حرب الكرامة هذا هو المفهوم الوحيد الذي يتذكر به المصريون حرب أكتوبر، هذا الوصف الدقيق لمعركة استمرت لعدة أيام ولها جذور امتدت لأعوام أو حتى عقود، قام فيها الجيش المصري بتحطيم أصنام الخزي والعار، لم يكن سهلا أن ترى جيشك يُباد دون فرصة حتى لرفع سلاحه في نكسة 1967، ثم تحمل السلاح من بعده وتقطع رأس الأفعى، أن تقضي على ما زعموا أنه جيش لا يقهر.
لم تكن حرب 1973 مجرد رفع سلاح أمام عدو، وإنما كانت صرخة تشق دماء الشهداء التي تجمدت على الرمال، صرخة لتوقظ الشعب أن بعد الليل فجر آت.
وهم الجيش الذي لا يقهر
كانت للمصريين آمال عظيمة تحطم أغلبها في عام 1967، فكيف للمرء الوقوف من جديد بعد تدمير أكثر من ثلاثة أرباع جيشه، وقد كان للكيان الصهيوني قدرة عظيمة في فن الدعاية السياسية والحرب النفسية، حيث صور أمام العالم كله انه الجيش الذي لا يقهر، وقد استغل في ذلك أنه لم يذق طعم هزيمة واحدة منذ تكونه عام 1948.
أما على مستوى الجيش فقد كانت المهمة أصعب بكثير فلن ينسى من نجى من الجنود مشهد النكسة وفداحة الخسارة، وفي حديثه عن التحضير لحرب 1973 يقول المشير محمد عبد الغني الجمسي: "كان ردي صريح عندما سألني الفريق أول أحمد إسماعيل عن متى تكون القوات المسلحة مستعدة للحرب فأجبت : إنه على ضوء حقائق الموقف، فإننا نحتاج أولا أن تخرج القوات من الخنادق إلى سطح الأرض، ومعنى ذلك أن يتغير تفكيرها الدفاعي الذي مارسته على عدة سنوات إلى تفكير هجومي طبقا للتخطيط، وهذا يعني تدريبا مركزا على العمليات والمعارك الهجومية في كل فروع القوات المسلحة والتعاون بينها لتحقيق الهدف العسكري".
وتابع المشير الجمسي في شهادته: وكنت واضحا فى تفسير ذلك أننا لن نبدأ بداية جديدة بعد تعيينه قائداً عاما، بل سيكون عمل القوات المسلحة تحت قيادته امتداداً واستكمالا للتدريب والتحضير الذى تم فى السنوات السابقة، وهو جهد كبير لا يمكن التقليل من شأنه بأي حال من الأحوال. وأوضحت أيضا أن القوات والقيادات تبذل أقصى جهد ممكن لاتقان التدريب على المهام القتالية، والتغلب على الصعوبات التى تواجههم منذ فترة طويلة، وإنه سيلمس ذلك بنفسه.
وقال: أما عن دخول السياسة إلى القوات المسلحة من باب خلفى لكثرة الأحاديث السياسية من غير المختصين، فإنى أبديت رأيى مؤيدا ما قاله، وذكرت له أننا فى القوات المسلحة يجب أن نحترف عملنا العسكرى فقط. ومادامت القيادات قد ركزت مجهودها فى رفع الكفاءة القتالية ودرجات الاستعداد والتدريب على مهام العمليات، فلن يكون هناك مجال للحديث فى السياسة.
واستكمل في شهادته: وبالصراحة التى تعودنا عليها فى حديثنا منذ الخدمة معا فى قيادة جبهة القناة، قلت للفريق أول إسماعيل إن الخطة الدفاعية عن الدولة ليست مضع شك، ويجب الاطمئنان إلى ذلك . وإذا كانت بعض التجهيزات الهندسية قد ساءت حالتها، فإن ذلك يمكن علاجه فوراً.
ثانيا: استكمال بعض نواحى التخطيط على ضوء المتيسر لدينا من الأسلحة والمعدات دون انتظار أسلحة أخرى لا نعلم متى تصل. فالخبرة فى السنوات القليلة الماضية علمتنا أن التعاقد على شراء الأسلحة أو الوعود بتزويدنا بأسلحة ومعدات من الاتحاد السوفييتى شىء، أما التنفيذ الفعلى وتوقيته فشىء آخر. وإذا ما نجحت الجهود فى هذا المجال، فإن ذلك يعتبر إضافة جديدة.
وقلت للفريق أول إسماعيل إن الخطة الموضوعة تنقصها فقط خطة الخداع لتحقيق المفاجأة للعدو حتى تكون لنا المبادأة فى الحرب وتنفيذ عملية اقتحام قناة السويس بأقل خسائر ممكنة، خصوصاً أن العدو له التفوق العسكرى وفى وضع استراتيجى قوى.
رفع الروح المعنوية للجنود
وعن ذلك قال المشير الجمسي: لقد شعرت بالاطمئنان والثقة، نتيجة للزيارات الميدانية للقوات، إننا نتجه للحرب بخطى ثابتة. فالقيادات والقوات تبذل أقصى جهدها لاتقان المهام القتالية، وتزداد الروح المعنوية ارتفاعا يوما بعد يوم، والكل ينتظر الأمر بالبدء . وأصبح التعاون والتنسيق مع القوات السورية يأخذ أبعاداً جديدة ، وتفهما أكبر، ويدخل بثبات وثقة فى حيز التنفيذ الفعلى.
وتابع: ولما كان عملى كرئيس هيئة العمليات يستنفد كل وقتى وجهدى، فقد اقترحت على الفريق أول أحمد إسماعيل تعيين أحد القادة ليتفرغ للتنسيق مع الجبهة السورية فى مرحلة تالية، ووافق على تعيين اللواء بهى الدين نوفل للقيام بهذا العمل فيها بعد، ومرت الأيام والليالى فى عمل دائم استعداداً لتلقى قرار الحرب، عندما تتهيأ الظروف السياسية المناسبة واختيار الوقت الصحيح لبدء القتال.
لماذا طُرد السوفييت
وبعد تأخير صفقة أسلحة مع السوفييت كان موعدها 1972م رأى السادات أن السوفييت بحاجة إلى صدمة، صدمة تفيقهم من غفلتهم وتعيد لاسم مصر هيبته، فاجتمع بسفير الاتحاد السوفييتي وأملى عليه كل ما حدث من تاريخ العلاقات السوفييتي المصرية، وبعدها أملى عليه عدة قرارات، فقال: "اليوم الأحد 8 يوليو وغدا الاثنين 9 يوليو ... يوم الاثنين الذي يليه يخرج الخبراء السوفييت بالكامل من مصر جميعا، ويأخذوا معهم كل ما لهم من معدات وأسلحة تخصهم، وأنه لا بد من أن نلتقي مع القادة السوفييت لبحث معاهدة السلام التي بيننا، لنعرف مداها وجدواها"، فكان هذا القرار صدمة للسوفييت وللعالم كله، وأعلى من اسم مصر وكرامتها.
أقرأ أيضًَا:
بالأسماء.. أبرز قيادات حرب أكتوبر 1973 (فيديو)