الثلاثاء 2 يوليو 2024

رئيس ضد الفساد وحرب مستمرة على الفاسدين

25-5-2017 | 11:18

بقلم: غالى محمد

لم يكن غريبًا أن يتكلم الرئيس السيسى فى قنا الأسبوع الماضى بهذا الحسم وبهذه القوة عن هؤلاء الذين يسرقون الأراضى.. ولا كان غريبا أن يطلب من حكومته إنهاء أمر استرداد هذه الأراضى قبل نهاية مايو الجارى.. عبدالفتاح السيسى تركيبته تأبى الفساد وتستعصى على الإفساد، وقد جاء قبل ثلاثة أعوام رئيسًا لدولة عشش الفساد فى أركانها طويلًا، عاس فيها الفساد وعاش فيها بلا حساب، ووصل إلى أعلى المستويات، من هنا.. كانت مهمة السيسى الرئيسية تجاه جهاز الدولة هى القضاء على هذا الفساد المتمكن من مفاصل الدولة.. وهى المهمة التى وصلت إلى ذروتها فى «قنا» حين أعلن حملة استعادة أراضى الدولة.

تكلم السيسى فى ذلك اليوم بغضب صادق، تكلم وهو يملك المعلومات، قضى هذا الرجل جزءًا لا يستهان به من عمره يمتلك المعلومات، من أجل هذا الوطن حين كان مديرًا للمخابرات الحربية، ثم حين صار وزيرًا للدفاع، لكن امتلاك المعلومات المهمة لا يسر الخاطر بالضرورة، معرفة بعض المعلومات أمر مؤلم.. مؤلم أن تعلم أن مئات الآلاف من الأفدنة التى تمتلكها الدولة سقطت فى أيدى لصوص كبار.

مؤلم أكثر لو كنت أنت رئيس هذه الدولة.. ومؤلم للغاية إذا كنت عبدالفتاح السيسى، الرجل ذو الضمير الحى واليدين النظيفتين، المضاد للفساد بطبعه الذى نشأ عليه.. السيسى واحد من المصريين الشرفاء الذين لم تتلوث أيديهم بالمال العام.. ولهذا كانت عضبته الكبرى لأراضى الدولة المنهوبة.

ولا أعتقد أن هذه «الغضبة» ستأخذ وقتها ثم تزول كما راهن بعض الفاسدين على هذا.

الذين راهنوا هذا الرهان لا يعرفون تركيبة السيسى المحصنة ضد الفساد، إنهم هم - أنفسهم - الذين يأبون أن يسهموا فى عملية التنمية الشاملة التى يقودها السيسى منذ ٣ سنوات وحتى الآن، نفس تركيبة «المليارديرات» ممن نهبوا المال العام، ونهبوا أراضى الدولة، ثم ضنوا على البلد الذى نهبوا موارده بجزء مما نهبوه.

لكن السيسى أعطى الأمر، أطلق المعركة من أجل استرداد أراضى مصر التى نهبها - للأسف - بعض أبناء مصر.. وهى ليست أولى المعارك ضد الفساد، ولقد بدأ السيسى هذه المعركة - مبكرًا - منذ اليوم الأول لتوليه رئاسة مصر.

لا يمكن أن يكون المصريون قد نسوا اليوم الذى ألقى الأمن فيه القبض على وزير الزراعة الأسبق صلاح هلال «فى عز الضهر» أمام الناس.. حين تورط فى قضية فساد كبرى.

ولا أعتقد أن أحدًا نسى قضية الفساد الكبرى فى مجلس الدولة التى لا تزال أصداؤها تتردد إلى الآن من حين إلى آخر - والتى أسفرت عن كشف فساد كبير فى بعض الأماكن التى لا يرقى إليها الشك.. وأثبتت هذه القضية وقضية صلاح هلال أن لا أحد فى مصر فوق القانون، وأن أيدى الدولة القوية - متمثلة فى أجهزة مكافحة الفساد وعلى رأسها - الرقابة الإدارية تصل إلى أبعد مما يتصور البعض، فهناك بين المصريين من يتصور نفسه محصنًا ضد المطاردة من أجهزة الدولة.. فيفسد ويمعن فى الفساد فى لا مبالاة.. هذا النوع - تحديدًا - من الفاسدين، هم الذين أصابهم تحرك الدولة المصرية فى عصر السيسى ضد الفساد.. بالذعر، لاسيما مع توالى ضربات الرقابة الإدارية ضد الفساد.

الرقابة الإدارية انطلقت فى حربها ضد الفساد، وشهد هذا الانطلاق ذروته مع تولى «محمد عرفان» لهذا الجهاز الوطنى الحساس الذى يعمل فى صمت من أجل رسالة وطنية نبيلة، وهى تطهير جهاز الدولة من الفساد.. التقى الرئيس السيسى بعرفان لقاءات كثيرة وكان تكليفه الدائم لعرفان شن حرب لا هوادة فيها على الفساد، حتى أن السيسى جعل «الرقابة الإدارية» تتابع أولًا بأول المشروعات القومية الكبرى، فبهذه الصيغة وحدها ضمن السيسى خلال السنوات الثلاث الماضية من حكمه، وسيضمن فى السنة الرابعة - إن شاء الله - «طهارة» هذه المشروعات منذ بدايتها.. وصيانة المال العام من اللحظة الأولى، وتحصين هذه المشروعات ضد الفساد.

لم يكن مستغربًا والحال هكذا، أن تتساقط حصون الفساد فى جهاز الدولة كأوراق الشجر فى الخريف.. فى سرعة تساقطها وضعف مقاومتها.. وتنوعت صور هذا الفساد بين الرشوة والتربح والاختلاس وإهدار المال العام.

فى ٢٠١٦ - وحدها وإلى جانب قضية مجلس الدولة التى أشرنا إليها - تم ضبط عدد من القضايا الكبرى.. أكبر شبكة دولية للاتجار فى الأعضاء البشرية.. القبض على منتحل شخصية مستشار السيسى الذى لم يكتف بانتحال هذه الشخصية، وإنما تقاضى رشوة مقدارها ٦٥٠ ألف جنيه.. ضبط العضو المنتدب لشركة «إيجوث» للفنادق أثناء تقاضيه رشوة مليون جنيه.. ضبط وكيل مصلحة الخبراء بوزارة العدل متلبسًا برشوة ٣٥٠ ألف جنيه.. إهدار ١١ مليونا ونصف المليون جنيه فى قطاع الإسكان بالمنوفية.. سقوط رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للتنمية الزراعية والريفية برشوة ٢٠٠ ألف جنيه..!

هذا إلى جانب ملف «قضايا فساد القمح».. تلك القضايا التى كشفت عن نسبة عجز ليست قليلة فى صوامع وشون القمح، ومتهم فى هذه القضية التى تمس الأمن القومى لمصر - رغيف العيش مباشرة - عدد من أصحاب صوامع وشون القمح وعدد من الموظفين بوزارتى الزراعة والقمح.

ومع انتشار ظواهر الفساد فى جهاز الدولة.. تم إلقاء القبض على مأمور ضرائب متلبسًا بالصوت والصورة فى أثناء حصوله على رشوة قدرها ٦٠ ألف جنيه.. من صاحب مصنع فى السادس من أكتوبر، مقابل تخفيض الضرائب المستحقة على المصنع، «حاميها حراميها»!

وكان للجماعة الإرهابية المحظورة نصيبها من وقائع تساقط الفساد فى الحرب المستمرة على الفاسدين.. أبرز هذه الوقائع القبض على «حسن مالك» رجل المال والأعمال الإخوانى الشهير، لاتهامه بشراء العملة الأجنبية من السوق بأسعار جاذبة للبائعين بعد قيام شركات الصرافة التى يمتلكها هو وقيادات «المحظورة»، لعمل ضغط كبير على الدولار وتداوله فى الأسواق، سعيًا للإضرار بالاقتصاد القومى.

رءوس كبيرة تساقطت.. وبعد سقوط «وزير الزراعة الأسبق» لم يعد خبرًا صادمًا أن تضع الأجهزة الرقابية عينيها على مستشار وزير الصحة لأمانة المراكز الطبية المتخصصة، الذى تحصل رشوة قدرها ٤.٥ مليون جنيه من إحدى شركات المستلزمات الطبية.

ليس غريبا أيضًا تلك الجولة المفاجئة التى شهدناها الأسبوع الماضى على المجمعات الاستهلاكية من عناصر الرقابة الإدارية، قبل حلول شهر رمضان المبارك.. لضمان عدم التلاعب بأقوات الناس لاسيما ونحن مقبلون على الشهر الفضيل..! وليس غريبًا أيضًا أن تسقط بعض المحال التجارية الكبرى تبيع لحومًا مصنعة تحتوى على بقايا من أجسام الفئران.. ولا مدهشًا أن تضع الرقابة الإدارية يدها على قضية «فساد لبن الأطفال» التى هزت الرأى العام..!

بلا مبالغة.. القضايا التى ضبطتها الرقابة الإدارية - وباقى الأجهزة المنوط بها كشف الفساد فى مصر - خلال السنوات الثلاث الأولى من حكم الرئيس السيسى تكفى ٣٠ عامًا كاملًا.. ووراء هذا الجهد غير العادى فى تعقب الفساد وكشفه على هذا النحو، تصميم أكيد من الرئيس السيسى على مكافحة الفساد وضربه فى مقتل.. ووراءه جهد شديد الإصرار من جهاز الرقابة الإدارية فى تنفيذ التكليف الرئاسى بتشديد القبضة على ملفات الفساد..

مكافحة الفساد والضرب على أيدى الفاسدين، يشبه فى حقيقته تمهيد الطرق قبل فتحها أمام المارة والسيارات للسير فيها، ففى أى طريق يمكن أن تنطلق قاطرة التنمية، بينما الفساد يعرقل السير فى طريق هذه التنمية؟ إن تعقب الفساد وتخفيض معدلاته - أملًا فى التخلص منه مستقبلًا، ولهذا ظروف أخرى بالطبع - هو من سمات اقتصاديات الدول الناهضة ومن مقاييس الشفافية التى تفتح الأبواب واسعة أمام الاستثمار والمزيد من جذب رءوس الأموال وفرص العمل.. ومن هنا جاء حرص الرئيس السيسى خلال ثلاث سنوات مضت على توجيه الضربات ضد الفساد، وأعتقد أن هذه الضربات ستزداد قوة فى الفترة القادمة.