في دورة معرض الكتاب لهذا العام صدر عن دار الآفاق العربية الإصدار الأول للكاتب السينمائي والمسرحي الكبير نادر صلاح الدين، فبعد ما يقرب من الخمسة وثلاثون عاما قضاها في محراب الكتابة قدم خلالها ثلاثة عشر فيلماً سينمائياً منها (جعلتني مجرماً) (الرهينة) (زهايمر) (حلم عزيز) وعدد كبيراً من المسرحيات يصعب عدها ولكن يمكن أن يكون أبرزها هو مشروع تياترو مصر الذي تحول اسمه بعد ذلك إلى مسرح مصر والذي كان يتولى كتابة وإخراج عروضه بالكامل بداية من نهاية الموسم الأول له وحتى موسمه الأخير، قرر نادر صلاح أن يبدأ في نشر نصوصه المسرحية التي كتبها على مدار عمره وأخرج معظمها وحاز بها العديد من الجوائز الدولية، فكان ذلك الكتاب الذي يهم أي مشتغل بالمسرح.
يحتوي الكتاب الذي يقع في ثلاثمائة صفحة تقريباً على أربعة نصوص مسرحية مختلفة في المناهج والمدارس المسرحية ، النص الأول هو مونودراما كوميدية من فصل واحد بعنوان (كورونا تايم) وهي أحدث نصوصه وكتبها العام الماضي حول معاناة البشر في العالم مع الفيروس اللعين الذي انتشر فجأة وادخل الذعر في نفوسنا جميعاً ولكنه يقول من خلالها أن الفيروس الحقيقي بين البشر ليس الكورونا فحسب بل أن هناك عدة فيروسات هو الكذب والرياء والتصنع والادعاء هي ما تهدد علاقة البشر ببعضهما.
كل ذلك تم تقديمه في النص في إطار استعراضي كوميدي راقي كعادة أعماله وأنا أعتقد أن النص الثاني الذي يحويه الكتاب هو (فورقيعة) وهو نص كوميدي من فصلين كتبه نادر صلاح عام 2004 ولم يقدم على المسرح بعد، فيدور حول المليونير عزت الأسيوطي الذي يستشعر اقتراب وفاته فيقرر البحث عن ابنه الذي أنجبه في شبابه من خادمة كانت تعمل في قصر والده، ويجد أمامه نفسه أمام شخصين مختلفين الشخصيات بشكل كامل أحدهما شاب فقير من طبقة شعبية يدعى (فورقيعة) والآخر شاب راقي يدعى (سيد) وبمجرد ظهورهما تنقلب حسابات عزت تماماً ويصبح في حيرة من أمره لأن كلاهما معه ما يثبت بنوته له ، وتنطلق أحداث النص من تلك النقطة في إطار كوميدي. بناء النص محكم إلى حد كبير فبين مفارقات كوميدية شديدة الإضحاك بين الابنين وأسرتيهما وبين مفارقات إنسانية تم نسجها داخل النص بعناية واضحة يقدم نادر صلاح رسالة عميقة حول دور الأب في تربية أبناءه وأنه إذا قصر الأب في هذه التربية سيجني ما لم يكن في حسبانه تماماً.
النص الثالث الذي يحويه الكتاب هو الأفضل في رأيي وهو (هذا هو أنفي) وهو ينتمي إلى المونودراما ذات الفصل الواحد أيضاً ، ويحكي حول رزين عين العقل الباحث الزراعي في قسم الحشرات الذي يتملكه الغرور نتيجة الثراء الفاحش والرفاهية التي يعيش فيها ، فتكون نهايته على يد ذبابة .
ذكر نادر صلاح في مقدمة الكتاب أنه كتب هذا النص في بداية الثمانينات وأخرجه على المسرح وقتها وأعاد تقديمه مرة أخرى عام 1993 من إخراجه أيضاً وبطولة النجم الراحل خالد صالح ومثل العرض وقتها مصر في مهرجان الربيع العربي بدولة المغرب، وأنا على كامل الثقة أن هذا النص البديع كان رائعاً على المسرح بأداء الزرين العاقل فعلاً خالد صالح وأكبر دليل على هذه الثقة أن نادر وخالد حازوا عدة جوائز دولية بهذا النص وقت عرضه.
آخر نصوص الكتاب وأثقلها على المستوى الدرامي هو (حسام سيف العدل) الذي يتحدث ببساطة ودون تعقيد عن فلسفة الحكم، فيحكي حول حسام الذي يرث عرش المدينة عن والده وينزل في ليلة ليتفقد أحوال الرعية، فتحدث له مفارقة يتعرف على آثرها على ملك الزبالين وبعد مفاوضات بينهما يقرر حسام التنازل عن العرش له لمدة عام واحد ليرى إذا ما سيحقق العدل أم لا. النص يحوي العديد من الإسقاطات السياسية الجريئة وبعض الرسائل حول طبيعة السلطة التي يمكنها أن تفسد الإنسان الغير متزن بحيث يستخدمها في تحقيق أهواءه ومطامعه الخاصة دون النظر إلى متطلبات الشعب، ويتحدث أيضاً دون خطابة وعبارات زاعقة عن مفهوم العدل بشكل عام وعن مدى صعوبة تطبيقه بين الناس ولكنه ينتصر له في النهاية بأنه دون العدل سوف تحدث الكوارث.
كل تلك النصوص المختلفة قدمها نادر صلاح الدين في كتابه الأول وهو كتاب ينصح بقراءته للمهتمين بالمسرح بشكل خاص وينصح بقراءته عموماً بشكل عام لأن محتواه يهم الكثيرين.