الثلاثاء 14 مايو 2024

الــمعــز شارع الكرنفالات الفاطمية

31-5-2017 | 12:09

تقرير: أمانى عبد الحميد

وكأن قلوبهم لا تحمل هما أو حزنا، ترى وجوههم مشرقة مستبشرة بقدوم شهر كريم، يقضون ليلتهم ساهرين، يتطلعون نحو السماء وقمرها المنير يستطلعون معه بدايته، رمضان الكريم، وكعاداتهم التى تأصلت داخلهم يحتفلون بكل شيء ، وليلة رؤية الهلال لها احتفال خاص لا مثيل له، لا يضاهيه سوى الاحتفال بليلة العيد، ارتبطت تلك الليلة بالشارع الأعظم ، شارع المعز لدين الله الفاطمي، وارتبطت أيضا بعدد من الفنون الشعبية والتراثية القديمة، فنون التنورة ورقصات المولوية والدراويش، الفوانيس وأشعار المسحراتى وطبلته الصغيرة، كلها مظاهر احتفالية ابتدعها الفاطميون وحرص على الاستمتاع بها المصريون عند كل مناسبة أو عيد.

 

 

كثيرون يقولون ولت دولة الفاطميين وبقيت احتفالاتهم بين المصريين , قول ينطبق على حال مصر حتى يومنا هذا , بقيت مباهجهم واحتفالاتهم , الاحتفال بالعام الهجري, مولد النبى صلى الله عليه وسلم, عاشوراء , وفاء النيل , العيد الأضحى وعيد الفطر, خروج قوافل الحج, بل الاحتفال بأعياد المسحيين الأقباط, كليلة الغطاس, النيروز, خميس العهد , وكانت القاهرة تلبس حلة الفرحة والبهجة وترفرف أعلام السرور, وكأن قلوب أهل مصر لا تتحمل هما أو حزنا, وفرحتهم بحلول شهر رمضان دائما تكون عارمة تعمر قلوب أصحابها, وعندما يأتى العيد تكون الفرحة غامرة مذاقها معسول كمذاق ككحك العيد.

فرحة العيد كانت حياة السائدة بين أرجاء القاهرة القديمة, قاهرة الفاطميين, لم يكن مسموح لعامة الشعب دخولها. كانت أبوابها تحرسها من عيون الفضوليين. مدينة ملكية وعاصمة للدولة الفاطمية. وصفوها بـ»بستان الدنيا». وفى قلبها درة الشوارع , شارع المعز لدين الله , الأجمل على الإطلاق. أطلقوا عليه اسم « الشارع الأعظم» لأنه يمثل قصبة القاهرة, ينقسم إلى شرقى وغربي. ويتفرع من جانبيه حارات متعرجة تتشعب إلى دروب وأزقة. يبدأ من باب الفتوح وينتهى بباب زويلة. ومع مرور الزمان وتبدل الأحوال , دول ولت وسلاطين زالت , وبقيت القاهرة بمزدحمة بأهلها, كمتحف مفتوح , يتمشى رواده على أقدامهم بين أجمل الآثار القاهرة الفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية. وفى المساء تتزين واجهات البيوت والمآذن القديمة بأضواء تبرز جمال العمارة الإسلامية ليلا.

علاقة تفاهم عجيبة بين الشارع وقاطنيه. قد تكون علاقة حب وانسجام. أصحاب المحلات والدكاكين يجلسون أمام واجهاتها الزجاجية ذات الطراز الإسلامى المزينة بالأخشاب والمشربيات, بانتظار الرزق, دكاكين بيع مستلزمات المقاهى وأدوات الشيشة هى الأغلب من بدايات الشارع , عند بوابة الفتوح وجامع» الحاكم بأمره» خامس خلفاء الدولة الفاطمية. ورغم ذلك انتشرت محال بيع العاديات والأنتيكات والتحف والحلى والفضة وسطها. يفتخر سكانه بجمال واجهات منازلهم بعد توحيد واجهاتها وجعلها بلون الحجر وتبطين نوافذها وشرفاتها بالأخشاب لتتماشى مع مشربيات الآثار من حولها.

فى قلب الشارع المتحف من الممكن أن يمتزج الفن الحديث بالقديم. وتتلاقى فنون العمارة والنحت فى مكان واحد. نراهم يلتقيان داخل سبيل وكتاب سليمان أغا السلحدار الأثر رقم ٣٨٢ والمبنى خلال عهد محمد على باشا عام ١٢٥٥هجريا – ١٨٣٩ ميلاديا. السبيل الذى يحوى أكبر صهريج مياه على عمق ١٠ أمتار تحت الأرض فى الآثار الإسلامية ويطل على الدرب الأصفر. الصهريج الذى كان يسع ٣٠ مليون لتر مياه مساحته تتعدى ٣٠٠ متر ومكون من طابقين فوق الصهريج.

كذلك حارة «قرمز» ببيت القاضى لا يزال الناس يتذكرون بيت نجيب محفوظ الذى ولد فيه. ورغم أنها حارة صغيرة متعرجة إلا أن آمال قاطنيها عريضة, أحلامهم فاقت الخيال بعدما شاهدوا ما يحدث فى شارع المعز لدين الله. الحارة تطل عل مقعد الأمير «ماماى» الأثر رقم ٥١ والمبنى فى ٩٠١هجريا.

وهناك تتعاقب الأزمنة وملامح العمارة الإسلامية , نرى الفاطمى كجامع الأقمر والحاكم بأمرالله، والعمارة الأيوبية كمدرسة وضريح السلطان نجم الدين أيوب, ونرى العمارة المملوكية البحرية كمجموعة السلطان قلاوون وجامع ابنه الناصر محمد وعمارة دولة المماليك الجركسية كمدرسة وضريح السلطان الظاهر برقوق, كلها أبنية تحكى عظمة تلك الدول التى عاشت وولت على أرض مصر وداخل شارعها العظيم.

والاحتفال بليلة رؤية هلال شهر رمضان الكريم لا تختلف كثيرا عن ليالى الأعياد والتى ارتبطت بكثير من المراسم والعادات الطقوس، فقد كانت الاحتفالات تبدأ بموكب الرؤية فى عهد الدولة الفاطمية، يخرجون فى مواكب غاية فى الفخامة والأبهة, حيث يتم فتح خزائن الفرش والكسوات والأعلام, يخرج الخليفة فى جمع زاخر من أفراد أسرته وبطانته ووزرائه وموظفى دولته وجنوده راجلين وراكبين, يحملون السيوف والرماح, يلبسون الملابس الفاخرة يسيرون وفق نظام معلوم, يصطف الوزراء عند باب النصر حتى يهل الخليفة بطلعته, تمشى دابته على بسط مفروشة, وعندما يقترب يأتى رجل ببوق من الذهب معوج الرأس يطلق صوت يختلف عن بقية الأصوات معلنا خروج الخليفة، فيقف الجميع ينتظرون الخليفة الذى يرتدى البياض ويزين رأسه تاج من الجواهر موضوعة فى هلال من الياقوت الأحمر أعلى جبهة الخليفة, ثم يسيرون فى ركب الخليفة, أول الموكب يكون أخلاط بعض العساكر, ثم الأماثل , ثم أرباب المناصب, فأرباب الأطواق ثم الأستاذون المحنكون ثم حاملو لواء الحمد من الجانبين, ثم حامل الدواة، فصاحب السيف, وبعدهم يأتى الخليفة وحوله صبيان الركاب وهم ما يزيدون على الألف رجل, يتقلدون السيوف وأوساطهم مشدودة بمناديل والسلاح مشهور بأيديهم, من جانبى الخليفة كالجناحين, ومن خلفه يأتى الرجال كل على حسب مكانته ووظيفته, طوائف من العساكر وفرسان بالآلاف, يدخل الموكب من باب الفتوح ويقفون عند بين القصرين , حتى اذا وصل الخليفة إلى موضع جامع الأقمر الآن وقف وبعدها انفرج الموكب واتجه الخليفة إلى قصره, ذلك جزء بسيط مما وصفه المؤرخون عن طقوس موكب الخليفة خلال الاحتفالات والأعياد, وهو ما ذكره أبى المحاسن بن تغرى بردى فى كتابه «النجوم الزاهرة»، وكان القضاة يستطلعون رؤية الهلال من فوق جبل المقطم، أما فى عصر المماليك كانت مئذنة مسجد السلطان بن قلاوون أشهر مرصد لرؤية الهلال وكان قاضى القضاة يخرج مع رؤساء الطوائف فى احتفال دينى كبير منادين ببدء الصوم.

ويذكر المستشرق الانجليزى إدوارد لين فى كتابه» المصريون المحدثون عاداتهم وشمائلهم» بأن ليلة رؤية هلال رمضان تعتبر من أجمل المناسبات الدينيةعند المصريين بسبب مايحاط بها من مظاهر دينية تسبق حتى الرؤية قائلا: « وفى مساء ذلك اليوم يسير موكب المحتسب ومشايخ الحرف المتعددة ومنهم الطحانون والخبازون والجزارون والقصابون والبدالون وبائعة الفاكهة وعدد لآخر من بعض الحرف وفرق من الموسيقيين وعدد من الفقراء وأحد المرسلين لرؤية الهلال أو شهادة أى مسلم آخر على أنه رآه، وعند رؤيته تبدأ الاحتفالات الكبيرة ويقوم المحتسب بموكبه ويجول الآخرون فى الأحياء المختلفة صائحين: يا أمة خير الأنام صيام صيام ويتم الاجتماع فى بيت القاضى عند بين القصرين ويتم إطلاق المدافع من على القلعة والأزبكية،

وفى عهد محمد على وأبنائه كان الاهتمام كبيرا, ينظمون المواكب الصاخبة بمصاحبة مشايخ الحرف والجند فى صفوف منظمة تصاحبهم الفرق الموسيقية,ثم جاء الخديوى اسماعيل ليطور مظاهر الاحتفال , فظهر مدفع رمضان حيث ينطلق من أعلى أسوار القلعة للإعلان عن قدوم رمضان، وعند غروب شمس كل يوم , أما السلطانة ملك أرملة السلطان حسين كامل فكانت تخرج فى موكب لتوزيع نقود ذهبية على الأطفال.

وحتى فترة الخمسينيات كانت ليلة الرؤية لها طقوسها المبهجة يمارسها المصريون ويعيشونها داخل شوارعهم وحواريهم, لكن مع مرور الوقت اختفت الاحتفالا وبهتت مظاهرها واصبحت تقتصر حاليا على احتفال بسيط يحضره بعض المسئولين والوزراء يعلن فيه مفتى الديار المصرية نتيجة الرؤية وينتهى عند هذا الحد، وإن ظل سكان بعض الأحياء القديمة ويحرصون على تعلق الزينة فوق شرفات منازلهم ومآذن المساجد وتضاء الأنوار والفوانيس للتعبير عن الفرحة بقدوم شهر رمضان المعظم الذى نشعر فى ظل وجوده بحالة لا يمكن وصفها من حب للطاعة والعبادة والسعى وراء نفحات الله سبحانه وتعالي.

    Dr.Radwa
    Egypt Air