قبل بدء العام الدراسى الجديد بأيام.. علينا أن نتوقف ونستعد لكيفية إدارة «اليوم الدراسى» فى ظل جائحة «كورونا».. الدولة تسابق الزمن لتطعيم أطراف العملية التعليمية بـ«اللقاح» المناسب والآمن، لكن فى نفس الوقت علينا إيجاد رؤية عن شكل ومضمون اليوم الدراسى وساعات عمله.. وكيفيته ومكوناته، وطريقة تنظيمه، حتى نستطيع ضمان عام دراسى آمن، تنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية التى لا تدخر جهداً فى توفير الأمن والحماية لأبنائنا التلاميذ، إدارة اليوم الدراسى وتنظيمه ووجود الرؤية حول شكله ومضمونه وآلياته، هو الضمان الرئيسى لإنجاح العام الدراسى.. وهو الأمر الذى مازال غائباً حتى الآن، لذلك من المهم أن يخرج علينا المسئولون فى التعليم عن كيفية تصورهم ورؤيتهم لليوم الدراسى.
من المهم انتظام العام الدراسى.. لكن الأهم كيفية «إدارته فى ظل الجائحة».. فما كان طبيعياً قبل «كورونا» لم يعد ملائماً الآن، وعلينا طرح رؤية لـ«يوم دراسى آمن».
العام الدراسى الجديد على الأبواب، ويأتى للعام الثالث على التوالى، ومازال العالم يواجه خطر جائحة «كورونا».. لكن لا شك أن الأمور أصبحت أفضل، وهناك حالة من التعايش والتعامل الآمن مع هذا الفيروس اللعين، الذى لم نعرف له «كتالوج» حتى الآن.. ومن الواضح أنه سيظل معنا لفترة قادمة، إلى أن يشاء اللَّه عز وجل بأن يهدينا إلى العلاج الناجع لهذا المرض المفزع والمرعب.. فقد أوجد «كورونا» نمطاً مختلفاً للحياة، جعلنا أكثر تقيداً.. وأيضاً أكثر حذراً.
الحقيقة أنّ مصر وبشهادات دولية محترمة من أفضل الدول التى تعاملت مع فيروس «كورونا» سواء على مستوى الانتشار أو على مستوى التأثيرات والتداعيات الكارثية، لذلك نجحت مصر ضمن دول محدودة فى العبور الاقتصادى الآمن خلال سنوات الجائحة.. وحققت نمواً اقتصادياً.. واحتفظت بمؤشراتها الواعدة.. وحظيت بشهادات وإشادات دولية على المستويين الاقتصادى والصحى.. فقد أكدت وكالة بلومبرج أن مصر من أفضل الدول فى العالم تعاملاً مع أزمة «كورونا» من خلال استجابة شاملة وفورية وسريعة حققتها الدولة المصرية فى تعاملها العلمى والمخطط مع جائحة «كورونا» سواء من الناحية الطبية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.. فقد أشار تقرير الوكالة إلى امتلاك مصر المركز الـ25 عالمياً والثانى عربياً من بين 53 دولة على مستوى العالم، وذلك فى تصنيف مرونة التعامل مع جائحة «كورونا»، وتقدمت على تركيا والسعودية والهند والبرازيل وإيطاليا وفرنسا والمكسيك.
الحقيقة أن التعامل المصرى مع جائحة «كورونا» يستحق التحية والتقدير.. فقد أولت القيادة السياسية هذا الموضوع اهتماماً كبيراً وأولوية أولى وسخرت له كافة الإمكانات والميزانيات اللازمة.. وقامت الدولة المصرية بالعديد من الإجراءات الاستباقية الفعالة سواء على المستوى الصحى أو الاقتصادى أو الاجتماعى، ورسخت القيادة السياسية «مبدأ عبقرياً» تجسد فى كل زيارة تفقدية لمواقع العمل والإنتاج والمشروعات القومية التى يعمل فى كل واحد منها آلاف المصريين.. من خلال تطبيق الإجراءات الاحترازية من فيروس «كورونا».. والإجراءات الوقائية والحفاظ على سلامة العاملين، وفى نفس الوقت ضمان العمل والإنتاج بنفس المعدلات التى سبقت «الجائحة» التى تضمن الفوز فى السباق مع الزمن وبالتالى لم تتوقف الحياة فى مصر أو يؤجل العمل فى المشروعات.. وظلت وتيرة الإنجاز كما هى، بل تفوقت، وهو ما حقق معدلات ومؤشرات اقتصادية طبقاً للشهادات العالمية تدعونا للفخر، ويكفى أن مصر على مستوى النمو الاقتصادى كانت ومازالت ضمن دول محدودة فى العالم التى استطاعت تحقيق نمو رغم تداعيات الجائحة.. وأيضاً اتخذت إجراءات عظيمة للحماية الاجتماعية خاصة لفئات العمالة غير المنتظمة وغيرها من إجراءات المساندة للقطاعات.. وأطلقت مجموعة من المشروعات العملاقة لعل أبرزها مشروع تنمية وتطوير الريف المصرى، وهو المشروع الأضخم والأعظم، الذى ينفذ فى 4500 قرية وفى مختلف المجالات والقطاعات ويعتمد على الصناعة المحلية والإنتاج المحلى بالإضافة إلى العديد من المبادرات الرئاسية التى ضمنت تعزيز النشاط الاقتصادى وحركة التجارة والإنتاج فى ظل الجائحة.
لقد كانت ومازالت الحكومة متفوقة فى إدارة جائحة «كورونا» فى ظل التوجيهات الرئاسية، ولم تقصر وامتلكت الخيال وبعد النظر وقراءة الواقع واستشراف المستقبل.. ولم تتجاهل أى مجال، بل عملت بروح الفريق الواحد من خلال عمل تنسيقى فريد بين جميع وزارات ومؤسسات الدولة وبحالة تكاملية بين كل المجالات والقطاعات.. لذلك هذا النجاح يستحق التحية والتقدير، وهذه الشهادات والمرتبة المتقدمة بين دول العالم، التى سبقت الكثير من الدول المتقدمة، وأيضاً صاحبة الإمكانات الفائقة.
علمونا أن الاستمرار فى القمة أصعب من الوصول إليها.. وإذا كنا قد حققنا كل هذا النجاح والتفوق، فعلينا بالمزيد، وأن تستمر الرؤية والإرادة بنفس المعدل، وربما أكثر.. وأن نتعامل أيضاً بنفس الحسم والحزم.. ولا نترك الأمور تتراجع أو تقل فى مؤشراتها حتى لا نسمح لهذا الفيروس اللعين بالتفشى وإلحاق الضرر بالوطن والمواطن.
الدولة تجتهد وتبذل قصارى جهدها من أجل تطعيم المصريين باللقاحات المناسبة والآمنة.. بل ودخلت مرحلة التصنيع والإنتاج لهذه اللقاحات.. وترصد ميزانيات ضخمة وغير مسبوقة للرعاية الصحية لحماية كل المصريين من مختلف الفئات، لكن ما أريد الحديث عنه هو بدء العام الدراسى الجديد.. وأريد طرح مجموعة من التساؤلات بعد تصريحات الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، عن التمسك بانتظام الدراسة وتفعيل الحضور والغياب للتلاميذ والطلاب، وهو أمر جيد.. ولكن ما هو شكل اليوم الدراسى وعدد ساعاته، وهل سوف يستمر بنفس آليات ومضمون اليوم الدراسى قبل جائحة «كورونا».. وما ملامح خطة التعامل العام مع اليوم الدراسى؟!
عظيم أن يتم تطعيم جميع عناصر المنظومة التعليمية من مدرسين وإداريين وقيادات.. لكننا نتعامل مع تلاميذ من صغار السن أيضاً، حتى الآن لم تُجِزْ الفتاوى «الطبية والصحية» عملية تطعيمهم.. لذلك لابد أن تكون لدينا خطة متكاملة نتعامل من خلالها لـ«عام دراسى آمن» للطلاب والمعلمين، تنفيذاً لتكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسى.
بداية لابد أن نحدد شكل اليوم الدراسى وأساليب وآليات الحماية لأطراف العملية التعليمية.. وضمان عدم إصابتها، لأن تأثير ذلك لن يكون على المدرس أو التلميذ، ولكن أيضاً على الأسرة والمجتمع.
أولاً: لابد أن يتم تحديد ساعات اليوم الدراسى.. ولا داعى للتطويل غير المبرر، واغتنام الوقت فى تحقيق أكبر استفادة علمية ودراسية على مدار اليوم.
ثانياً: الاكتفاء بالحصص المدرسية، ولا تزيد على خمس حصص متوالية، وتجميد باقى الأنشطة الأخرى، التى ربما تشهد تزاحماً وعدم تطبيق للإجراءات الاحترازية، بحيث ينتهى اليوم الدراسى فى الثانية عشرة ظهراً على أقصى تقدير.
ثالثاً: عدم السماح بالأطعمة داخل المدرسة، وشراء الحلويات سواء السائبة أو المغلفة، لأنها تنقل العدوى، وتشهد تلامس أكثر من شخص.. ويتم التنبيه على التلاميذ بإحضار احتياجاتهم من الأغذية والمشروبات من منازلهم.
رابعاً: ارتداء الكمامة فى الفصل خلال الحصة.. ويتم الاكتفاء بالمدرس بالتخلى عن «الكمامة» خلال الشرح، أو المتحدث من التلاميذ عند الاستفسار أو الإجابة عن سؤال من المدرس.
خامساً: إلغاء «الفسحة المدرسية» التى كانت فى منتصف اليوم، ومدتها نصف ساعة.. وأن يتم دخول المدرسة بتنظيم محكم ومتباعد وعدم الجرى لحجز المقاعد أو التزاحم والتدافع لأن الأمر سيكون أكثر خطورة.. فلا داعى لوجود الفسحة مع قصر اليوم الدراسى يومياً بحيث يبدأ فى الثامنة صباحاً وينتهى فى الثانية عشرة ظهراً أو قبل ذلك.
سادساً: إلغاء الطابور الصباحى نظراً لزيادة الأعداد واحتمالات التدافع والتزاحم.. ويتم الاكتفاء بتحية العلم الوطنى وقوفاً وتشغيل النشيد الوطنى فى الإذاعة الداخلية.. ويقف جميع التلاميذ داخل فصولهم احتراماً وتحية للنشيد الوطنى، وهو ما ينمى ويزرع الانتماء والولاء، ويغرس الاحترام للنشيد الوطنى.
سابعاً: جميل أن تمضى الحياة طبيعية فى وقت الخطر، وهذا بأيدينا ورهن سلوكياتنا وممارساتنا.. وأيضاً نجاحه مرتبط بمجموعة الخطط والفكر الذى نتعامل به.. فمع الانتظام الدراسى والتعليم المباشر، لابد أن يكون لدينا خدمات تعليمية إلكترونية «أون لاين» لدعم الحضور والتعليم المباشر للتلاميذ، وأن يعرف التلميذ أو الطالب كيفية الوصول والتعاطى معها، لتحقيق فاعلية أكثر للعملية التعليمية وتوفير احتياجات التلاميذ والطلاب وتوفير النفقات بدلاً من الدروس الخصوصية.
ثامناً: هناك دور مهم وضرورى للأسرة المصرية فى توفير الحماية لأبنائها.. من خلال تعليمهم كيفية الحفاظ على النظافة، وتجنب العدوى بالفيروس.. بتعليمهم عدم وضع الأيادى على الوجه وتزويدهم «بالمناديل».. والمطهرات.. وكيفية ارتداء «الكمامات» وأن يكون لديهم أكثر من «كمامة» داخل الشنطة المدرسية.. والاحتفاظ بها بمطهر جيل «صغير وجذاب».. وأيضاً زجاجة كحول صغيرة ويتم تدريبهم على كيفية استخدامها.. ويا حبذا لو علبة بلاستيك صغيرة بداخلها قطعة صابون عندما تتاح الفرصة لهم لغسل الأيدى أو توفر المدارس الصابون السائل فى دورات المياه للطلاب.. مع وجود زجاجة مياه خاصة بهم، أو ما يؤدى الغرض بملء هذه الزجاجة من المنزل توفيراً للنفقات.
تاسعاً: تزويد التلاميذ، خاصة فى المدارس الخاصة بما يحتاجونه من أطعمة سهلة و«مغلفة» وعصائر طبيعية، وأيضاً أطعمة وفواكه تقوى جهاز المناعة.. وأن تكون الحلوى أو الشيكولاتة من المنزل أو تم شراؤها منذ فترة قريبة، أو شراؤها وتطهير العبوة من الخارج قبل أن يلمسها التلميذ.
عاشراً: ينبغى الحفاظ على نظافة المدارس.. وإيجاد التهوية الصحية وعدم السماح بإغلاق النوافذ، وضمان وجود تيار هواء لتجديده باستمرار.. والالتزام بالتباعد الاجتماعى داخل الفصول.. وأن تقوم الأسر بتوعية أبنائها بعدم التقارب أو التلامس أو الاحتضان أو الاشتباك.. وهى السلوكيات التى اعتدنا عليها من أبنائنا خلال الأوقات الطبيعية قبل جائحة «كورونا».
مطلوب أن نتحدث كثيراً مع أبنائنا التلاميذ داخل الأسر وأيضاً فى المدرسة بالتوعية والإرشادات.. والتنظيم الجيد، ووجود عيادة صحية داخل كل مدرسة للتعامل الفورى والتوعية، والوقوف بحسم فى وجه ممارسات أو سلوكيات من شأنها أن تفسد عملية التنظيم، أو الإجراءات الاحترازية.
المهم أن تنفذ داخل المدارس بضمير حى وفهم ووعى.. واعتبار أن التلاميذ هم أبناء للمدرسين، وأطراف العملية التعليمية.. وألا تمضى الأمور بفوضى وفهلوة، وفتحة صدر.. لكن بوعى وفهم وضمير.