آثار انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان ذكريات عن الحروب الماضية التي انغمست فيها الولايات المتحدة، فعلى الرغم من أن المثال الأقرب للأذهان كان انسحاب القوات الأمريكية من فيتنام كمقياس تاريخي هام، إلا أن أفضل تشبيه هو انسحابها من كمبوديا.
وذكرت دورية (ذا دبلومات) المتخصصة في الشئون الآسيوية أن تاريخ كمبوديا لا يقدم رؤى مهمة حول تداعيات الوضع الحالي في أفغانستان فحسب، بل يقدم أيضًا تذكيرات بأنه لا يزال هناك أمل في السياسة الخارجية الأمريكية المستقبلية ونهج المجتمع الدولي تجاه الشعب الأفغاني.
عندما استولى الخمير الحمر على السلطة في أبريل 1975، أجرت القوات الأمريكية رحيلًا سريعًا من كمبوديا، حيث أشرفت على إجلاء فوضوي للأفراد الأمريكيين والمسئولين الحكوميين الكمبوديين وغيرهم.
ولم تعم الفوضى العارمة عملية الإجلاء فحسب، بل اتسمت أيضًا بشجب وانتقادات للولايات المتحدة بعد تخليها عن العديد من الكمبوديين، لا سيما موظفي الخدمة المدنية الذين عملوا عن كثب مع المسئولين الأمريكيين.
وبالطبع، فإن الشعور بالتخلي وانعدام الأمن والإرهاب المطلق الذي ساد بين العديد من المواطنين الكمبوديين في عام 1975 يشعر به حاليًا العديد من الأفغان، لا سيما أولئك الذين كرسوا حياتهم لرؤية أفغانستان حرة تحت مظلة أمريكية.
وفي الحقيقة لا تتحمل واشنطن مسئولية التخلي عن الكثيرين وحدها، حيث أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يتحملان نصيبًا متساويًا من المسئولية عن الوضع في أفغانستان، تمامًا كما تحملوا قدرًا من المسئولية عما حدث في كمبوديا في الفترة الأخيرة من القرن العشرين. ومن أهم عناصر التشابه بين الأوضاع في كمبوديا وأفغانستان، هي أنه لا يوجد بديل للقيادة الأمريكية، التي لا تزال تعتبر عنصرًا حاسمًا وأساسيًا لمنع معظم مشاكل الأمن الدولي بل وحلها في حالة ظهورها.
وعلى الرغم من التصريحات العلنية لقيادة طالبان التي أظهرت سعيها لتحقيق أهداف التنمية البشرية في أفغانستان، إلا أنها أظهرت أيضًا ميلًا إلى ارتكاب الفظائع والعداء تجاه المجتمع المدني، كما أن مجلس الوزراء الذي تم تشكيله مؤخرًا ليس شاملاً ولا يمثل وعود الإصلاح. وتتعارض الاقتراحات الدولية الأخيرة بأن حركة طالبان المعاصرة قد تكون مختلفة عن سابقاتها مع الحقائق الموجودة أرض الواقع، والمتمثلة في الهجمات العلنية على المدنيين الأبرياء والهجمات الانتقامية على المؤيدين السابقين للجمهورية الأفغانية وعدم تغير موقفها الذي يشكك في قدرة المرأة على العيش والعمل دون قمع، وهي الأمور التي تظهر الأسوأ لم يأت بعد.
ويثير تفكير المجتمع الدولي بالتعاون مع طالبان ذكرى سابقة مماثلة في كمبوديا، عندما سمح المجتمع الدولي للخمير الحمر بتمثيل شعب كمبوديا مؤقتًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث إن محاولات تبرير العمل مع نظام كان مرفوض دوليًا ومتسم بالإرهابي، بهدف تحقيق أهداف محدودة يجب أن يتم تقييمه بشكل جاد لصالح تحقيق أهداف التنمية البشرية التي يتم التضحية بها على مذبح الضرورة السياسية أو الأمنية.
وارتكب الخمير الحمر فظائع لا توصف خلال الفترة بين عامي 1975 و1979 من بينها إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم أخرى ضد الإنسانية، إلا أن الكثيرين لم يشعروا بالاستياء لاعتقادهم بأن الولايات المتحدة هي الأرض التي يمكن أن تتحقق فيها الأحلام، وأنها تمثل الأمل الذي يبقيهم بجانب العديد من الناجين الآخرين على قيد الحياة.
إن عودة طالبان لحكم أفغانستان وانهيار الدولة الأفغانية يفرضان بالضرورة فحص السياسة الخارجية الأمريكية والتزام المجتمع الدولي كله بأهداف التنمية البشرية، ولكن سيكون من الخطأ أن تعوض تلك الظروف فرصة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لفرض تأثيرهم على أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان، حيث أنه إلى جانب صور المروحيات على أسطح المنازل والفوضى في الشوارع والتفجيرات الانتحارية، كانت هناك أيضًا العديد من الصور الإيجابية للبطولة والنضال والأمل.
ومثل كمبوديا، لن يتحدد مستقبل أفغانستان بالشعور بالاستياء وبأن واشنطن قد تخلت عن البلاد، بل سيتحدد بالبطولة والنضال والأمل وأحلام الشباب،إذ ينبغي للسياسة الخارجية الأمريكية واستراتيجيات المجتمع الدولي في التعامل مع أفغانستان أن تشمل الشباب الأفغان في تخطيطها طويل المدى.