كتبت : نيفين الزهيري
الغرفة 76 في فندق أمير والاس كانت كلمة السر للألم الدفين في حياة النجمة العالمية المصرية الأصل داليدا، فلقد عاشت في هذه الغرفة حياة كاملة تمنت أن تظل تعيش فيها من السعادة والحب، ولكن الموت كان أسرع في خطواته منها حيث خطف حب حياتها "لويجي تنكو" المغني ومؤلف الكلمات والممثل الإيطالي لتكون هي المدخل الذي اختارته المخرجة الفرنسية من أصل مغربي ليزا أزويلو لتكون محاولة انتحار داليدا بعد شهر من ابتعاد لويجي عنها هي المدخل لأحداث الفيلم الذي حمل اسم "داليدا"، والسبب في التعرف علي المعاناة التي كانت تعيشها هذه النجمة في البحث بصعوبة عن حب حقيقي في حياتها لتشعر معه بالحب والدفء والأمان والاهتمام.. فظلت تتذكر كلماته طوال حياته الباقية "يجب أن تكون إنساناً وأن تكون حياً فعندما تذهب تجاه الموت يمكنك أن توازن وتختار بينه وبين الحياة حتي لاتقع".
نجمة مثيرة للجدل
فعلي مدار 124 دقيقة قدمت المخرجة والسيناريست والكاتبة والمنتجة الفرنسية من أصل مغربي ليزا أزويلو، قصة حياة هذه النجمة المثيرة للجدل التي تعاونت في صنعها مع شقيق داليدا المنتج العالمي المعروف باسم "أورلاندو"، من خلال فيلم فرنسى إيطالى مشترك، شارك في بطولة العمل الذي بلغت ميزانيته حوالى 15 مليون دولار، فينيسينت بيريز، وريكاردو سكامارشوا، ونيل شنايدر، حيث تناول قصة الحياة الحقيقية للمطربة العالمية الراحلة مصرية الأصل داليدا، من خلال عرض جوانب ربما لم تكن ظاهرة او معروفة في حياة الفنانة الراحلة لكنها أثرت عليها نفسيا، مثل عدم إنجاب أطفال وشعورها القاسي بالوحدة، وصولا إلى انتحارها عام 1987 إثر تناول جرعة زائدة من الحبوب المنومة، تاركة رسالة قصيرة تطلب فيها الصفح من جمهورها، حيث رصد الفيلم أيضا أبرز مراحل حياة المغنية داليدا منذ ولادتها في القاهرة عام 1923 إلى أول ظهور لها على مسرح "أولمبياد" عام 1956، ثم زواجها من "لوسيان موريس" وأسفارها إلى الهند، فضلاً عن دورها في فيلم "اليوم السادس" للمخرج يوسف شاهين 1986.
وكانت داليدا او يولاندا جيجلوتي وهو اسمها الحقيقي قد ولدت فى القاهرة ونالت شهرتها العالمية خلال فترة الستينيات، وتمكنت خلال حياتها أن تقدم 500 أغنية بالفرنسية والإيطالية والعربية وحققت ألبوماتها مبيعات تجاوزت 130 مليون نسخة في أنحاء العالم، أمتعت بها جمهور عريض في كل مكان.
وجسدت عارضة الأزياء الإيطالية سفيفا ألفيتي شخصية داليدا، بعد أن اختيرت من بين 200 ممثلة رشحن لتأدية الدور، وكان من المقرر في البداية أن تؤدي دور المغنية "داليدا" الممثلة الفرنسية "نادية فارس" إلا أنه وقع الاختيار في النهاية على عارضة الأزياء الإيطالية "سفيفا ألفيتي"، فيما استغرق العمل على الفيلم أكثر من 4 سنوات تبدلت خلاله عناصر عدة في المشروع، منها الممثلة الرئيسية والزاوية المعتمدة في معالجة القصة، ليظهر للنور أخيرا عام 2016، حيث استغرق التصوير الرئيسي للفيلم حوالي شهرين ونصف الشهر بالفترة بين 8 فبراير إلى 22 أبريل 2016، في فرنسا، وإيطاليا، والمغرب.
حوادث متشابكة
وفي النسخة الأخيرة المعتمدة للفيلم بعد العديد من جلسات العمل علي السيناريو أن يكون له أهمية، وهو ما جعل المخرجة تختار معالجة أكثر من زاوية في حياة النجمة الراحلة، إيمانا منها بأن الحوادث في حياتها متشابكة من طفولتها في القاهرة إلى علاقتها المضطربة مع والدها، العلاقة التي كان لها الدور المحوري في خياراتها العاطفية لاحقا، إلى نجاحها الفني، حيث يركز الفيلم على قدرة الفنانة على الإطلالة بصورة النجمة المتألقة أمام جمهورها المتيم بشخصيتها المسرحية التي تنقل الفرح والسعادة والأمل، وانكسارها الشخصي كامرأة عرفت كل الأحزان وحاولت مواجهة القدر ومعاكسته المستمرة لها، فلقد كانت المخرجة وشقيق داليدا لديهما أمل في إحياء طيف الفنانة بهذا الفيلم إلى الأبد، والأهم أن يفهم الجمهور دوافع استسلامها لليأس واختيارها الانتحار.
وكانت الموسيقى التصويرية في الفيلم لها دور محوري في دعم الحوادث المعالجة التي أطلت في صورتها النهائية غير متسلسلة زمنيا، ومع انتهاء العرض الأول للفيلم في بيروت الثلاثاء قابل الجمهور العمل بالتصفيق مطولا، وبعضهم ذرف الدموع تفاعلا مع قصة غير عادية لامرأة غير تقليدية.
كانت أغانيها التي تختارها تمثل كل مرحلة في حياتها، وهو ما أظهره الفيلم في التفاصيل التي قدمها، وكيف كانت تسعي وراء تقديم الجديد والمختلف الذي لم يختلف عليه الجمهور بالرغم من اعتراضهم علي بعض تصرفاتها الشخصية، حيث قدم كيف بدت امرأة غير تقليدية سبقت زمنها وعاشت حياة مرعبة في انكساراتها المتتالية ومزجه بالموت والخيبات، فكل من أحبها انتحر إلي أن انتحرت.
وكان اختيار المخرجة في غاية الذكاء حيث اختارت الأغاني التي تحوي كلمات أغانيها دائما منطق البحث عن الحب، في حالات البهجة والألم، فكانت أول أغنية قدمتها مخرجة الفيلم هي أغنية "احبني" والتي شاركت فيها لمسابقة الاولمبيا والتي قالت فيها داليدا وكأنها تصف نفسها "بدونك أنا لاشئ الا طفل تائه منسي في الأرض"، "بامبينو" والتي كان بها مايصف حالها أيضا "فقط في الشارع انت تتجول كروح متألمة"، وكيف حصلت هذه الأغنية علي العديد من النجاح في كل أنحاء العالم، وغيرها من الأغاني وكواليس ظهور كل أغنية إلي النور وكيف كانت مصاحبة للحالة النفسية التي تعيشها داليدا في حياتها.
7 علاقات في حياتها
وكان الفيلم قد عرض من خلال حادث انتحارها بعد انتحار حبيبها لويجي، العلاقات التي ارتبطت بها داليدا منذ دخولها الوسط الفني، وكيف أثرت كل علاقة منهم عليها نفسيا وجسديا وعاطفيا، عن طريق لقاء مع الطبيب النفسي الذي يعالجها من الاكتئاب بعد هذا الحادث ليحاول التعرف عن قرب عن حياتها من خلال حكايات محبيها واخوتها.
بالإضافة إلي عرض مقتطفات عن طفولتها، وكيف كان زملاؤها في المدرسة يعاملونها بطريقة غير آدمية وتسببهم بإحساسها بالألم والخوف ممن حولها، وكيف تم اعتقال والدها عازف الكمان أمام عينها، وقسوته الشديدة بعد عودته من المعتقل، وهو ما أثر علي حياتها وكان السبب في عقدة كبيرة لم تتمكن من إيقافها أبدا، بل وأثرت في علاقتها بالرجال الذين تعلقت بهم في حياتها، 7 علاقات في حياتها وكيف كل علاقة تبدأ بحالة من الشغف وتنتهي بمأساة ومشاكل وبعض منها انتحر ومنها من ابتعد عنها أو ابتعدت عنه، حتي المرة الوحيدة التي كانت ستصبح فيها أما ضحت بها لأنها من شاب يصغرها كثيرا في السن وقامت بقتل الطفل حتي قبل ولادته.
كما اهتمت المخرجة بإظهار الجانب الموسيقي لدي داليدا، وانه حتي مع زيادة عمرها ووصلها للخمسين ولكنها قدمت الاستعراض والذي تقدمه الآن كل من سيلين ديون وجينفير لوبيز وغيرهم وهو ما يؤكد علي انها كانت سابقة عصرها بمراحل، وهو ما جعل اغانيها مستمرة حتي الآن بل وتم اعادة اكتشاف العديد منها بعد الفيلم، كما ركز الفيلم عن فترة سفرها للهند للعلاج النفسي وايضا مشاركتها في العديد من المهرجانات العالمية الغنائية واخيرا مشاركتها في فيلم اليوم السادس ليوسف شاهين وكيف كان استقبالها للخبر خاصة وانها كانت في حالة نفسية سيئة جدا، وكيف تقابلت مع اهل بلدها مصر وزيارتها الخاصة لشارع شبرا الذي عاشت فيه لسنوات، وماحدث لها عندما رأت خيال والدها وهي علي كتفه ومدي الرعب الذي أصابها.