الأحد 26 مايو 2024

التحالف الأمريكى الأسترالى البريطانى هل يدفع فرنسا لبناء تحالف جديد؟

مقالات3-10-2021 | 21:35

منذ أن أطلقت الولايات المتحدة تحالفها الأمنى واسع النطاق مع أستراليا وبريطانيا فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ فى مواجهة الصين، الذي يتضمن تسليم أسطول من الغواصات ذات الدفع النووى لأستراليا والتى أعلنت بدورها عن فسخ واحدة من أكبر الصفقات الدفاعية فى العالم كانت أبرمتها مع فرنسا فى عام 2016. وقد أثار هذا الاتفاق الجديد المسمى «اوكوس»، عاصفة من ردود الفعل الدولية سواء على صعيد الحلفاء أو الأعداء وكانت بالطبع أولى ردود الفعل هذه تأتى من فرنسا والتى اعتبرت هذا الاتفاق بمثابة «طعنة فى الظهر» وبالطبع أيضا نددت الصين والمعنية بشكل مباشر بهذا الاتفاق.

 

ورغم إعلان الدول الأطراف فى الاتفاق أن الغواصات التى ستحصل عليها أستراليا هى غواصات تعمل بالدفع النووى وليست مزودة بالسلاح النووي. وأن التعاون بين الدول الثلاث فى مجالات معينة منها الدفاع السيبرانى والذكاء الاصطناعي. إلا أن الصين نددت بالصفقة واعتبرت ان التعاون الثلاثى يزعزع بشكل خطير السلام والاستقرار الاقليميين، ويكثف سباق التسلح ويقوض الجهود الدولية باتجاه إزالة انتشار الأسلحة النووية، واتهمت الدول الثلاث بالتصرف وفق «ذهنية الحرب الباردة» وباستخدام الأسلحة النووية لأغراض جيوسياسية.

 

أما فرنسا فلم تفلح محاولات بايدن تطمينها بتأكيده أنها لاتزال "شريكا رئيسيا" واتهمته باريس بطعنها فى الظهر والتصرف مثل سلفه دونالد ترامب، مما أدى إلى استخدام فرنسا مصطلحات لم تصدر من قبل فى التصريحات العلنية بين الحلفاء، بل واستدعت فى الوقت ذاته سفيريها لدى الولايات المتحدة وأستراليا.

وبالتالى فقد حيّد الاتفاق الأمريكى البريطانى الأسترالى أوروبا بعيدًا، وهذا معناه أنها اصبحت بعيدة عن صنع القرار. كما أدى هذا التحالف إلى تغيرات فى المعسكر الغربى.. ورغم أن إلغاء الصفقة مع فرنسا وجه ضربة موجعة للصناعة الفرنسية، خاصة صناعة الأسلحة، كما أن الإلغاء يجرح كبرياء الدولة الفرنسية، وتلك مشكلة كبيرة للرئيس إيمانيول ماكرون، خاصة وهو على أبواب انتخابات رئاسية.. إلا أن فى عمق الغضب الفرنسى ادراك أن إلغاء الصفقة تحجيم لدور فرنسا ومن ورائها لدور أوروبا فى الملف الاستراتيجى الأهم أمام الغرب هذه الأيام، وأغلب الظن فى المستقبل المنظور.

 

وهو ما يدفع فرنسا وأوروبا إلى العمل على صياغة إستراتيجية مشتركة خاصة بها إزاء تلك المنطقة، خاصة فى منطقة بحر الصين الجنوبى التى تشهد مرور 40% من حجم التجارة العالمية خاصة بين أوروبا وشرق آسيا. كما أن مثل هذا التحالف الأمنى يدفع أوروبا إلى التحرك بجدية صوب التخلى عن العباءة الأمنية الأمريكية وتشكيل جيش أوروبى موحد أو على الأقل قوة عسكرية مشتركة تدعم السياسات الدفاعية للاتحاد، وليس هذا الاتفاق فحسب هو المشكلة لكن النار كانت تحت الرماد فيما يخص العلاقات الامريكية الفرنسية خاصة بعد القرار الأمريكى الأحادى بالانسحاب من أفغانستان دون التنسيق مع الحلفاء.كما أنه وفى كل المحافل فرنسا دائما تعلن أن الصين لا تعتبر عدوا لاوروبا وهذا ما يمثل لب الموضوع والخلاف الأساسى بين أمريكا وفرنسا.

 

وفى هدا الاطار تتحرك فرنسا عقب هذ الاتفاق لتشكيل تحالف أوروبى جاد لمواجة هذا التحالف الانجلو ساكسونى تارة مع المانيا وتارة مع دول أخرى من داخل الاتحاد الاوربى وهو ماأعلنه ماكرون إن اليونان ستشتري3 فرقاطات من فرنسا، فى إطار "شراكة استراتيجية" أكثر عمقا بين البلدين للدفاع عن مصالحهما المشتركة فى البحر المتوسط.

كما أكد الرئيس الفرنسي، أن الاتفاق الجديد يمثل "خطوة أولى جريئة نحو استقلالية استراتيجية أوروبية، كما شدد على أن توقيع الصفقة الجديدة مع اليونان "سيعزز استقلال أوروبا، ضمن سعى أثينا وباريس لتعزيز التعاون الثنائى فى مجال الدفاع". ولم يفوت ماكرون المناسبة للتعليق على أزمة "أوكوس"، مقللا من شأن الاتفاق الثلاثى الأمريكى الأسترالى البريطاني. وأن قرار أستراليا بشأن إلغاء صفقة الغواصات النووية الأخيرة له تأثير محدود نسبيا على بلادنا، ولن يغير استراتيجيتنا فى منطقة المحيطين الهندي-الهادئ.

 

لكن بالرغم من أى حديث حول أهمية بناء قدرات عسكرية استقلالية لأوروبا، فالحقيقة هى أن القدرات العسكرية الغربية القادرة حقًّا على الفعل فى الملفات الاستراتيجية تكمن فى الولايات المتحدة وبريطانيا، أما داخل الاتحاد الأوروبى ففرنسا وحدها ذات إمكانات مقبولة فى هذا المجال، كما أن عمليات اتخاذ القرارات الاستراتيجية المتعلقة بالدفاع والأمن والمواجهات داخل الاتحاد الأوروبى معقدة وطويلة وقائمة على قبول أغلب الدول الأعضاء.