الثلاثاء 30 ابريل 2024

العميد غازي كنعان أنقذ مهمتنا الصحفية في لبنان من الفشل

مقالات14-10-2021 | 11:43

منذ فترة طلب مني أحد الأصدقاء تسجيل رحلة الأهوال في لبنان وكتابة تفاصيل الأيام الصعبة التي قضيتها وزميلي فاروق عبد الحميد عام 1989 ما بين بيروت الغربية وأختها الشرقية.. وطرابلس وصيدا.

سبعة عشر يوما قضيناها في لبنان.. أنا أسأل وأحاور زعماء وأمراء الطوائف اللبنانية وأكتب كل ما تراه عيني.. وفاروق رحمة الله عليه يسجل بالكاميرا أفلاماً وأفلامأ حول الخراب والدمار الذي حل بلبنان وأخل بمعيشة وحياة اللبنانيين منذ أن اشتعلت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975.

كانت رحلة شفنا فيها الأهوال فعلأ.. لكن ما عجزت أن أفهمه وأستوعبه هو تلك الرغبة الكبيرة لدي كل اللبنانيون في الحياة بانسجام غريب للغاية مع قذائف المدافع ورصاصات المدافع الرشاشة.

بعد 17 يوماً في لبنان حاورنا خلالها 13 زعيما لبنانيا: من أول العماد ميشيل عون إلى د. سليم الحص إلى سماحة السيد محمد حسين فضل الله المرشد الروحي لحزب الله إلى الرئيس السابق سليمان فرنجيه إلى رشيد الصلح رئيس الوزراء الأسبق والوزير بطرس حرب وكريم بقرادوني فيلسوف حزب الكتائب اللبنانية.

اقترب موعد العودة إلى مصر..17 يوما مرت بنا رحلة الأهوال في بلد يعشق أهله الحياة حتى لو كانت كل لحظاتها مع دانات المدافع وطلقات رصاص المليشيات المسلحة المتناحرة .. كل ضد الأخرى.. وكله بحسابه.. واليوم بـ 10 دولارات.. والأخضر كان يساوي كتير قوي من الليرات اللبنانية !.

وكلما كان يوم السفر إلى سوريا عبر طريق الشام يقترب كان كل شوية فاروق يقولي : أنا خايف على الأفلام اللي صورتها..خايف العساكر السوريين يصادروا الكاميرا والأفلام..خايف شغلي ومجهودي كله يضيع في الوباء.. فاروق من كتر خوفه خفت أنا كمان على 13 شريط كاسيت سجلت عليها كل حواراتي مع الزعماء والشخصيات اللي ذكرتها من شوية وأضيف إليهم الآن الشيخ طه صابونجي مفتي شمال لبنان وعمر كرامي اللي بقى هو كمان رئيساً لمجلس الوزراء في عام 1991 زي شقيقه الأكبر رشيد كرامي !.

أصبح بيننا وبين يوم سفرنا إلى دمشق 48 ساعة فقط .. آخر مقابلة صحفية كانت مع السيد حسين الحسينى رئيس مجلس النواب.. قبل موعدنا معه بساعتين عدينا على السفارة المصرية بالرملة.. قنصلنا العام السيد أحمد عاطف السمادوني رحمة الله عليه لما حس من كلام فاروق أننا خايفين جدا على الأفلام وشرائط الحوارات ضحك وقال : بسيطة.. محلولة.. سليمان قول لحسبن الحسيني حتى تعدوا طريق الشام على خير.. هو ها يتصرف لأن علاقته بالسوريين طيبة جداً..

وفعلاً.. ده اللي حصل.. حسين الحسيني أمسك التليفون وضرب نمرة هو حافظها صم.. اتصل بالعميد غازي كنعان قائد القوات  السورية في لبنان.. لم يكن موجودا.. بعد شوية رن جرس التليفون.. غازي كنعان نفسه.. لا مش محتاج بيانات.. بياناتهم عندي من زمان.. طمنهم خالص.. قل لهم غازي كنعان بنفسه بيضمن لكم رحلة آمنة من لبنان لسوريا ومفيش أي خوف على الشرائط والأفلام !.

اطمن فاروق وأنا كمان.. وخرجنا من فيلا رئيس مجلس النواب اللبناني فرحانين بأننا سنذهب إلى سوريا مع الشرائط والأفلام فى حماية أقوى شخصية داخل لبنان وقتها : العميد غازي كنعان الذي كان يحكم كل شبر في لبنان ويسيطر على كل الطوائف اللبنانية المتصارعة وعلى زعماء هذه الطوائف.

في طريقنا إلى دمشق تذكرت ما قاله لي الأستاذ مكرم رحمه الله.. مش عاوزك تبعت حوارات من هناك.. سجل انطباعاتك على الورق.. ولما تيجي هنا اكتب الشغل.. ها يعرضوا عليك في جريدة السفير ولا غيرها تبعت الشغل من عندهم.. لكن خد بالك صحافة لبنان كلها مخرمة على سوريا.

لما عرف الأستاذ طلال سلمان صاحب ورئيس تحرير السفير من محمد المشنوق رئيس الإذاعة بوجودي كلمني وعزمني على فنجان قهوة.. وفي مكتبه استدعي باسم السبع مدير التحرير وأمره بتقديم كل التسهيلات الممكنة لي.. من اتصالات وفاكسات وخلافه.. ( في 1991 أصبح باسم السبع وزيراً للإعلام ).

يوم سفرنا إلى دمشق عدى على خير.. قطعنا طريق الشام المزدحم لشوشته في نصف ساعة.. حوالي 50 كيلو متر عدوا بسرعة البرق زي ما قال لنا أبو السعود سكرتير القنصل أحمد عاطف اللي كان هو الكل في الكل أيامها في السفارة نظراً لوجود سفيرنا حسن شاش في مصر لفترة طويلة بعد أن تم استدعائه أو بالعربي سحبه من بيروت إثر تصاعد الصراع المسلح بين العماد ميشال عون القابع في قصر بعبدا ببيروت الشرقية وبين قوات وليد بك جنبلاط وقوات حركة أمل وقوات الجيش اللبناني الموالية لسوريا بقيادة العميد سامي الخطيب..

في أول الطريق من بيروت إلى سوريا كنت وفاروق عبد الحميد حاسين أننا ذاهبين إلى النار برجلينا.. ولكن بعد عدة كيلومترات بدأنا نحس بالأمان..ولم يعد خوفنا علي الشرائط والأفلام يزعجنا أو حتى يطاردنا.. بل أنني ما زلت أتذكر حتى الآن طوال رحلة العودة إلى دمشق نظرات الترحيب الواضحة على وجوه جميع الجنود والضباط السوريين المرابطين على كل المتاريس والحواجز الأمنية الموجودة على طريق الشام.

باختصار.. سافرت أنا وفاروق إلى دمشق في حراسة وتأمين العميد غازي كنعان.. ودفنا القتيل.. أو بمعني أصح نشرنا الحوارات والصور في المصور ونلت يومها في عام 1989 الجائزة الثانية في الحوار الصحفي رغم إن زميلتنا العزيزة نوال مصطفى الفائزة بالجائزة الأولى كانت عن حوار أجرته ونشرته في الأخبار عام 1990 مع أنديرا غاندي.. بينما كانت الجوائز خاصة بالموضوعات المنشورة خلال عام 1989 فقط.. بس خلاص !!.

Dr.Randa
Dr.Radwa