الإثنين 29 ابريل 2024

حديث النفس .. ثمن باهظ!

مقالات11-9-2021 | 12:15

نحب ونندم.. نتزوج أو لا نتزوج ونندم.. نتعلم ونندم.. نعمل الخير ونندم.. نعمل الشر.. نخون.. نغدر.. ربما نندم.. نأخذ ونندم لأننا أردنا الأكثر.. نعطى ونضحى ونندم لأننا انتظرنا المقابل.. فالندم يكمن فى نفوسنا.. فى اختيارنا وإجبارنا.. هو طمع الإنسان الذى يشتاق لكل ما يبعد عن متناول يده.. قد يكون الندم هو الثمن الذى ندفعه.. وقد يؤجل وندفعه بفوائده.. فيكون ثمنا باهظا من دروس الحياة التى تسبق عصاها دائما كلماتها لمن يتأخر عن الفهم والتصحيح!! .

كل خطوة من خطوات حياتنا لها ثمن.. بعضنا يخطو ولا يعبأ.. والآخر يدرس ويتخذ قراره بالسلب أو الإيجاب، ولكن عندما ينضج يراجع نفسه وربما كانت أخطاؤه فى مرحلة عمرية تتميز بالتهور والبعد عن الحسابات الدقيقة لعمليات المكسب والخسارة فغالبا ما نعيش ما تبقى من حياتنا أسرى لدفع ثمن هذه الأخطاء أو بمعنى آخر اختياراتنا الخاطئة.. فالزمن لا يعود للوراء وحتما ستسدد فواتير أخطائك ولا وقت لتصحيح بعضها.. حينها نقول إنها غلطة العمر.. قد تكفّر عن هذا الخطأ والذى لا مانع أن يجرك لأخطاء أخرى فأصبح واجبا عليك تنفيذ العقوبة المفروضة عليك، وعلى فكرة بعض المخطئين ما يستسهلون الخطأ والسير فى طريقه ولأنه طريق الشيطان فيتبع خطواته بالمزيد من الأخطاء.

وإن أفاق الإنسان يسدد فاتورة الندم التى من الممكن أن تؤدى إلى التوبة، وهى أعظم الطرق، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وإن لم يفق وأصبح عاصيا فالزمن والقدر كفيل به.. لا مفر من تخليص الحقوق.. سنة الله فى الأرض وإلا سيتجبر الناس ويعيثون فى الأرض فسادا.

والطبيعة الإنسانية دائما ما تطمع فى تحقيق كل المكاسب حتى الأسوياء إذا ما اختاروا طريقا ولم تكن هناك ضغوط وراء هذا الاختيار أو حتى كنت محظوظا وكان عليك الاختيار بين أمرين كلاهما جيد ويميل قلبك أو عقلك لأحدهما وبعد تحقق رغبتك منه تزهد فيه نفسك وتتحول للندم لأنك لم تختر الطريق الآخر ليس لشيء سوى طمع الإنسان.. وتستطيع أن تقيس على ذلك كل اختياراتنا فى الحياة.. فى التعليم.. الزواج.. العمل.. وما أن نصل لمرحلة معينة سواء حققنا نجاحا أو فشلا حتى نحنّ للاختيارات الأخرى، بل أكثر من ذلك تجدنا نشتاق لها حتى وإن ثبت بالتجربة أنها فعلا فاشلة لكننا لم نشبع رغباتنا منها فتجدنا نندم على عدم الارتباط ببعض الأشخاص إذا ما وجدنا معاناة فى اختياراتنا.

 وكذلك فى اختيار المهن وغيرها، ليس لشيء سوى الغموض الذى يزين التجارب التى لم نخضها.. فما بالك بالأمور المفروضة قدريا علينا.. فتجد البعض منا يكرهها ويلعنها طوال الوقت ويرفض الرضا بها حتى تتحول نفسه للفشل ظنا منه أنها بفرضها عليه وعدم قدرته على الاختيار أنه غير محظوظ مغصوب على أمور كارهها حتى لو حقق نجاحا فرضته عليه الأيام يظل يندم وربما يستمر ندمه حتى نهاية عمره فيدفع حياته كلها ثمنا لها.

أحيانا نتردد ولا نستطيع أن نتخذ قرارات فى حياتنا فنلجأ لآخرين نثق فيهم ولا أعنى ثقتنا فيهم أنهم محل ثقة فقد يكونون عكس ذلك.. المهم.. نوكلهم فى اتخاذ قرارات لنا إما لأننا متحيرون، أو لخوفنا من الفشل، ولكن المؤكد أننا نطمع فى أعلى مكسب وبالفعل يختارون لنا قرارات من وجهة نظرهم أنها الأفضل.. ونسير فى التجربة وما أن تعثرنا حتى نكتشف أنهم كانوا مخطئين وتسببوا لنا فى هذه الخسارة وقد نلعنهم على الرغم أنهم لم يقصدوا فشلنا، لكن هنا ندفع نتيجة ترددنا فى اتخاذ القرار وخوفنا من الهزيمة ثمنا للذى تحقق باختيار غيرنا لنا ولا نستطيع الانسحاب ونكمل مشوار حياتنا وندفع الثمن!!

وعلى فكرة الثمن فى تجارب الحياة نسبى يختلف قدره من شخص لآخر فقد يفقد الإنسان كل حياته، وقد يفقد القليل أو المتوسط أو يكون رادعا باهظا.. وقد يكون غير ذلك.. لكنه غالبا عادل.. ويأخذنا الله برحمته ولطفه وستره ويسمح لنا باستكمال حياتنا.

والسؤال هل هناك فصال فى ثمن أمور حياتنا؟! أقول لك أن الله سبحانه وتعالى يعلم نفوسنا.. فقد ترتكب الخطأ وأنت جاهل به مثلما قال الله «يفعلون السوء بجهالة».. فنندم ونتوب ويعفو الله.. وقد تكون متعمدا لخطأ وأخطاء فيمهل الله ليأخذ صاحب الذنب بغتة حتى يظن أن الله بارك له فى أخطائه.. لا فصال فى ثمن لخطأ ولكن يحاسبنا الله بعدله ورحمته على أخطائنا وحسب نقاء نفوسنا وقلوبنا.

وقد يتحمل البعض أخطاء غيره فيرث تركة من الأخطاء عليه أن يسددها بل يحاسب عليها كما لو كان مخطئا فعلا مثل سابقيه.. وتتساءل أين العدالة فى ذلك؟! من الممكن أن يكون هذا الشخص طامعا فى أخذ مكاسب من هذا الميراث أكثر من رغبته فى الإصلاح أو حتى لم تكن نفسه كارهة للفساد فيتعذب بطمعه فى تسديد ثمن لأخطاء غيره لأنه لم يعمل على الإصلاح لأنه لو كان راغبا ومريدا فعلا فى الإصلاح لوفقه الله لهذا السبيل.

وتختلف أهدافنا فى تجاربنا بعضنا عن الآخر.. فمنا من يهدف لتحقيق سعادة ومنفعة شخصية فى المقام الأول، والآخر لهدف سام قد يدفع حياته ثمنا لها وهو يعلم حجم مغامرته، فقد يكون الثمن علاقة عكسية للهدف الذى يريده.. وتتساءل ماذا ستستفيد وأنت تموت فى سبيل حريتك مثلا؟! ممكن تكون الإجابة أنني مت فى سبيل مبدأ فرفضت الحياة الذليلة وقدمت حياتي ثمنا غاليا لها!! وترتقى الأهداف لثواب الشهادة لعلمه أننا ميتون.

 وقد تكون المعاناة ثمنا لأهداف ولكن من يشعر بهذه المعاناة سعيد راضٍ.. فقد يكون الثمن الجوع.. العطش.. الفقر.. السجن.. مثلما يرضى المناضل الباحث عن حرية وطنه بالسجن.. أو الآباء والأمهات الذين يحرمون أنفسهم من متع عديدة فى سبيل راحة أبنائهم.. وتعرض أصحاب الفكر المستنير فى رحلة نشرهم مبادئهم وخدمة البشرية للكثير من الهجوم وربما الأذى.. وأعلى مرتبة منهم كانوا الأنبياء والصالحين الذين تحملوا أذى أقوامهم فى سبيل نشر دعوتهم وإخراج الأمم من الظلمات إلى النور.. وهى أعلى درجات السمو الإنسانى لأنهم لا يعبئون بآلامهم الجسدية فى سبيل تحقيق راحة روحانية وإسعاد البشرية.. فمهما كانت المعاناة فالروح مستريحة سعيدة هانئة لا تنتظر المقابل ابتغاء مرضات الله.

 وقد تتعجب هل هناك أمور مجانية فى حياتنا؟! أقول لك إن لم يكن هناك من يضحى بدون مقابل لفسدت حياتنا جميعا فبعضنا يعيش ويهنأ بتضحيات الآخرين حتى وإن كان شخصا غير أناني، ربما سخر الله له هؤلاء الأشخاص الذين لا يبغون إلا سعادته فى طريقه حتى يظل الجانب الروحاني فى هذه الدنيا.

والبعض منا يضحى ويندم لأنه ضحى من أجل طرف واجه هذه التضحية بجحود فيحزن على ما قدم من تضحية فى حياته، ففي بعض الأوقات فى حياتنا يطلب منا التضحية قد نكون مضطرين لتغيير الأولويات ولكن بعد مرور الأيام وتغير الأحوال نندم على ما فاتنا من حظوظ باسم التضحية وخاصة إذا كنا مخدوعين وقدمنا التضحية على طبق من فضة لبعض من لا يستحقونها فنندم أشد الندم لأننا انتظرنا الجزاء منهم، وكلنا هكذا تكفينا كلمة الشكر والامتنان حتى نشعر أننا على الطريق الصحيح.

حياتنا كلها مكسب وخسارة ولكن بلغة المعادلات وليست بالطرح والجمع.. منا من يحقق معادلة سالبة وآخر إيجابية فهى المعادلة الصعبة التى استطاع صاحبها تحقيق توازن نسبى فى طرفيها.. صاحبها صدق بضرورة أن يدفع الثمن ليحصل على تجارة رابحة.

فنحن نعيش نماذج مختلفة لدافعى الثمن حتى إننا نهدد الآخرين بأن يكون انتقامنا منهم ثمنا باهظا.. فنسعد بتكبيد بعضنا البعض الثمن لنشفى غل صدورنا.. وتسير أمورنا على غرار التجارة السلعية التى نحصل عليها مقابل ثمن.. ونغضب حينما لا نحصل على مقابل لمشاعرنا وتحيزنا!!

وربما نبيع ونخجل أن يعلم أحد أننا حصلنا على الثمن.. وأحيانا نغضب من قيمة الثمن، فأردنا سعرا أعلى لدرجة أننا نقارن بيننا وبين الآخرين فى الثمن المدفوع فينا فى كل شيء لدرجة أنه عندما يبيعنا أحد أو يهجرنا نغضب ونقول لماذا بعتنا بثمن بخس وكأننا لا نعترض على البيع والتخلى ولكن نعترض على الثمن!!

وأحيانا نضحى فى طريق حياتنا بأناس أحبونا ولم يبغوا منا أي مقابل.. لم نقدر قيمة الحب.. قد يكونون أخلاء.. أصدقاء.. أهلا.. أبوين.. أيا كان الحب فنحن محتاجون له دائما لندعم بعضنا البعض، لكننا فى صغر سننا وقوة صحتنا نشعر أننا غير محتاجين للآخرين.. تغرنا الأيام ونغتر بها ونفرط فى محبين نحتاجهم ونحتاج ذكرياتنا السعيدة معهم عندما نوهن وتضعف أجسامنا ربما كانت هذه التضحيات سببا فى عزلتنا ووحدتنا فى نهاية عمرنا فأصبح ثمنا باهظا.

ما أقصر رحلتنا فى هذه الحياة.. وما أعقد كشف حسابها الذى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة.. فى دنيا الشهوات كل زائل حتى الصحة التى تستمتع بهذه الشهوات.. فنقول لأنفسنا ما أقصرها رحلة.. ما أرخصها لا تستحق ما تكبدناه من ثمن.. وقد تكون رحلة مشرفة صحيح بها أخطاء فهى الطبيعة البشرية التى تخطئ وتتوب إلى بارئها وتقبل العقوبة.. لكن لا تكن أسير عقوبتك فيفترسك الشيطان ليخرجك من دوامة ندم على خطأ لندم على خطأ آخر وتقضى ما تبقى من عمرك ثمنا باهظا لهذه الأخطاء.. وثق أن الله يغفر الذنوب جميعا وحرام القنوط من رحمته.

إذا كان لكل أمر حميد ثمن بالتوفيق والنجاح.. وكل خطأ ندم وتوبة.. فكل أمرك حسن لأنك تعلم أن الله موجود يحاسب ويجازى، وكن رحيما بنفسك، الأمانة فى عنقك فلا تعذبها بكثرة الذنوب وتثقلها بفاتورة تهلكها.. فالله موجود يغفر لمن يشاء من عباده وإذا كنت تدفع ثمنا باهظا لحياتك فليكن فى طاعة وتوبة من معصية ثمنا أعظم طريقه الجنة.

Dr.Randa
Dr.Radwa