لن تكون الضربة الأخيرة، فكما وعد الرئيس عبدالفتاح السيسى ستتحرك القوات المسلحة المصرية لتضرب أى معسكرات فى الداخل أو الخارج تهدد الأمن القومى المصرى، هذا هو الأهم فى الضربة الجوية القاصمة التى وجهتها القوات الجوية المصرية لست من التمركزات الإرهابية بالقرب من منطقة درنة بليبيا تدرب فيها من قاموا بالعمل الإرهابى الجبان الذى استهدف المصريين الأقباط فى المنيا، فالضربة لم يكن هدفها فقط الترضية للمصريين الأقباط وإطفاء نار الغضب المشتعلة بداخلهم على فقد ٢٨ شهيدا جديدا بسبب الإرهاب، وإنما الهدف الواضح من الضربة أن مصر لن تصمت على المساس بأبنائها وستلاحق من يهدد أمنهم فى أى مكان دون مجاملة أو أى حسابات أخرى.
الرسالة هنا واضحة وهى أن مصر أصبحت لديها القدرة على الرد وردع التنظيمات الإرهابية والقوى الداعمة لها، فمصر قد فاض بها الكيل والإرهاب الأسود يحصد الأرواح، والعالم يكتفى بالمشاهدة دون أن يحرك ساكنا سوى بيانات الشجب والتعاطف، فلا إجراءات واضحة للتعاون الأمنى ولا دعم بالمعلومات التى نعلم جميعا مدى توافرها عند كثير من أجهزة الاستخبارات فى الدول الغربية، بل ولا أى تحركات لمعاقبة أو حتى تحذير الدول الراعية للإرهاب والممولة له والمتسترة عليه وهى معلومة للجميع.
كثيرا ما طالبت مصر العالم بالتحرك السريع وناشدت التوحد فى وجه هذا الخطر الذى لن يرحم أحد، وآخرها كلمة الرئيس السيسى الواضحة فى قمة الرياض والتى كانت كاشفة وفاضحة لداعمى الإرهاب، لكن لا حياة لمن تنادى، فالتنظيمات الإرهابية تتضخم وتتسع رقعة تواجدها وتتزايد مصادر تمويلها وتتضاعف أعداد من يتم تجنيدهم للانضمام إليها، وفى النهاية كل هذه الإمكانيات يتم توجيهها عمدا إلى مصر بطائرات معروفة الجنسية والتمويل وعلى مسمع ومرأى من العالم، قالها الرئيس السيسى بأدب شديد هذا الأسبوع عقب حادث المنيا عندما أعلن أن نسبة من المقاتلين الإرهابيين فى سوريا بدأو يخرجون ويتجهون إلى مصر، سواء فى سيناء أو المناطق الغربية عبر ليبيا التى تعانى الفوضى.
لكن ما نستكمل به هذه الحقيقة أن هذا لا يتم من خلال المقاتلين أنفسهم وإنما بتوجيه من الدول الراعية وبطائراتهم التى تحمل هؤلاء المقاتلين إلى مناطق بعينها لتكون مقرات انطلاق لهم إلى داخل مصر بعد تدريبهم وتسليحهم.
ومنذ ما يقرب من خمسة أشهر وتحديدا فى يناير الماضى وفى مجلة المصور حذرنا بناء على معلومات من أن ما يقرب من ثمانية إلى عشرة آلاف مقاتل فلسطينى وتونسى ومن عدة جنسيات أخرى عائدون من سوريا النسبة الغالبة منهم سيكون اتجاههم إلى ليبيا لتكون منطقة انطلاق لدخول مصر وتنفيذ عمليات إرهابية بها وتحقيق مخطط الفوضى الذى يصرون عليه، وأكدنا وقتها أن نقل هؤلاء سيكون بواسطة السفن والطائرات التركية وبتمويل قطرى والهدف المحدد لهم هو إشعال الموقف على الحدود الغربية لمصر وتسريب عدد منهم إلى داخل المحافظات وسيناء تحديدا لزيادة وتيرة الأعمال الإرهابية.
وأكدنا وقتها إن القوات المسلحة المصرية وأجهزة المعلومات راصدة لكل هذه التحركات ومستعدة لها وأن التأمين للحدود الغربية فى أعلى درجاته، ولم يكن هذا مجرد تخمين وإنما واقع فرضته القوات المسلحة بحرفية شديدة وبتعاون ذكى مع أبناء القبائل فى هذه المناطق، ونتيجة هذه اليقظة ما أعلن عنه الرئيس السيسى نفسه فى كلمته بأنه خلال العام الأخير تم تدمير ما يقرب من ألف سيارة دفع رباعى كانت فى طريقها الى مصر لتنفيذ عمليات إرهابية أو نقل ممقاتلين أو أسلحة إلى الداخل المصرى، ومنها فقط خلال الشهور الثلاثة الماضية نحو ٣٠٠ سيارة. ناهيك طبعا عن الأسلحة التى تم ضبطها والعناصر التى قبض عليها أو قتلت فى مواجهات مع رجال الأمن خلال تسللها من الحدود.
فالصورة كانت واضحة أمام مصر منذ فترة طويلة وحذرت العالم من توابعها، لكن الغالبية من الدولة اكتفت بالصمت، والقلة أبدوا كلمات ما بين التعاطف والاستعداد للمساندة والتى لم تسفر عن أى دعم فعلى، وإنما ظلت وعود كلامية لا تراوح مكانها. ولأن مصر كانت منذ البداية مدركة لهذا التباطؤ الدولى، فقد قررت ألا تنتظر الدعم من أحد، فهى التى فى قلب الخطر ولا يمكن أن تظل فى انتظار من يدعمها أو يساندها وإنما هى التى ستحارب، وكان هذا هو القرار، فعندما يكون المستهدف هى الأرض المصرية أو الشعب المصرى فلا مجال لأى حسابات سياسية أو توازنات دبلوماسية أو انتظار لأى شيء وإنما الرد الرادع القاطع الذى يظهر قوة مصر وجيشها هو الاختيار الوحيد، ومن هنا جاءت الضربات الجوية التى توالت على مراكز التدريب الإرهابية فى قلب ليبيا وبتنسيق كامل مع القوات الجوية الليبية.
المؤكد أن الضربة الجوية لمعسكرات التدريب للإرهابيين فى ليبيا لم تكن عشوائية وإنما بناء على معلومات واضحة أكدت أن هذه المنطقة هى التى تدربت فيها فعلا العناصر الإرهابية المشاركة فى عملية المنيا، كما أن منطقة درنة نفسها هى الأخطر من حيث التجمعات الإرهابية وكان مستهدف بها، بجانب السيطرة على ليبيا تدريب العناصر المقاتلة لتهريبهم بعد ذلك إلى مصر من خلال المناطق والدروب القريبة لمدن الصعيد.
ولهذا فقد جاءت الضربات الجوية الناجحة لتلك التمركزات لتؤكد عدة أمور..
أولها: أن مصر تعطى إشارة لا تخطئها عين بأن لديها من القوة والقدرة ما يمكنها من العقاب والرد القاسى ليس للمجموعات الإرهابية المأجورة وإنما لمن يقف وراءهم ويمولهم.
الثانية: أن مصر لن تقبل ولن تتسامح فى حق أبنائها ولن تترك من يحاول المساس بهم فى أى مكان أيا كان اسمه أو قوته أو مكانه.
الثالث: أن مصر لن تستأذن أحدًا ولن تنتظر ردا من أحد حتى تتحرك لتحمى أبناءها أو تثأر لهم، فمن حيث جاء الخطر على أمن مصر وشعبها غربًا أو شرقًا أو جنوبًا سيكون الرد السريع والعنيف، ولا استئذان فى حماية المصريين
الرابعة: أن الجيش المصرى لديه الآن القدرة على التحرك السريع والتنفيذ الكفء لكل المهام التى تطلب منه فى أى مكان وأى وقت وهذا إنذار واضح.
وهذه النقطة تحديدا فيها رد قاطع على من كانوا ينتقدون دون وعى صفقات التسليح التى أبرمتها مصر خلال السنوات الثلاث الماضية ومن كانوا يتساءلون عن أهمية الرافال وفائدة الميسترال والإضافة التى ستقدمها الفريم والغواصات التى تعاقدت عليها القيادة المصرية لتدعم بها جيش مصر، فما حدث مع مراكز التدريب الإرهابية تأكيد واضح على أن هذه الصفقات لم تكن للرفاهية ولا من أجل التباهى أو إنفاق المليارات دون فائدة، وإنما كل هذا كان ثمنا رخيصا لأن يكون لدينا جيش قوى لا يمتلك القوة فقط وإنما يمتلك الأهم وهى القدرة على الفعل والدفاع عن المصريين فى أى وقت وأى مكان وضد أى عدوان، ولقد أدى الجيش المصرى واجبه وضرب أوكار الإرهاب فى الداخل، سيناء، وفى الخارج، ليبيا نموذج ومستعد لأى مناطق أخرى.
وهذا نفسه رد واضح على كل من احترفوا التشكيك فى أى شىء، بل وتأكيد جديد من القوات المسلحة بأن مخطط تركيع مصر الذى تسعى إليه بعض القوى لن ينجح مادام هناك جيش قوى وقيادة سياسية لا ترضخ للغرب أو تأتمر بما يملونه عليها وأجهزة دولة تعرف مسئوليتها وتدرك كيف تحمى شعبها.
وإذا كان الإرهاب جزءًا من هذا المخطط الخبيث الذى يستهدف تركيع مصر من خلال إظهار الدولة ضعيفة وضرب شرعية الرئيس، بدعوى أنه لا يستطيع حماية من انتخبوه، فالرد كان أسرع مما توقعوا وبأقوى مما تخيلوا للتأكيد على أن جيش مصر لن يتسامح ولديه قدرة الفعل المؤلم.
فى النهاية فعل الجيش المصرى ما عليه وسيفعل مع كل من يتخيل أنه بمقدوره المساس بأمن مصر أو شعبها، لكن يبقى أن يفعل الآخرون ويتحركوا بإيجابية لتتوحد الجهود الدولية فى مواجهة الإرهاب الذى لا نهاية له إلا بتوحد القوى المختلفة، فهل يمكن أن يحدث هذا أم سيظل حلما بعيد المنال.