الأربعاء 26 يونيو 2024

المناطق الآمنة فى سوريا أولى نقاط الصدام بين موسكو وواشنطن

2-2-2017 | 12:48

د. نبيل رشوان

متخصص فى الشئون الروسية

كما تحدثنا فى المقال السابق عن أن هناك نارا تحت الرماد وأن الأمور لن تمر ببساطة فى العلاقات الروسية ـ الأمريكية التى تحتوى الكثير من بؤر الخلاف والصدام، فقد كان الكثيرون متفائلين - بالتصريحات الإيجابية من الطرفين -، من أن الولايات المتحدة ستوحد جهودها مع روسيا فى مكافحة الإرهاب، ومن ثم إصرار روسيا على عدم تهميش الولايات المتحدة فى مؤتمر أستانا، وسمحت بتمثيلها بل وأصرت على أن بدون مشاركتها من الصعب مكافحة الإرهاب ولابد من تواجد الولايات المتحدة فى المؤتمر، وكان هذا ضد الحليف الموثوق إيران، وبعد أن رفض الرئيس بوتين إبعاد دبلوماسيين أمريكيين رداً على خطوة أمريكية مشابهة.

وعلى خلفية انتهاء مؤتمر استانا وتحديد موعد مؤتمر جنيف، والاتفاق على إعلان مبادئ مهم من شأنه إعادة الهدوء إلى ربوع سوريا، وإعطاء فرصة للحلول السلمية والتفاوض، والاتفاق على استمرار الهدنة، وعلى علمانية الدولة تقريبا وأقول تقريباً لأن الإسلاميين الذين حضروا مفاوضات أستانا رفضوا كلمة علمانية على وجه الخصوص واستعاضوا عنها بكلمة تساوى الحقوق للأقليات والطوائف والمذاهب المختلفة فى البلاد وغيرها وتغاضى الجانب الروسى عن ذلك، وبدت الأمور وكأنها تتجه إلى جنيف بحضور كافة الأطراف لإقرار اتفاق نهائى مادام هناك اتفاق على المبادئ، وخففت روسيا بالتالى من تواجدها العسكرى، للتخفيف من الاحتقان والتوتر، وحتى لا يبدو الأمر وكأن الاتفاق يتم تحت ضغط وجود القوات الروسية، بل إن روسيا وجهت إنذارا شديد اللهجة للقوات السورية التى خرقت وقف إطلاق النار، أى أن روسيا فعلت ما يجب أن تفعله أى دولة تحترم تعهداتها وتسعى بالفعل إلى أن يعم السلام الأراضى السورية..

وسط كل هذا الجو من التفاؤل فاجأ الرئيس الأمريكي، الذى كانت تعلق عليه روسيا الآمال فى أن ينزع فتيل التوتر من العالم، بالإعلان عن إنشاء مناطق آمنة فى سوريا، دون التشاور مع روسيا أو حتى القيادة السورية صاحبة الحق الأول والأصيل فى هذا، وهو الأمر الذى أثار حفيظة روسيا، فخرج المتحدث الرسمى باسم الكرملين ليعلن عدم موافقة روسيا على هذا الإجراء الأمريكى الذى تم من طرف واحد (دون التشاور مع الحليف الروسى فى مكافحة الإرهاب) وقال: كان من الممكن الترحيب بهذه الخطوة، ـ واستطرد بلغة دبلوماسية لا تخلو من حرص على عدم إفساد شهر العسل مع الرئيس الأمريكى: كان من الممكن الترحيب بهذه الخطوة باعتبارها مرتبطة بتحقيق الأمن للمواطنين العزل، لكن الشكوك تحوم حول هذه المبادرة إذا اتخذت من جانب واحد، دون التشاور مع الدول المنخرطة فى عملية تسوية النزاع، وأشار إلى أنه إذا كان السيد ترامب سوف يقوم بتحديد آليات هذه المبادرة بالتشاور مع الأطراف التى تعمل الآن فى سوريا وهى روسيا وتركيا وإيران، وليس فقط فى الدائرة المحيطة من حلفاء الولايات المتحدة السابقين فى التحالف المضاد للإرهاب والذى حطمه باراك أوباما على عجل، والذى لم يفعل شيئا فى مكافحة الإرهاب على أرض الواقع، دعا المتحدث باسم الكرملين «دميترى بسكوف» إلى التركيز على سحق الإرهاب وتأمين المواطنين البسطاء، وعاد السيد بسكوف إلى اللغة الدبلوماسية مرة أخرى وقال إن مبادرة السيد ترامب تستحق الاهتمام، ليس فى الشكل الذى قدمت به كمبادرة أمريكية صرفة، والقيام بذلك بواسطة القوات الأمريكية فقط.

ويبدو أن روسيا حتى الآن حريصة على عدم إغضاب ترامب، فقد أشار أحد المسئولين الروس إلى مبادرة ترامب، لكنه اشترط لتطبيقها على الواقع أخذ رأى الشعب السورى فى الاعتبار وليس من جانب واحد، وقال إن روسيا تعمل منذ فترة طويلة فى هذا الاتجاه ويجب أخذ خبرتها فى الاعتبار.

«ماريا زاخاروفا» المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية قالت إن الخارجية الروسية تنتظر تشكيل «جناح» السياسة الخارجية لإدارة الرئيس ترامب، وقالت نحن ننتظر تشكيلهم لفريق العمل، فى إشارة إلى أن السياسة الخارجية وفريق العمل بها لم يتكون بعد، كانت الإشارة الأولى لمبادرة الرئيس دونالد ترامب قد أعلنت للمرة الأولى فى مقابلة له مع محطة «إيه بى سى» والتى أعلن فيها أنه عازم على «إنشاء مناطق آمنة فوق سوريا»، ثم عاد وأكد أنه بالضبط سينشئ «مناطق آمنة» للشعب السورى، فى غضون ذلك أشارت وكالة رويترز أن مرسوما رئاسيا من ترامب قد تم إعداده للتوقيع عليه يحدد هذه المناطق، وأن وزارتى الخارجية والدفاع سيكون عليهما خلال ٩٠ يوما إعداد خطة «المناطق الآمنة».

وهنا ننتقل إلى آلية التطبيق وكيف ستتم:

١ ـ هل ستكون بالتنسيق مع روسيا؟.

٢ ـ ماذا عن جبهة النصرة التى تعتبرها روسيا من الجماعات الإرهابية وترفض الولايات المتحدة ذلك؟.

٣ ـ من يضمن عدم تحرك الجماعات الإرهابية إلى المناطق الآمنة تجنباً للقصف، وبعد الاتفاق تقوم بإفساده؟.

٤ ـ ماذا عن الميليشيات الإيرانية التى تناصبها واشنطن العداء وهى حليفة للنظام وغيرها الكثير، فهل ستتنصل روسيا من رفضها القاطع لإقامة مناطق آمنة فى بداية الأزمة السورية وهو ما سيقيد حركة الطيران الروسى والسورى، ومن سيحدد المناطق الآمنة بدون روسيا وحلفائها الموجودين على الأرض؟

على أية حال يجب أن ننتظر ٩٠ يوما حتى يتم إعداد خرائط بهذه المناطق الآمنة، من وجهة نظرى المتواضعة هذا سيسبب خلافات كثيرة، وقد يقوض عملية السلام التى بدأت.

تابع التفاصيل في العدد الجديد في المصور الموجود حالياً في الأسواق .