مع بداية عام ٢٠٢٠ شهد العالم أجمع أزمة صحية خطيرة، من حیث خسائرها وما خلفته وراءها من مشكلات؛ ألا وهي جائحة كورونا، فقد تسببت هذه الجائحة حتى الآن في إصابة حوالي 197 ملیون شخص حول العالم، ونحو ما يقارب من أربعة ملايين متوفى وفقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، وفي مصر وصل إجمالي الإصابات حوالي 284 ألف حالة إصابة، وما يقرب من 17 ألف حالة وفاة وفقًا لإحصائيات وزارة الصحة المصرية.
ومن هنا نجد أن الحكومات على مستوى العالم أولت اهتماماً كبيراً لتوعية أفراد المجتمع بهذا الوباء من خلال وسائل الإعلام التقليدية والحديثة التي ساهمت في نشر الوعي الصحي والدعوة إلى اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية والاحترازية، الأمر الذي يستدعي قيام وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بدورها المنوط بها في التوعية الصحية، واستشعار المسئولية الاجتماعية، من خلال المحتوى الإعلامي المقدم للمواطن.
ولأن المؤسسات الدينية الرسمية وثيقة الصلة بحياة الإنسان، فإن للخطاب الديني تأثيره على سلوك الجمهور، من حيث أفكاره ومعتقداته، وسلوكياته وممارساته، الأمر الذي يعني ضرورة التزام المؤسسات الدينية المتنوعة بدورها المجتمعي إزاء تلك الأزمة من حيث قيامها بعدد من الممارسات، التي تشترك من خلالها مع مؤسسات المجتمع الأخرى في مواجهة جائحة كورونا.
فنلاحظ ظهور العديد من الصفحات الدينية الرسمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي للمؤسسات والهيئات الإسلامية والمسيحية والذي أصبح خطابها الديني يمثل أهمية بالغة لتوعية وتوجيه مجتمعنا في مثل هذه القضايا.
وتأسيسًا على ما سبق، سعت الدراسة المهمة التي أعدها د. ناصر البراق الأستاذ مشارك بكلية الاتصال والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الذي رحل عن عالمنا منذ أسابيع قليلة إلي بيان ملامح الخطاب الديني المتفاعل مع الجائحة، ودرجة تطوره خلال الأزمة، وإلى أي مدى نجح في تشكيل درجة استجابة مجتمعية له، من خلال تحليل محتوي الصفحات الدينية الرسمية عبر شبكات التواصل الاجتماعي وأثرها في تنمية الوعي الصحي بين أفراد المجتمع عينة الدراسة.
وقد استحوذت أزمة جائحة كورونا على اهتمام الرأي العام المحلي والدولي، وهو ما دفع وسائل الإعلام كافة لفرد مساحات واسعة من التغطية لهذه الجائحة، والاهتمام بها بشكل كبير، ومن ضمنها الصفحات الدينية الرسمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي تعتبر وسيلة لدفع الشباب لتعريفهم بأمور دينهم ودنياهم، ووعيهم بالقضايا المحيطة بهم سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وصحيا من منظور ديني.
ومن هذا المنطلق، فإن مشكلة الدراسة تتمثل في التعرف على مدى فعالية المضمون الديني المنشور عبر الصفحات الدينية الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي في مواجهة الأزمات الصحية "جائحة كورونا المستجد" نموذجا، في ضوء مدخل إدارة الأزمات، كذلك إلي أي مدي يمكن أن تساهم تلك الصفحات في تنمية الوعى الصحي لدى الشباب عينة الدراسة؟ وذلك في ضوء نظرية الاعتماد علي وسائل الإعلام.
واعتمد الباحث في دراسته على أداة الاستبيان، حيث تم جمع البيانات الخاصة بالدارسة الميدانية باستخدام صحيفة الاستقصاء، بالتطبيق على عينة من الشباب في الفئة العمرية من سن (18-35 سنة ، مستخدمي الصفحات الدينية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك للتعرف علي المعلومات التي اكتسبها الشباب عينة الدراسة من الصفحات الدينية حول جائحة فيروس كورونا، وأوجه التأثيرات المتحققة لديهم من متابعة تلك الصفحات، ومدي استفادتهم منها في تنمية الوعي الصحي لديهم.
كما استخدم الباحث استمارة تحليل الخطاب لمعرفة ملامح واتجاهات الخطاب الديني الرسمي إزاء الجائحة، وتوفير إطار لتفسير نتائج الدراسة، وذلك من خلال توظيف ثلاث أدوات بحثية وهي مسارات البرهنة لرصد الحجج والبراهين التي اعتمد عليها خطاب الصفحات الدينية الرسمية، والقوي الفاعلة لتحديد الشخصيات المحورية التي ظهرت عند تناول الصفحات عينة الدراسة لجائحة كورونا، وأخيرا الأطر المرجعية لرصد الأطر التي استندت إليها تلك الصفحات من مصادر وتصورات حول الجائحة.
وقام الباحث باختيار الصفحات الدينية للمؤسسات الرسمية كمجتمع للدراسة وذلك لأهمية دور الصفحات الدينية للمؤسسات الرسمية كشريك أساسي لصانعي القرار في مواجهة جائحة كورونا والتعامل مع الآثار السلبية التي ستنتج عنها في المستقبل، ولأهمية الدور المحوري الذي يجب أن تلعبه المؤسسات الدينية الرسمية في هذه المرحلة الحرجة في نشر التوعية وتعزيز التماسك الاجتماعي وإعادة الاستقرار النفسي والطمأنينة لأفراد المجتمع ومواجهة كل أشكال العنف التي قد تنجم في المجتمع والأسرة، والتأكيد على ضرورة اتباع التعليمات الصادرة عن الحكومات والمؤسسات الدولية صاحبة الاختصاص لمواجهة جائحة مرض فيروس كورونا.
وبناء علي ذلك اختار الباحث عينة من الصفحات الدينية الرسمية تتمثل في الصفحة الرسمية للأزهر الشريف، والتي يقدر عدد متابعيها لأكثر من 2 مليون متابع علي صفحتها عبر الفيس بوك، وصفحة وزارة الأوقاف والتي يقدر عدد متابعيها لأكثر من مليون متابع علي صفحتها عبر الفيس بوك، وأخيرا الصفحة الرسمية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، والتي يقدر عدد متابعيها لأكثر من نصف مليون متابع علي صفحتها عبر الفيس بوك.
ويرجع أسباب اختيار موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ضمن عينة الدراسة لتصدره قائمة أكثر منصات التواصل الاجتماعي تفاعلًا بين المصريين، حيث يبلغ عدد مستخدميه حوالي 40 مليون وفقا للإحصائيات الأخيرة, ومن ثم يكون خطابها بشكل عام أحد أهم الخطابات المهمة التي يلزم دراستها وتحليلها تجاه الأحداث والقضايا والأفكار المختلفة.
تتمثل في المواد المنشورة الصادرة عن الصفحات الدينية، باستخدام أسلوب الحصر الشامل من خلال تحليل 150 منشورا يتضمن المضامين المتعلقة بجائحة كورونا، منهم 70 منشورا بصفحة الأزهر الشريف، و35 منشورا بصفحة وزارة الأوقاف، و45 منشورا بصفحة الكنيسة الأرثوذكسية.
ويمتد الإطار الزمني للدراسة في الفترة من شهر مارس 2020 حتي يونيو 2021، ويرجع ذلك لانتشار فيروس كورونا في مصر عبر عدة مراحل، بدأت بالموجة الأولي وتحديدا من شهر مارس 2020 حتي شهر نوفمبر، ثم الموجة الثانية والتي بدأت من شهر ديسمبر 2020 وحتي شهر مارس 2021، وأخيرا الموجة الثالثة والتي بدأت من شهر أبريل 2021 وحتي يونيو 2021 وذلك وفقًا لتصريحات الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية.
وتم تحديد مجتمع الدراسة من عينة مكونة من 200 مفردة من الشباب الجامعي في الفئة العمرية من) 18-35) سنة من الذكور والإناث باستخدام العينة العمدية ممن يتعرضوا للصفحات الدينية عبر مواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، وتم اختيار تلك الفئة العمرية كعينة للدراسة الميدانية لانهم أكثر استخداما لشبكات التواصل الاجتماعي كمصدر للحصول على المعلومات، بجانب ردود الفعل والتعليقات والتقييمات حول معظم الأمور في الحياة اليومية.
وفي الأسبوع القادم نبدأ في عرض النتائج التفصيلية لهذه الدراسة المهمة.