أعدت مجلة (فورين أفيرز) الأمريكية مقالاً مطولاً للرأي تساءلت خلاله عن الصراع الجديدة بين القاعدة وداعش ومن بإمكانه منهما تحقيق أكبر مكاسب ممكنة تحت حكم طالبان الجديد داخل أفغانستان.
وفي مستهل المقال الذي أوردته المجلة اليوم عبر موقعها الإليكتروني، أشارت إلى وجود ما يبرر هذه المخاوف بالنظر إلى تاريخ طالبان في إيواء الجماعات المتطرفة مثل داعش والقاعدة، بيد أنهما يواجهان عوائق خطيرة في مسعاهم لاستغلال أفغانستان كمنصة لتعزيز قوتهم وإطلاق موجة جديدة من الهجمات الإرهابية.
ويرصد الكاتب كول بانزل اختلاف وجهات النظر داخل داعش والقاعدة حول دور أفغانستان في المشهد الجهادي العالمي، فبالنسبة للقاعدة، فإن انتصار طالبان هو انتصار ملحمي وتراه "تحقيقاً لوعد الله بالنصر للمؤمنين على الكافرين" - على حد زعمها.
أما داعش فترى أن ذلك ليس نصراً لكنه دليل آخر على رغبة طالبان في التعاون مع الأمريكيين.
يشير كاتب المقال إلى أنه منذ صعود نجم تنظيم داعش في العام 2013 وإعلانه عن قيام "الخلافة" بعد عام من سيطرته على معظم الأراضي في العراق وسوريا، سعت القاعدة لوضع نفسها في صورة الجماعة الأكثر اعتدالاً وبراجماتية بين الجماعتين.
ويفسر بالقول إنها "باتت أكثر تحفظاً في ممارسة (التكفير) وأكثر اهتماماً بمناشدة الرأي العام في العالم الإسلامي كما عززت القاعدة علاقاتها الوثيقة فعلياً مع طالبان وهي العلاقة التي تعود للعام 1996 إبان تولي أسامة بن لادن قيادة تنظيم القاعدة، وهو الأمر الذي أكده بشكل أكبر أيمن الظواهري زعيم القاعدة الحالي، تجاه طالبان".
وأشار إلى أنه في الوقت الذي كانت القاعدة تعزز فيه علاقتها مع طالبان، كان تنظيم داعش يتهم الأخيرة بأنه ضلت طريقها وفي أدبيات داعش، أصبح انحراف طالبان عن النقاء الديني بارزاً بشكل خاص بعد وفاة الملا عمر في عام 2013، وبعد ذلك أهملت طالبان تطبيق الشريعة الإسلامية وازدادت نزعتها القومية والتسامح مع الأقلية ا
لشيعية في أفغانستان، وسعت إلى إقامة علاقات مع الدول الكافرة - على حد زعم التنظيم.
كما يلقي التنظيم باللائمة على طالبان في رفضها إعلان داعش لما عرِف بـ "الخلافة" ومقاومة مساعيه في 2015 لإنشاء ما يُعرف بـ "ولاية خراسان" ومنذ ذلك الحين دخلت طالبان في حرب مع فرع التنظيم داعش بأفغانستان وفي بعض الأوقات وفّرت واشنطن دعماً جوياً لحركة طالبان.
وفي أعقاب اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه في 2020 بين طالبان وواشنطن، رفض تنظيم داعش الاتفاق باعتباره أدلة جديدة على انحراف طالبان واستنكرت النشرة الأخبارية الرسمية للتنظيم حركة طالبان لوصفها الأمريكيين بـ "الحلفاء الجدد".
كما اعتبر المتحدث الرسمي باسم التنظيم أبو حمزة القريشي أن الاتفاق المبرم بين طالبان وواشنطن مؤامرة على داعش وأن الاتفاق كان غطاءً للتحالف القائم بين ميليشيا طالبان المرتدة والصليبيين - على حد وصفه.
وفي ردود الأفعال على اتفاق السلام الجديد، امتنعت القاعدة عن التعليق على الموقف في أفغانستان طيلة العام ونصف التالي ووفقًا لوكالة استخبارات الدفاع، فإن طالبان طالبت القاعدة للحد من أنشطتها والتعتيم على العلاقة طويلة الأمد بالحركة حتى تكمل القوات الأمريكية وقوات التحالف انسحابها.
ل
كن القاعدة شعرت بحرية في التعليق بشكل علني على الوضع بمجرد مغادرة آخر جندي أمريكي من كابول في 31 أغسطس الماضي، إذ أنها أصدرت بعد ساعات بياناً تهنئ فيه طالبان والعالم المسلم على ذلك الانتصار التاريخي.
تتطابق تلك المشاعر مع أفرع القاعدة الأخرى في اليمن وسوريا وشمال إفريقيا والساحل إذ أشادوا جميعاً بالقاعدة لالتزامها بسبيل الجهاد ورفضها المساومة على مبادئها وثوابتها وأن انتصار طالبان أظهر أن الجهاد هو السبيل الوحيد الذي يقود للانتصار والتمكين.
يختلف الأمر بالنسبة لتنظيم داعش، إذ يرى أن الحديث عن تحقيق طالبان أي انتصار هو أمر مثار للسخرية ويرى أن ما حدث هو أن الولايات المتحدة سلمت طوعاً السلطة إلى طالبان والتي أصبحت عميلاً أمريكياً.
كما قلل التنظيم من الانتصار العسكري الذي حققته طالبان ووصفه بأنه "نتيجة طبيعية" لاتفاق الأمريكيين وطالبان.
ويقول الكاتب "رغم استمرار العلاقة بين طالبان والقاعدة، إلا أن لدى الأولى مصلحة قوية في كبح جماح القاعدة، ففي الوقت الذي تسعى فيه طالبان للحصول على الاعتراف والقبول دولياً، سيكون من الحماقة أن تسمح للقاعدة بشن هجمات على الغرب أو حتى على الدول الإسلامية".
وتحدث أيضًا عن مساعي القاعدة لإعادة بناء منظمتها المحطمة، لاسيما مع مقتل عدد من قياداتها البارزة مثل أبو محمد المصري الرجل الثاني بالتنظيم والذي قُتِل في شوارع العاصمة الإيرانية طهران في أغسطس 2020 ومقتل حسام عبدالرؤوف القيادي البارز في أفغانستان، كما قُتِل الكثير من قادة التنظيم الذين أرسِلوا إلى سوريا في
غارات لطائرات أمريكية دون طيار.
كما تطرق للحديث عن مشكلات التي تواجه التنظيم وقيادته في السيطرة على أفرعه الأخرى في شتى أنحاء العالم وهو الأمر الذي قد يتكرر على غرار ماحدث عام 2013 عندما أخفق الظواهري في منع فرعه العراقي آنذاك "دولة العراق الإسلامية" من الانفصال عن القاعدة وتشكيل ما عُرِف لاحقاً بـ "الدولة الإسلامية في العراق والشام"
كما أخفق في 2016 من منع فرعه السوري جبهة النصرة من الخروج من تحت عباءة التنظيم الأم.
يرى الكاتب أن فرع داعش في أفغانستان قد يكون المستفيد من حكم طالبان، ورغم أفول نجمه وتكبده خسائر فادحة وعدم سيطرته على أي مناطق، يمكنه تصوير نفسه بالبديل الجهادي المتشدد لطالبان.
وفي هجومه الأخير على مطار كابول، لم يكن داعش يحاول فقط قتل الأمريكيين بل أيضًا ليوضح لأنصار طالبان من "المتشددين" أن الحركة قد تراجعت، كما أكد التنظيم أن طالبان كانت تحمي "الصليبيين وجواسيسهم" داخل المطار.
يقول الكاتب إن "داعش سيستفيد من الخروج الأمريكي من أفغانستان، حيث كانت القوة الجوية الأمريكية أساسية لإبطال مكاسبه هناك".
يضاف إلى ذلك عدم وجود جيش أفغاني إذ هُزِم غالبية جنوده وقادته وغادروا أفغانستان ولم تعد هناك قواعد أمريكية تنطلق منها الطائرات أو قوات خاصة لتنفيذ غارات تستهدف التنظيم.
رغم ذلك، يعود الكاتب للتأكيد على أن تنظيم داعش لا يتمتع بجاذبية كبيرة داخل أفغانستان كما أنه سيعاني لتوسيع قاعدة الدعم الخاصة به في أي مناطق جديدة يسيطر عليها داخل أفغانستان.
يشير الكاتب إلى أن القاعدة وداعش يواجهان تحديات كبيرة في محاولة إعادة تشكيل صفوفهم داخل أفغانستان وقد تخلق عودة طالبان أكبر فرصة للقاعدة لإعادة تشكيل وتنظيم صفوفها منذ أكثر من عقد، لكنها ليست في وضع جيد لاغتنامها، حيث سيسعى تنظيم داعش للعب دور المخرِب رغم مصاعب كسب الدعم الشعبي أو مضاهاة
طالبان في القوة البشرية والموارد.
ويشدد الكاتب على ضرورة أن تبقى الولايات المتحدة وحلفاؤها يقظين واستباقيين، خشية عودة إحدى هاتين المجموعتين أو كلتيهما إلى القوة.