كتب: أحمد شريف
يحملون قطعا من الأخشاب والأوتار، ليحولونها إلى آلة موسيقية تبهر الأعين وتطرب السمع، يمتلكون بداخلهم إرثاً من التراث الفني والحرفي في صناعة الآلات الموسيقية ورثوه عن أجدادهم، ليكملوا مسيرتهم في حرفة تكاد تكون معدومة فى تلك الأيام.
ولكن حبهم وشغفهم الفني بصناعة آلات الطرب الشرقي الأصيل كالعود، يحيي فيهم أمل البقاء على مهنتهم التي تعد مصدرهم الوحيد لاكتساب رزقهم في الحياة، حالمين بأن يحافظوا على تلك الحرفة من شبح الانقراض، الذي يطاردهم لضعف الإمكانيات وعدم النظر إليهم من قبل الدولة.
بداخل دكان بأحد المنازل العتيقة بشارع محمد علي، يجلس عم "ناجي الديب" 60 عاماً ممسكا بعود خشبي لنحته بدقة متناهية ليحوله الى عود تهتز عليه الأوتار.
قال عم ناجي: "أنا بشتغل فى صناعة العود من 40 سنة، لاني بحب المهنة دي جداً رغم انها صعبة ومتعبة، وهى جزء مني ومعرفش اشتغل مهنة غيرها".. لافتا إلى انه بدأ العمل فى سن العشرين بأحد الورش القديمة في شارع محمد علي وانجذب الى تلك المهنة حتى احترف صناعة العود بكافة اشكاله وانواعه.
انواع العود:
يوضح "ناجي" أن هناك العديد من الأعواد منها العادة الذي يبدأ سعره 250 جنيه والعود الوكس والفنجي والأبنوز وتبدأ اسعارها من 2500 الى 5000 جنيه، بحسب الخامة ونوع الخشب.. وأرخص نوع عود هو العادة كان الاول 120 دلوقتى زاد الضعف، وفي أعواد غالية بيرجع سعرها حسب الطلب والشكل، بس من ساعة ما الدولار ارتفع اسعار الاعواد زادت، عشان الخامات سعرها زاد جدا، ودي مشكلة كبيرة بتقابلنا.
صعوبة في المواد الخام:
ويشير إلى أنه أصبح هناك صعوبة في إيجاد المواد الخام بسبب شحها وزيادة سعرها بشكل خرافي، لا يتحمله الصانع ويشكل عبء مادي عليه وعلى حرفته.. مضيفا: "زمان كان العود بيبدأ من جينه لحد 5 جنيه، لأن الخامات كانت كتيرة ومتوفرة والجنيه كان ليه قيمته، بعكس اللي بنعيشه فى الايام الصعبة ديه".
لن تنقرض:
ويضيف "ناجي" أنه يتم تصدير الاعواد إلى الخارج ولدول الخليج بالعملة الأجنبية، مما يشكل مصدر جيد للدولة والحرفي اذا اهتم بالمهنة، عن طريق توفير الخامات بأسعار مناسبة للصناع، عمر ما مهنة صناعة العود ما هتنقرض وهتفضل مستمرة وبتزيد، لأن في شباب بتتعلم وبتورث المهنة وعددهم بيكبر، والحرفة ديه مش هتنتهي بعد موتنا وهتفضل عيشة جيل بعد جيل، لأن التراث بيفضل عايش طول العمر ودي حاجة مطمناني على الحرفة اللي بعشقها وبحبها.
هيفضل العود بخير:
خارج دكان عم "ناجي " يجلس الأسطى "محمد كرم" 60 عاماً حاملاً مبرد حديدي لسنفرة العود وتنعيمه بشكل حرفي ودقيق، والذي حدثنا قائلا: "طالما معهد الموسيقى موجود هيفضل العود بخير وعمره ما هيختفي"، لافتاً إلى ان هناك العديد من الشباب يستخدموا العود للعزف عليه، وهذا الامر يساعد على استمرار المهنة دون توقف مهما كانت الظروف وعدد الحرفيين العاملين بالمهنة.
40 عاما من العمل:
ويتابع "كرم" إنه يعمل منذ 40 عام ولم يمل من المهنة بل يزداده عشقاً لها يوما بعد يوما، مضيفاً: رغم أن المهنة ديه مزعجة وعوزة عصب وصبر، لكن بحبها جدا عشان كده بخدمها وبديها اللى هي عوزاه، ومش هبطلها لحد ما موت".
المشاهير والعود:
وأضاف أن هناك العديد من المشاهير قاموا بشراء أعواد للعزف عليها وكان ابرزهم الفان محمد الحلو، حين كان طالباً بمعهد الفنون، الحلو اشترى مرة عود من عندنا كان لسه طالب، بعته له بـ 250 جنيه، كان أيامها مبلغ كبير، بس كان يستحق لأنه كان عود معمول من خامات غاليا وشكله كان مميز، ودلوقتى عشان أعمل عود زيه مش هيقل ثمنه عن 7000 جنيه وممكن اكتر.
عائقا يواجه المهنة:
ويضيف "كرم"، أسعار الخامات زادت 3 اضعاف فى غضون الاشهر الماضية بعد ارتفاع سعر الدولار، حيث يتم استيراد اغلب الخامات من الخارج، متمنياً من الدولة أن تساعد صانعي الحرفة فى توفير المواد الخام، باسعار مناسبة حتى لا تكون عائقاً يواجه تلك المهنة.