الخميس 16 مايو 2024

كيروش يعلن الاستقلال

مقالات3-10-2021 | 21:13

عجيب هو الأمر.. فمازالت مصر تعانى من تخمة فى الخبراء والفنيين وأصحاب الرأى، وعلى الرغم من ذلك لم تستفد مصر من تلك التخمة وذلك الضجيج، والدليل على أنه "ضجيج" أنه حين تشتد المعركة نلجأ إلى الخبير الأجنبى فى النهاية ليبقى معين الحكمة المختبئ وراء دخان الـ"مشيشتية ورا النصبة" بلغة "بليه" ضجيجا بلا أى طحين.

وسبحان مغير الأحوال فبعد أقل من أسبوع من التبارى فى التعبير عن حسن اختيار كارلوس كيروش مديرا فنيا للمنتخب الوطنى الأول فى رحلته إلى نهائيات كأس العالم وبمجرد أن أعلن قائمته لمباراتى ليبيبا الحاسمتين فى تحقيق الوصول إلى المونديال تحول خبراء المقاهى ومن ورائهم المحللون الاستراتيجيون الرياضيون إلى التدخل فى شئونه والتعليق على حكمته وارتدى كل منهم عباءته المحلية سواء كانت باللونين الأحمر أو الأبيض المخطط بالأحمر لكن ما السبب؟!

 

السبب ببساطة هو تغليب العشق المحلى على المصلحة الوطنية والرغبة الدائمة فى أن يكون اللاعب فلان أو علان موجودا فى التشكيل وأن تكون غالبية التشكيل بلون فريقى المفضل.. ما أعجبكم متى تتركون العيش لخبازه.. وإن كنتم بتلك المهارة والرؤية الثاقبة هل تحلون محل كيروش وساعتها نعدكم بأن نغض الطرف عن خبرته الدولية التى لم تعرف إلا العمل الاحترافى والمهنى الذى تغيب عنه المحاباة المقيتة والعصبية الفارغة التى لم تثمر يوما ما إلا مزيدا من التطرف والنزاع اللذين لا نهاية لهما إلا الفشل المحقق.

لقد سعدت كثيرا أن أعلن كيروش استقلاله المبكر وتجاوز مسألة سريعا قانون "كده هيزعل الناس" وهى العبارة الفاسدة المفسدة التى ما إن استولت على عمل من الأعمال إلا وأفسدته وليس صحيحا أن الرجل اختار عشوائيا ولم تكن لديه الفرصة لحكم حقيقى على اللاعبين سواء المختارين أو المستبعدين فقد شاهد الرجل أكثر من 30 مباراة دولية ومحلية وهو ما يكفيه ويزيد له ولمن يملكون خبرته التدريبية بالوقوف على مستوى كل لاعب ومدى قدرته على تنفيذ أجندته الفنية التى استقطب لأجلها فما الداعى للبكاء على استبعاد فلان أو علان وتجاهل مصلحة الفريق القومى الذى يقف على مفترق طرق تحدو عيناه المونديال.

 

إن قائمة كيروش أعلنت بكل وضوح أنه رجل لا تغره الأضواء ولا إلحاح أصحاب الفضائيات من هذا المعسكر أو ذاك للتأثير على قراره أو تغيير ملته وهى المهنية والتخلى عن المجاملة والاعتماد على المفيد الذى يكون وجوده إضافة حقيقية للفريق وليس مجرد تطييب خاطر للمعسكر الأبيض أو المعسكر الأحمر.

من هنا فإن اعتماد كيروش على الحساب الفنى فى الاختيار والتخلى عن الحساب الجماهيرى هو أول أوراق اعتماد حرفيته ورغبته الجادة فى النجاح والإنجاز فلا أظن أن الرجل ترك هكذا دون همس من فلان أوطنَّ علان فى أذنيه مطالبا إياه بعدم استبعاد فلان أو إبقاء علان لأنهم نجوم وبيجيبوا أجوان بلغة المشجعين فإصراره على إنفاذ رؤيته والتخلص من العاطفة الشعبية القائمة على الإعجاب فقط يؤكد أننا أمام استقلال مبكر لمدير فنى نجا من براثن العصبية اللونية التى تسيطر على ملاعبنا فأفسدتها.

 

تحية لكارلوس كيروش الذى بدأ أولى خطواته فى ترسيخ المؤسسية والاختيار الحر وهى خطوة بلاشك ستثمر رونقا جديدا لمنتخبنا وستكسبه طلة احترافية غابت عنه طويلا وبالتأكيد ستخلق جوا سليما من التنافس سيدفع كل لاعب فى مصر أحبطته لون فانلة فريقه ومدى شعبيته بأن هناك من يراقب ويختار المجتهد صاحب الموهبة بعيدا عن التصنيف الشعبى الذى غالبا ما تقهره وتجرفه عن مساره الطبيعى عصبية مقيتة تجعل من مصلحة النادى أولوية تجور على مصلحة المنتخب الوطني.. كل التحية لكيروش قاهر العصبية المقيتة وصاحب القرار الجرئ الذى وضع به خطا أحمر تجاه كل محاولات التدخل الفنى فى قراره ومن هنا ندعو كل خبراء المقاهى بخلع قمصان أنديتهم وأن يرتدوا قميص المنتخب وأن يساندوا قرار مديرهم الفنى الجديد بذات القوة التى يساندون بها قرار أجهزة أنديتهم المفضلة حتى يتحقق لنا الهدف وهو العبور إلى نهائيات كأس العالم وليكتف كل بدوره محترما الآخر فلابديل عن المؤسسية التى هى السبيل إلى كل نجاح وبريق منتظر.. عاش كيروش المستقل وليوفق الله المنتخب فى مشواره الصعب.