الإثنين 25 نوفمبر 2024

مقالات

زمان العبر.. وموسم الغباوة

  • 19-9-2021 | 12:25
طباعة

كالأنفلونزا الموسمية تطل علينا موجة جديدة من التمسح بحقوق الإنسان رغبة في الابتزاز والتدخل الاستعماري المودرن في شئون الدول ولا أعرف لماذا استدعت تلك الموجة الجديدة حالة السخرية المريرة التي جسدها الراحل عبد المنعم مدبولي خلال فيلمه "مولد يا دنيا" ومن سخرية الزمن أن يحدث تطابق بين مدلول اسم الفيلم وبين تلك الموجة التي تحولت إلى حقا إلى "مولد" يرتاده سنويا بعض المرتزقة والمريدين الذين عموا أبصارهم عن انتهاكات هنا أو هناك فذلك التعامي المقصود لا يبعث في الإنسان إلا أن يمصمص شفتيه تندرا على سوق الغباوة الذي يبدو أنه لم يجبر بعد.

تلك الأصوات الموسمية الناعقة بحقوق الإنسان تصدر من دول تقطر يداها دما وقتل قادتها وشردوا الملايين في العالم العربي دون مساءلة أو حمرة خجل أو حتى حساب وصدقت الأغنية حين ختمت سردها المرير بعبارة آآآه يا زمان العبر سوق الحلاوة جبر.

وقد يظن البعض ممن يعيشون استغرابا وطنيا عميقا إلى الحد الذي يدفعه لأن يكون مقدمة لجيوش أعدائه وأداة قذرة لمستغفليه الذين  لن يتوانوا أن يتركوه ذليلا على أرض المطار مكسور الجناح مدهوشا كما فعل الأمريكان بالمتعاونين معهم بأفغانستان.

ومن مفارقات القدر أن يصدق البعض أن طالبان قهرت أمريكا وطردتها وينخدع بالإخراج المسرحي للمشهد ونسي أن قادة طالبان الذين هزموا أمريكا كانوا ضيوفا فوق العادة على أمريكا في قاعدتها العسكرية الأكبر بالشرق الأوسط وهي قطر التي حملت طائراتها قادة طالبان إلى عرش أفغانستان بمنتهي السلامة واليسر.

على أي حال لسنا بصدد الصفقة التي تمت وجرت لكن استوقفني أن السادة المجاهدين لا مؤاخذة لم ينطق منهم صنم أو عتل مطالبا بمحاكمة أمريكا عما اقترفته من جرائم طوال 20 عاما في أفغانستان ويبدو أن الطرفين يلعبان لعبة شهيرة وهي "اقلع لي عين وأقلع لك عين ونعيش عور احنا الاتنين" فكما نسيت أمريكا ظلامية طالبان تجاه حقوق الإنسان سينسي المجاهدون فظائع الأمريكان وقصفهم الأفغان ليل نهار .. والصلح خير.

صمت الجميع أمام أوامر القتل التي يصدرها "بايدن" وآخرها اعتذار جيشه عن غارة قتلت أكثر من عشرة مدنيين وانتهى الأمر بتقديم اعتذار متلفز .. صمت الكل منظمات ومؤسسات حقوقية ونشطاء ..و ...و كل تلك الفرق المعدة لمهاجمة من يشير إليه سيد البيت الأبيض في حقارة تتفوق على حقارة مرتزق يقاتل من أجل المال.

لكن تشتد الألسنة وتتجهز العقوبات على كل من هو ليس أمريكيا أو تابعا لسياساتها أليس كذلك؟! فسرعان ما تعد التقارير وتصنع الأفلام التسجيلية عن بشاعة هنا أو بشاعة هناك لمجرد أنها تتقاطع مع أجندة الدولة الأكثر سفكا للدماء في العالم اليوم ..أمريكا هانم.

وللحق يجب أن يكون ردنا على تلك الأصوات ردا قاسيا مؤلما يحمل في طياته إعلانا برغبة عارمة في مقاومة تلك العدالة العوارء التي ينشدها هؤلاء الـ"متأمركون" وفي ذات الوقت لا يمكن لأي عاقل أن يرفض تعظيم حقوق الإنسان أو أن يقف في طريق تحقيقها على الأرض لكن أي حقوق إنسان هل هي تلك العوراء التي تبيح لأمريكا القتل وغزو الدول وتشريد الشعوب حماية لمصالحها وأمنها القومي وهو ما ترغب في حرمان غيرها منه.

ليذكر لي متحذلق حقوقي من هؤلاء الناعقين هل غزت مصر دولة أخرى وقتلت مليونا ونصف المليون شخص كما فعل الأمريكان بالعراق؟! هل أسست مصر جماعة إرهابية وسلحتها كما أسست هيلاري كلينتون داعش وأخواتها لتنفيذ أجندة أحلامها الاستعمارية.

هل أجرمت السعودية وهي تقاوم إرهاب الحوثيين وأذرع إيران .. هل تتوقف الإنسانية عند مجموعة المتعاونين مع مدبري الربيع العربي القابعين في السجون ويحاكمون أمام قاضيهم الطبيعي.. هل هي هذه الإنسانية التي تقصدونها؟ّ! 

كان من الممكن أن نتعاطف مع تلك التقارير المشبوهة حول حقوق الإنسان التي يخطها قتلة بياقات بيضاء تقطر أيديهم بدماء الأبرياء إن كانت دعوة مخلصة مجردة من الهدف الدفين والغرض المريض لتعظيم حقوق الإنسان والتعاون على ذلك في إطار من ميزان عادل راجح لكن أن تحولوا الدعوة لتعظيم حقوق الإنسان إلى أداة ابتزاز أو تحريض على شعب بأكمله فملعونة دعوتكم مكروهة أصواتكم غير مشكورة خطواتكم مهزومة نواياكم ودعونا نعد مرة أخرى لكلمات أغنية مدبولي زمان وكان يا ما كان كان الزمن إنسان دلوقتي ليه يا زمان ما بقتش زي زمان.. طيب يا صبر طيب.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة