوع أن مصر تعوم على أنهار من المياه الجوفية خرج علينا وزير الزراعة السابق الدكتور صلاح هلال والذى حوكم لاحقا بقضية فساد ورشوة يقضى بسببها عقوبة الحبس حاليا، خرج علينا بإبداع مماثل لإبداع وزير الرى السابق فطالما أن مصر تعوم على بحور من المياه الجوفية العذبة (وهو الأمر الذى استغلته إثيوبيا دوليا ضدنا لإثبات أن مصر ليست دولة فقيرة مائيا كما تدعى وأنها لا تحتاج إلى مياه النيل)، فخرج علينا بتصريح عجيب ليقول إن المرحلة الأولى لن تكون مليون فدان فقط بل إن الوزارة انتهت منها بالكامل ومعها أيضا نصف مليون إضافية أخرى وأن المساحة الجاهزة لبدء المشروع الرئاسى لمشروع استصلاح الأراضى أصبحت مليونا ونصف المليون فدان وجاهزة فورا للزراعة وجميعها أمور فى الوهم الكبير يتقنه وزراء الشو الإعلامى والفقر العلمى وغياب الضمير وكان الله فى عون الرئيس مادامت هذه النوعية هى التى يختارها رئيس الوزراء ضامنا للرئيس حسن اختياره للوزراء، ولكن الحقيقة أن اختيارهم جميعا سماعى وبتوصيات ومجاملات فجة تدفع البلد ثمنها. النتيجة أن جاء وزير الرى الحالى ليعلن أن ما لدينا من مياه لن يكفى إلا لزراعة ربع المساحة فقط وربما أقل وأن كل ما سبق كان انعداما للشفافية والمصداقية من وزيرى الرى والزراعة السابقين ولذلك أرى أنهما يستحقان المحاكمة بتهمة البيانات الخادعة والمضللة للدولة.
ولم تكتف وزارة الزراعة الحالية بعرقلة المشروع والادعاء بعدم وجود وفرة من المياه بل بدأت فى طرح مشروعات عالية الاستنزاف للمياه مثل مشروع تسمين مليون من العجول البتلو تستهلك ٥ مليارات متر مكعب أى ما يكفى لاستصلاح ورى مليون فدان ثم مشروع تسمين ١٥٠ مليون دجاجة جديدة لمضاعفة إنتاج مصر من الدواجن ووصوله إلى ٣٠٠ مليون طائر بدلا من ١٥٠ مليونا فقط حاليا وهو ما يستهلك نحو ٦ مليارات متر مكعب أخرى من المياه على اعتبار أن إنتاج الكيلوجرام من الدجاج يستهلك ٦ أمتار مكعبة من المياه والمستهدف زيادة الإنتاجية بنحو ١٠٠ ألف طن من لحوم الدجاج وبذلك يكون المجموع ١١ مليار متر مكعب من مياه التوسع فى تربية العجول والدجاج وهى كمية من المياه تكفى لرى ٢.٢ مليون فدان وليس المليون فدان الأولى من مشروع الرئيس، فالأمر أصبح تقطيرا هنا وإسرافا هناك!. هذا الأمر لن يكتفى فقط باستنزاف مواردنا المائية القليلة بل سيؤدى إلى التوسع فى زراعات البرسيم فى الموسم الشتوى لتوفير الأعلاف لهذه المواشى على حساب القمح والفول والعدس وبنجر السكر، وأيضا التوسع فى زراعة الدراوة أى العيدان الخضراء لنباتات الذرة لتكون علفا صيفيا لهذه المواشى على حساب المحاصيل الصيفية مثل الذرة الصفراء وحاصلات زيوت الطعام مثل فول الصويا وعباد الشمس إلى جانب القطن والأرز، بالإضافة إلى انخفاض العائد من المتر المكعب للمياه فى تربية الدجاج والمواشى إلى أقل من خمسة جنيهات فقط رغم أن البدائل لنقص المياه وشحها أن تدخل مصر عهد تحلية مياه البحر والتى تتكلف عشرة جنيهات لإنتاج المتر المكعب من المياه المحلاة بخلاف تكاليف إنشاء المحطات نفسها وما يصاحبها من إنشاء محطات الكهرباء، حيث تمثل الكهرباء نحو ٤٤٪ من تكاليف التحلية لأنها شديدة الاستهلاك للكهرباء.
ويمكن القول أن قطاع الزراعة لم يكن من القطاعات الموفقة أو عالية الأداء خلال السنوات الثلاث الماضية وأن هناك تراجعا فى إنتاجيتنا فى جميع السلع الاستراتيجية يصاحبه زيادة فى وارداتنا من هذه السلع وأنه حتى بعد تعويم الجنيه ومضاعفة أسعار الدولار ومعها أصبحت أسعار ما نصدره من الخضروات والفاكهة هى الأقل عالميا، وبالتالى كان ينبغى أن تتضاعف الصادرات بنفس نسبة مضاعفة الدولار الذى ارتفع بنسبة ١٢٠٪ ولكن النسبة لم تزد عن ٢٥٪ فقط والأمر يحتاج إلى مزيد من الجهد مع التوازن بين احتياجات التصدير وما تجلبه من عملة صعبة وبين احتياجات الأسواق المحلية حتى لا ترتفع الأسعار ويعانى المواطن المصرى كما هو حادث الآن فى الطماطم والموالح والموز والأسماك.
هذه الأمور لا تنفى أن هناك العديد من الأمور الإيجابية للرئيس على قطاع الزراعة ومنها إعفاء الفلاحين من مخالفات زراعة الأرز خارج المساحات المقررة خلال العامين الماضيين تقديرا من الرئيس لتراجع دخل المزارعين وأنهم ينحتون فى الصخر بمفردهم دون وجود لإرشاد زراعى أو لوزارة الزراعة لدعم الفلاحين بالتقاوى عالية الإنتاجية وبالأسمدة المدعمة والمبيدات السليمة الصحية، كما أن مضاعفة أسعار توريد القمح بعد تعويم الجنيه ووصوله إلى ٥٥٥ جنيها للإردب بدلا من ٤٢٠ جنيها فقط فى العام الماضي، أصبح يضمن لمزارع القمح دخلا لا يقل عن ١٥ – ١٨ ألف جنيه من الفدان وهو مبلغ لا بأس به حاليا، ولكن الخوف من أن يؤدى ارتفاع أسعار الموز والموالح والطماطم إلى تخلى الفلاحين عن زراعة الحاصلات الاستراتيجية التى نستوردها والتحول إلى زراعات التصدير المربحة وستدفع الدولة الثمن دولارات كثيرة لاستيراد هذه السلع الاستراتيجية. هناك أيضا رفع أسعار توريد قصب السكر إلى ٦٢٠ جنيها للطن بدلا من ٤٤٠ فى العام الماضى وأيضا رفع أسعار بنجر السكر إلى ٥٥٠ جنيها، بالإضافة إلى تنشيط الصادرات الزراعية بأسعار جيدة للمزارعين وجميعها إضافات مالية قوية للفلاحين.
آمن الرئيس البرازيلى لولا دى سيلفا بقدرة القطاع الزراعى على الأخذ بيد البرازيل وتحويلها من أكثر دول العالم استدانة وعلى حافة إعلان إفلاسها وحولها إلى أحد أقوى الاقتصاديات الثمانى العالمية، رغم الفارق الشاسع بين مساحة البرازيل ومساحة مصر وكميات الهطول المطرى هناك والتى تصنف على أنها الأعلى فى العالم وغابات الأمازون بخيراتها وأخشابها بالإضافة إلى نهر البرازيل الذى يحتوى وحده على ٢٠٪ من مياه أنهار العالم بتدفقات مائية ٥٥٠٠ مليار متر مكعب سنويا بينما لا تزيد حصة مصر عن ٥٥.٥ مليار فقط أى عشر الرقم البرازيلي، ولكننا نستطيع على الأقل وضع أهدافا ينبغى تحقيقها من القطاع الزراعى فى مصر وهى إحداث زيادة لا تقل عن ٢٥٪ فى إنتاجية الأراضى القديمة الحالية والبالغة ٨.٦ مليون فدان، فيكون العائد من هذه الزيادة مساويا للعائد من استصلاح ٢.٢ مليون فدان. هناك أيضا حتمية زيادة العائد من المتر المكعب من المياه فى القطاع الزراعى إلى ١٠ – ٢٠ جنيها حتى يقترب من العائد من قطاع الصناعة البالغ ٥٠ جنيها على الأقل، بالإضافة إلى زيادة مساهمة القطاع الزراعى بنسبة أكبر فى الناتج المحلى فليس من المقبول أن تستهلك الزراعة ٥٧ مليار متر مكعب من المياه سنويا بنسبة ١٠٣٪ من حصتنا من مياه النيل ولا تشارك فى الناتج القومى المحلى إلا بنحو ١٢٪ فقط بينما يستهلك القطاع الصناعى ٣ مليارات متر مكعب فقط من المياه بنسبة أقل من ٥٪ من مواردنا المائية ومع ذلك يشارك بنسبة ٣٦٪ من الناتج القومى المحلي!. هذا الأمر يوضح أهمية النظر فى التوسع الصناعى فى محافظات الصعيد الحارة الجافة، لأنها أكثر استيعابا للعمالة وأعلى دخلا وتقلل من استهلاك المياه فى الزراعة فى الصعيد الحار، بينما من الواجب علينا التركيز على أن تكون الزراعة فى الشمال الممطر شتاء والمعتدل صيفا والأعلى عائدا فى المتر المكعب من المياه، بحيث يؤدى تكامل الزراعة والصناعة فى انطلاقة اقتصادية حضارية مصرية نبدأ فى جنى ثمارها قريبا.