الثلاثاء 14 مايو 2024

ذكرى انتصار أكتوبر… المشير الجمسي: المفاجأة كانت العنصر الأول للنجاح.. ورعب العدو لا ينسى

ذكرى حرب أكتوبر الجمسي: كانت المفاجأة هي العنصر المادي الأول للنجاح

تحقيقات6-10-2021 | 16:45

حسن راشد

المشير الراحل محمد عبد الغني الجمسي، وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الأسبق، سطر شهادته حول مفاجأة الجيش المصري للعدو الاسرائيلي خلال خرب أكتوبر، ورد فعل الجانب الاسرائيلي خلال عبور القناة وخط بارليف.

 الإشارة رقم 22 إلى القيادة الاسرائيلية
وكان رد الفعل لدى الجانب الإسرائيلي، كما سجله رئيس الأركان الإسرائيلي - الجنرال اليعازار - كتب في مذكراته يقول: «لقد كانت الاشارات تتوالى بشكل مذهل. كما بقدر الامكان محاول المحافظة على هدوء أعصابنا واتزان تفكيرنا، لكننا بعد وصول الإشارة رقم 22 التي أفادت أن المصريين تمكنوا من انشاء «عشرة كباري قيلة وعشرة كباري مشاة». وأن الدبابات والعربات المجنزرة والمعدات الثقيلة بدأت في العبور إلى الضفة الشرقية للقناة، لم نستطع أن نتوازن بشكل دقيق أو نفكر في أي شيء، بل سيطر علينا الذهول المقرون بخيبة الأمل. 


وتابع: أوشك النهار - يوم 6 أكتوبر - أن ينتهي دون أن محقق هجوماً مضادا ناجحاً ومؤثرا، نوقف به تدفق المعدات الثقيلة عبر الكباري إلى الضفة الشرقية حيث توجد مواقع قواتنا. وكانت معنى أن يأتي الليل ويسود الظلام، أن تنتهي أي فاعلية لسلاحنا الجوي في الوقت الذي تستطيع فيه القوات المصرية تثبيت وتأمين هذه الكباري. 


إن الحقائق بدأت تتضح أمامنا شيئاً فشيئا، فالإشارات تؤكد أن أكثر من ثلاثين ألفا من الجنود المصريين أصبحوا يقاتلون في الضفة الشرقية، ومازالت المعدات الثقيلة تعبر الكباري إلى الشفة الشرقية. إن التلاحم بين جنودنا والمصريين معناه أن يفقد سلاحنا الجوي فاعليته، وأصبح مجموعة ما سقط لنا من طائرات حتى الساعة العاشرة وعشر دقائق مساء يوم 6 أكتوبر هو 25 طائرة. 


أصبح القتال يسير ضارياً شرساً، والدلائل كلها تشير إلى أننا نواجه خطة دقيقة ومحكمة لا نعرف مداها أو أبعادها، بعد أن أصبحنا أمام واقعين جديدين تماما في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي أديا إلى سقوط كل حساباتنا العسكرية والمقاييس التي بنينا عليها خططنا. وكان الواقع الأول أمنه لم يعد هناك حاجز مائي يمنع تدفق المصريين إلى مواقع قواتنا في الضفة الشرقية للقناة. وكان الواقع الثاني أن حصون خط بارليف المنيعة لم تعد لها فاعلية، ولم تعد هي الخط الدفاعي المأمون بعد أن سقط معظمها.. لقد بدأت بالفعل سقط معظمها.. لقد بدأت بالفعل مواجهة حقيقية بين القوات المصرية وقوات الجيش الإسرائيلي. 


لقد كان ما يحدث بالفعل كارثة حقيقية. 

الصاروخ ضد الطائرة
وبينما كانت المعارك محتدمة على الضفة الشرقية للقناة منذ بدء القتال، كانت هناك صمت وسكون يخيمان على مواقع الدفاع الجوي التي كان رجالها في حالة تحفز وتركزت أبصارهم على شاشات الرادار. 


ولم يطل الانتظار، وجاء العدو الجوي في التوقيت الذي قدرته قيادة الدفاع الجوي بقيادة اللواء محمد على فهمي. ففي الساعة الثانية وأربعين دقيقة أخذت البلاغات تتوالى من محطات الرادار ونقط الرصد تنذر باقتراب الطائرات المعادية. وانطلقت الصواريخ المضادة للطائرات، وتهاوت الطائرات المعادية واحدة بعد الأخرى، وكان ذلك ايذانا بتحطيم أسطورة التفوق الجوي الإسرائيلي منذ الساعات الأولى للحرب. واستمر القتال، فالعدو يدفع بطائراته هنا وهناك لمهاجمة قواتنا التي عبرت، ويعمل جاهدا لتعطيل فتح الممرات في الساتر الترابي وعرقلة وتدمير الكباري التي يجرى انشاؤها. وتنكسر تلك الهجمات. 


وفى حوالي الساعة الخامسة مساء، أي بعد ساعتين من الهجمات الجوية المتواصلة، التقطت الأجهزة الخاصة المصرية إشارة لاسلكية مفتوحة تحمل اوامر صادرة من الجنرال بنيامين بليد قائد السلاح الجوي الإسرائيلي إلى طياريه يأمرهم بعدم الاقتراب من القناة لمسافة لا تقل عن 15 كيلو مترا شرقا. 


وهكذا قامت قوات الدفاع الجوي بتأمين عملية الاقتحام والهجوم بكفاءة نهارا وليلا. وقدمت الحماية للكباري والمعابر حيث تعبر عليها القوات شرقا. 


إن هذا النتيجة التي حققتها قوات الدفاع الجوي في هذه المرحلة الهامة من الحرب، هي ثمرة جهد طويل لسنوات عديدة بذلها رجال الدفاع الجوي، حتى أصبح الدفاع الجوي المصري علامة من العلامات المميزة في حرب أكتوبر. 


القوات البحرية في البحرين الأحمر والأبيض


وقبل بدء الحرب بفترة ما، كان من الضروري أن تفتح قواتنا البحرية في البحرين. الأحمر والأبيض في سرية تامة. 


وفى يوم 6 أكتوبر اشتركت قواتنا البحرية بقيادة اللواء بحري فؤاد أبو ذكرى بتشكيلاتها المختلفة في الحرب على جبهة عريضة. فقد قامت هذه القوات في البحر الأبيض بتوجيه قصفات إلى مناطق شرق بور فؤاد (شرق بورسعيد» ورمانة على الساحل الشمالي لسيناء. أما في البحر الأحمر فقد تم قصف شرم الشيخ. وفى خليج السويس هاجمتا البحرية المناطق والأهداف التي حددت لها. وقد اشترك في مهام اليوم الأول للعمليات حوالي خمسين وحدة بحرية. 


ولعل من أبرز العمليات التي قامت بها البحرية، كان تمركز بعض وحداتها في مضيق «باب المندب» واعتراضها للسفن التجارية المتجهة واعتراضها للسفن التجارية المتجهة واعتراضها للسفن التجارية المتجهة من جنوب البحر الأحمر إلى ايلات منذ اليوم الأول للحرب حتى نهاية الحرب. لقد كان العدو ينقل سنويا 18 مليون طن بترول من إيران عبر بابا المندب إلى ايلات، لاستخدام جزء منها ويعيد تصدير الجزء الأكبر منها إلى أوروبا. وكان يستخدم لنقل هذه الكمية 24 سفينة تجارية بأحجام كبيرة. ونتيجة لعمل القوات البحرية المصرية أنه لم تدخل سفينة واحدة إلى خليج العقبة. 


وكان العمل البارز الثاني هو قيام قواتنا البحرية ببث حقول الألغام في خلية السويس مع بداية العمليات. 


فقد فوجئ العدو بحقول الألغام، عندما غرقت له ناقلة بترول حمولة 46000 طن، وغرق معها لنش انقاذ حاول مساعدتها، كما تم بث كمائن من الألغام ضد العدو بالمنطقة، الزر الذي 'أدى إلى إصابة ناقلة أخرى حمولة 2000 طن. لقد كان استخدام الألغام ضد العدو في خلية السويس سلاحا جديدا في القتال بيننا وبين اسرائيل، وسلاح الألغام سلاح خطير لما يحتويه كل لغم من كمية كبيرة من المفرقعات ويحتاج إلى مهارة ودقة كبيرة أثناء عمليات بثها. والنتيجة لهذا العمل الهام. أن انخفض عدد السفن الإسرائيلية بشكل واضح، وهي السفن التي كانت تنقل 6 ملايين طن من خلية السويس إلى إيلات. 


بهذه الأعمال أثبتنا للعدو والصديق عدم صحة ادعاء اسرائيل أن احتلاله لمنطقة شرم الشيخ منذ حرب يونية يوفر لها أمن وحرية الملاحة عبر مضيق تيران - في مدخل خليج العقبة - فضلا عن تأثيره الواضح على اقتصاديات اسرائيل وموقف الإمداد بالبترول. 


وظل هذا العمل طول مدة الحرب وكات مطلباً رئيسياً لإسرائيل - عن طريق هنري كسنجر - عندما بدأ اتصالاته ومفاوضاته مع الرئيس الراحل السادات بعد ايقاف القتال، أن توقف مصر نشاطها البحري في البحر الأحمر حتى تعود الملاحة إلى ايلات كما كانت من قبل. 


نجح الهجوم مع اقتحام القناة، وهكذا كان اليوم للعمليات - 6 اكتوبر 1973 - يوما صعباً. فالبلاغات لا تنقطع في مركز عمليات القوات المسلحة، والبداية طيبة وناجحة، والمعارك مستمرة في سيناء على الجانب الشرقي لقناة السويس. وفى نهاية هذا اليوم، كما نشعر أن العراك حسمت لصالح مصر. وكان لابد أن نتابع أعمال القتال وتطورات الموقف ليلا حتى صباح اليوم التالي، حتى تكون الصورة قد اكتملت تماما. 


قام العدو خلال الليل بهجمات مضادة، وأمكن صدها، إلا أن بعض الدبابات المعادية تمكنت من الاقتراب جدا من خط المياه وإطلاق نيرانها على وسائل العبور، وكانت قوات المشاة المصرية تستخدم أسلحتها المضادة للدبابات والقنابل المضادة للدبابات في تدميرها. وحتى صباح اليوم التالي لم تكن هناك قوات معادية قريبة من القناة تعرقل العبور. 

العبور العظيم
وكان أشد ما يسعدنا في ذلك الوقت، هو الروح المعنوية العالية لكل القوات المسلحة، والإصرار على تنفيذ المهام، وكان العنصر المعنوي الأول للنجاح هو الإيمان بالله، الذي عبر عنه المقاتلون بنداء «الله أكبر» وفى صباح اليوم التالي 7 أكتوبر - كانت قواتنا قد نجحت في الهجوم والعبور مع اقتحام أعقد مانع مائي، وحطمت خطا دفاعيا مخصصنا خلال 18 ساعة، وأنشأت خمسة رءوس كباري في سيناء بواسطة خمس فرق مشاه وقوات قطته بورسعيد بعمق 6 - 8 كيلومترات بعد خمس معارك هجومية ناجحة، ورفعت الأعلام المصرية على أرض سيناء. 


لقد تحقق هذا الانجاز بأقل خسائر ممكنة، فقد بلغت خسائرنا 5 طائرات 20 دبابة، 280 شهيدا، ويمثل ذلك 5% من الطائرات، 2% من الدبابات، و3% من الرجال، وهي نسبة قليلة للأعداد التي اشتركت في القتال. 


وفى نفس الوقت خسر العدو 25 طائرة، 120 دبابة وعدة مئات من القتلى، مع خسارة المعارك التي خاضها، وسقط خط بارليف الذي كان يمثل الأمن والمناعة لإسرائيل، وهزيمة الجيش الإسرائيلي الذي رددوا عنه أنه غير قابل للهزيمة. 


ونتيجة لدراسة قام بها المؤرخ العسكري ت ديبرى، وهو معروف أنه من المرقبين للبنتاجون الأمريكي، ومن أصدقاء اسرائيل، كتب يقول:  «إن التخطيط الماهر الذي اتسم بالدقة الكاملة والسرية التامة وتحقيق المفاجأة الكاملة، وكذا التنفيذ الكفء للخطط التي وضعت بعناية، أدى كل ذلك إلى نجاح إحدى عمليات عبور الموانع المائية التي ستظل تذكر في التاريخ. 


بالنسبة للتخطيط لم يكن في وسع أي جيش آخر أن يضع تخطيطاً أفضل من ذلك، وبالنسبة للتنفيذ، فإن التقارير المصرية تفيد أن خسائرهم أقل من 200 شهيد في اليوم الأول للقتال، وكانت نتائجها أفضل مما توقع المصريون أنفسهم». 


أما الجنرال ديان وزير الدفاع الإسرائيلي، فقد غضب عندما تبلغ له سقوط أحد الحصون المنيعة في خط بارليف، بعد أن دمرته قواتنا تدميرا كاملا واستسلم ضابط وسبعة جنود اسرائيليين وكانوا أول أسرى يقعون في أيدي قواتنا. 


صرخ ديان بحدة وانفعال في وجه الياهوا زغيرا مدير المخابرات العسكرية قائلا: «إني أحملك مسئولية ما يحدث»! 


وبنفس الحدة والانفعال صرخ فيه زعيرا قائلا: «لقد حذرتكم» وكنت أنت تقول لنا دائما إنه من المستحيل أن يدخل المصريون أي حرب ضدنا أو عبورهم القناة، وأنت وزير دفاع له شؤنه. لماذا لم تحس أو تشعر بأن حدثا أو كارثة مخيفة سوف تحدث». 


وكلما مر الوقت، ازداد تدفق القوات المصرية شرقا لتعميق مواقعها في سيناء. وازدادت الخسائر الاسرائيلية. وعندما علم ديان أن أعدادا كبيرة من الدبابات والأسلحة المصرية الثقيلة لا تتوقف وتتحرك بسرعة للالتحام بالقوات الاسرائيلية، صرخ قائلا: «لو لم أكن متأكدا أنه لم يبق خبير سوفييتي واحد في مصرو، لقلت إننا نحارب روسيا نفسها». 


ولقد أعجبني ما كتبه الأستاذ أحمد بهجت في جريدة الأهرام تحت عنوان (6 أكتوبر) قال: «لقد فاجأت هذه الحرب المصريين كما فاجأت العدو. لقد كانت قطاعات هائلة من الشعب المصري كله تحس أن هزيمة يونية كانت أعمق مما تظن، كان الشعور الغالب على المصريين أن أحدا لن يتحرك، وأن الهزيمة هي قدرنا النهائي الذي لا فكاك منه. وكان اليأس يتزايد يوما بعد يوم.. وحين بدا واضحا أن كل شيء يسير نحو الهاوية، تحرك الجيش وعبر قناة السويس. 


وبدأ معركة أكتوبر.. وكانت دهشة المصريين مثل دهشة مخابرات العدو، وكانت المفاجأة صاعقة حقا.. وعادت للجيش المصري سمعته التي لوثتها الهزيمة، وارتد للمصريين احساسهم بالكرامة. 
كانت المفاجأة هي العنصر المادي الأول للنجاح، وكان الجهد الذي بذله ضباط الجيش وقادته ومفكروه وجنوده جدا غير عادي، وقد بذل هذا الجهد في صمت تام، وهكذا التقى عنصر الجهد بعنصر الكتمان وتعاونا معا على شق مجرى العبور. 


أما العنصر المعنوي الأول للنجاح فقد كان إيمان الجيش بالله، ورفعه شعار «الله أكبر»، ولقد كان هذا الشعور يعنى أن الله أكبر من الخوف والموت والحياة..

Dr.Radwa
Egypt Air