في حياتنا متغيرات ثابتة لكننا ننخدع ونظن أنها فعلا متغيرة، وننسى ونتفاعل معها وكأنها جديدة، لأننا لا نتعلم من السابق، ولا نحتفظ بذاكرة الرصد والتحليل.. فننفعل بالحادث الحإلى وكأنه جديد، من الممكن أن يكون التوقيت مفاجئًا.. وهذا أمر وار،د ولكنه حتما مع كتالوجات الأحداث للقصص الحياتية أمرًا مقضيًا.. المفروض يدهشنا للحظات ونعود للوضع الأصلي، وهو أن القصص مقسمة لأدوار مكتوبة بإتقان وتوزع على أصحابها على مائدة البروفة قبل العرض المسرحي حتى تقنع الجمهور الذي من المفروض أن لكل واحد منه أيضا دور موجود داخل قصة أخرى.. فلكل إنسان العديد من القصص التي يلعب فيها أدوارا مختلفة اختارها أو فرضت على ه حتى يستمر على قيد الحياة، ولا يملك أحد فيها أمر اعتزاله، لكنه دائما ما يسعي ليأخذ مساحة لدور أكبر من غيره أو الدور البطولي أو المؤثر الذي يصنع منه نجمًا لينعم بمكاسب الشهرة، قد يكون هناك من هم أحق منه ويبذلون جهدًا وتعبًا وشقاءً في مقابل عائد أكبر يعود على البطل وحده ليمجده.. وقد يرضى البعض لمجرد وجود دور له يشعره أنه على قيد الحياة، وينتظر الفرصة التي يتغير معها دوره إلى دور أكبر.. وقد يأتي اليوم وقد لا يأت!
كلنا في هذه الحياة نحلم بأكبر الأشياء فيها مكسبًا وأقل عناءً.. فحينما نفكر في أنفسنا وتصبح غايتنا نضع الأهداف التي تحقق ذلك.. وحينما نضع الآخرين في معادلتنا نختار لهم الأدوار بحسابات الخصم والإضافة من ناتج المكسب النهائي العائد لصالحنا.. ومنا من يحدد الأهداف والمنهج لتحقيقه ويختار الطريق الموصل له حسب قناعاته، فقد يكون انتهازيًا أو منافقًا أو حتى لصًا أو شريفا.. ففي هذه الحالة نحن أمام نموذج يعلم ماذا وكيف يحقق ما يريد وقد يحالفه الحظ وقد لا.. ونموذج آخر ينتظر أن يحدد له الدور المنوط له القيام به وأيضا قد يكون له هدف من وراء هذا التحديد، لأنه يعتبر نفسه جزءًا من اللعبة ولديه نصيب من الأرباح، ويترك للقائمين أن يحددوا له دوره لأن التراضي شرط الاشتراك والسماح بالبقاء والاستفادة حسبما يرون فيه من المهارات والإمكانيات والموهبة ولا يشترط أن تكون بالمعني النمطي ولكنها نسبية من وجهة نظرهم.
وهناك أشخاص آخرون ليس لديهم الهدف ولا الرغبة في التشارك أصلا وهم مطلوبون أيضا.. لا تتم اللعبة بدونهم ، فيجب أن تكون هناك فئات أخرى أقل وأقل حتى يقوموا بأعباء التجهيز، قد يبذلون الجهد الأكبر والأصعب ويحصلون على عائد أقل ولا ينعمون ببريق التواجد في بؤرة المشهد فهم "الشغيلة أو الأرزقية" خلقوا من أجل غيرهم.
والبعض يتصور أنه لا فرق بين دور كبير وآخر صغير على اعتبار احتياج أحدهما الآخر.. فلا يمكن تصور العيش بدون أصحاب المهن والأدوار البسيطة وإلا تحال حياتنا لجحيم.. فعلا هذا أمر بالنسبة للحاصل على الدور الكبير وإلا فكيف يشعر بتفوقه وهو ينظر لمن هو أقل منه يخدم عليه.. حتى الشغيلة إذا لم يجدوا هذه الفرصة يموتون جوعًا.
وتجد التخصص واضحا في الأدوار في هذه الحياة في كافة الأاشكال والصور والحكايات، فتجد الحصر في أدوار الشر والخير والخادمة والراقصة والقواد والأراجوز وهكذا.. حتى أننا دائما ما نردد "يموت الزمار" لأنه توحد مع نفسه في هذا الدور وأصبح مبدعا يتكسب من ورائه، فهو كل عدة الشغل وجواز مروره لتحقيق طموحاته طالما وجد من يشجيه لحنه ولا يستحيي أبدا، لأنه بذلك حصل على رخصة مزاولة المهنة .
وتجد الأدوار مقاسات، فقد تكون مقاسك فعلا وتؤديها بشكل جيد يصل للامتياز لدرجة الشعور بأن كلاكما خلق للآخر.. وقد تكون أكبر مقاسًا ممن عُهدت إليه ومن هذه النماذج من يلجأ لنظام الاستعانة بمقاول من الباطن يدفع له المقابل لإقامة المبني الذي يكتب اسم صاحب الدور عليه، ولا يستحيي أن يعرف أحد هذا السر حتى ولو كان المقاول نفسه لأنه حصل على الأجر ولم يعد يمتلك حق الملكية الفكرية.. نحن أمام نموذج طموح ظن أن مفتاح الأدوار في يده يعلم ما يريده المخرج منه، ويا سبحان الله متى تواجد معك في نفس المكان، وتنسى ولو لبعض الوقت قصة صعوده حتى يخرج الله أضغانه وزلات لسانه ويفضح أمره فهو دائما يقوم بنفس الدور ومع ذلك يشعر أنه أفضل من الآخرين بحصوله على المكاسب جراء هذا الدور.
في الماضي كانت الناس من البراءة حتى تتوحد مع شخصيات أصحاب الأدوار السينمائية في الواقع حتى يظنوا أن أصحاب أدوار الخير والشر والخادمة والمربية وغيرها، فكانت هذه الصورة الذهنية مؤثرة على علاقاتهم بشكل كبير.. وتفرض هذه البراءة علينا الفصل في تقييمنا للأمور، وقد يكون بسبب أننا في حالة تمثيل مستمرة وغالبا في كافة مناحي الحياة وننسى أننا نقوم بأدوار تمثيلية على بعضنا البعض لدرجة التقمص، والعجيب أننا نطالب بعضنا البعض بالصراحة والوضوح، وكيف ذلك وكلنا نفس النماذج؟
من النادر أن يُكتب سيناريو لشخص بعينه بحيث تغلب سمات الشخص على العمل المكتوب فيكتب من أجله.. صحيح هناك حالات يكون بها ملامح من هذا الشخص لكنه ليس العكس.. فدائما القصة مكتوبة والكتالوج موجود ويحل أصحاب الأدوار على هذه القصص للقيام بهذا الدور وليس منطقيًا أن تكون كل القصص سيئة أو حتى أعمالا مجيدة فهي قد تحتمل كافة المستويات ولكن من العبث أن ننتظر من البطل أن يرفع من مستوى العمل الرديء.. لكن قد يؤثر الأداء فقد يكون جيدًا أو رديئًا يرفع من العمل أو يقلل منه بعض الشيء.
ونتساءل عن تبديل الأدوار؟! أقول لك لا يوجد تبديل لللأدوار.. هناك لإحلال وتغيير، فيرحل هذا ويأتي غيره لنفس الدور حتى ولو لم تتغير القصة التي من المؤكد أن الزمن يلعب دورًا في التغيير، فتتغير معها الأهداف والمعايير، فعوامل الزمن تزحف على أصحاب الأدوار وعلى العمل نفسه وتتغير معه قواعد اللعبة وإلا تحول الجمهور عن العمل واختار عملا يناسب مرحلته وقد ينتقل صاحب الدور لمكان آخر بدور آخر، وقد يتقاعد وهو الأمر الغالب ولا يلتفت أحد أبدا للمتقاعد الخارج من المشهد -وقد يلعن- على الرغم أنه قد يكون مؤديًا لرسالته على أكمل وجه ولم يرتكب خطأ.. ونتعجب من ظهور بعض من يذكره بالخير ونصفهم بالوفاء النادر، فلا وقت لتذكر السابق، الحالى أهم وتستمر المصالح والطمع والطموح في الأدوار المربحة.
صحيح في حياتنا أدوار لا تنمو ولا يطمح صاحبها بأن يأخذ أكبر منها، ولكن قد يلعب القدر دورًا يغير الموازين كأن يمرض البطل أو يرحل فجأة، ويكون هناك أحد قريبا من المشهد فيقع الاختيار عليه وقد يستمر، على فكرة لا أحد يبحث عن البديل.. لابد وأن يسعى الراغب في الدور ويتواصل ويفعل كل ما بوسعه حتى يحصل عليه، وهناك من الأشخاص من يقضون عمرهم بأكمله بأدوار أقل من كفاءتهم ولا يحصلون على ما يتناسب معهم .
ففي بعض الأحاديث لبعض الفنانين أعربوا عن رغبتهم في القيام بأدوار غير المحصورين فيها، مثل الفنانة وداد حمدي التي أعلنت أنها كانت تتمني القيام بدور الهانم بدلا عن دور الخادمة، كذلك الحال في حياتنا الواقعية نفس الأدوارلا تتغير، والبعض يرضي بدور صغير حتى يظل محل الأنظار، حتى يأتي له الدور الأكبر بعدما أثبت أنه مطيع يرضي بما مُنح له.
بالطبع كل واحد منا يتمنى أن يقوم بالدور الذي يحلم به ولكننا لابد أن نجتهد فنحن في هذه الحياة أمام مكتب تنسيق نوزع على الكليات والمعاهد التي قد لا تتناسب مع مهاراتنا وموهبتنا فهو يتعامل مع الكل بنظام المجموعة، لا يراعي الفروق الفردية، لكن من يرفض لا يلتحق بالجامعة ويظل مكانه.. فلتدخل الجامعة غير الراضي عنها لتحصل على شهادة، وأمامك شهادات أخرى عليك الحصول عليها شريطة حصولك على هذه الشهادة أولا!
كثير منا لا يهتم بكتابة رسالته في الحياة ليحدد أهدافه وطريقة تحقيقها مع تصحيح مساره من وقت لآخر في صورة مثالية، لكن يجب علينا أن نحدد ما نريد حتى ولو كنا مجبرين، لأننا لا يجب أن نغفل بأن لكل مجتهد نصيب وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
علينا السعي والإخلاص مهما كان المتاح محدودا، لأن غياب الهدف الذاتي قد يعدم الطاقة الإيجابية الدافعة للعمل والذي يجب أن يتواجد بشكل أكثر سموًا لابتغاء مرضات الله والإيمان بأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض، فتمر الأيام والسنون وتحسب علينا ونحاسب على أعمارنا فيما أضعناها
فلا يجب أن نترك حياتنا للصدفة والعشوائية ونأمل في تأتي بالأفضل، الفرصة فعلا لمن يستحقها حتى وإن وجدت من يحصل عليها بالتحايل، فقد تكون مصوغاتها غير ملائمة للجادين، وانتظر من الأيام فك رموز إعراضها عنك، فلو كانت لغير المستحق ما خسف الله بقارون الأرض حتى لا يكون فتنة للمؤمنين، عيبنا أننا نتعجل في كل شيء والأيام لا تعطي سرها إلا للصابرين المجتهدين، وما التوفيق إلا بالله.