السبت 23 نوفمبر 2024

السلاح والعتاد فى يد الإرهابيين.. علاقات مشبوهة ووقائع مريبة!

  • 31-5-2017 | 13:25

طباعة

بقلم – عميد طارق الحريرى

مغزى جديد وراء العملية الإرهابية الأخيرة ضد مجموعة من المواطنين المصريين المسيحيين العزل، الذين كانوا فى طريقهم من بنى سويف إلى دير الأنبا صموئيل فى المنطقة الصحراوية شمال غرب مغاغة غرب المنيا، وجرت وقائع الحادثة فى منطقة العدوة، وهذه العملية تمثل تحولا نوعيا فى أسلوب التنفيذ واستخدام الأسلحة ووسائل الانتقال، وبالنسبة إلى السلاح المستخدم فليس من الملفت أنه كان ذا طبيعة خاصة إذ اقتصر على البنادق الآلية، ومن المحتمل أنهم كانوا مزودين بقنابل يدوية وقاذف أو أكثر آر بى جيه، لم تكن هناك حاجة لاستخدامها.

لكن الملفت هو أن الإرهابيين كانوا يستخدمون عربات الدفع الرباعى وأنهم يرتدون ملابس شبه عسكرية، مما يعنى أنهم خرجوا لتنفيذ هذه العملية وهم على درجة كبيرة من الاستعداد، وأنهم تلقوا تدريبا احترافيا، رغم أنهم سوف يهاجمون مواطنين عزل وأسلوب استخدام عربات الدفع الرباعى ليس جديدا على الإرهابيين، فقد سبق استخدامها فى مهاجمة كمين واحة الفرافرة فى منطقة «دهوس»، ويستخدم الإرهابيون هذه العربات أيضا فى سيناء، لكن هذه هى المرة الأولى لاستخدامها فى الوادى، أو بمعنى أدق الحدود المتاخمة له مباشرة.

كانت العمليات الإرهابية التى دأب الإرهابيون على ارتكابها ضد مسيحيى مصر تتم طوال الفترة الماضية بعمليات تفجير عن بعد أو انتحارية ضد الكنائس، لكن الأمر اختلف هذه المرة باللجوء إلى طريقة جديدة أكثر همجية ووحشية، حيث تم إطلاق النار من ٣ عربات دفع رباعى على الأتوبيس بكثافة وطريق عشوائية، وعلى الإطارات لمنع المركبة من محاولة الهروب ثم قاموا بإطلاق النار على ركاب الأتوبيس فرد فردا فى الرأس دون أدنى شفقة بعد أن استولوا على متعلقات كل الركاب ولاذوا بعد ذلك بالفرار، وتكشف هذه العملية عن جوانب جديدة تتمثل فى:

١ – أن المجموعة المهاجمة التى تقدر بعدد عشرة أفراد أو يزيد، طبقا لشهود العيان كانت ترتدى زيا شبه عسكرى، وهنا يصبح السؤال هل تحرك الجناه من منطقة التجمع لتنفيذ العملية بزى من المحتمل أنه كان موحدا، وفى هذه الحالة فهم لم يتحركوا بالتأكيد فى منطاق آهلة بالسكان، وبذلك يكونون قد أتوا من موقع فى الظهير الصحراوى.

٢ – الاحتمال الثانى أنهم تحركوا فرادى من أماكن مختلفة، ثم قاموا بالتجمع فى منطقة قريبة غير مأهولة على طريق اقتراب الأتوبيس فى انتظار وصوله والقيام بعمليتهم.

٣ – فى كافة الأحوال فمن المؤكد أن هذه المجموعة المنفذة كانت على اتصال بعناصر أخرى رصدت خروج الأتوبيس من الكنيسة التى تحرك من أمامها فى بنى سويف، وليس من المستبعد أن هذه العناصر تتبعته وحددت المسار والتوقيتات التى ساعدت المجموعة المنفذة على القيام بالعملية.

٤ – قدرة المجموعة التى قامت بالتنفيذ على الانسحاب السريع دون أن تترك وراءها قرائن دالة تظهر أن التخطيط كان دقيقا فى كل مراحل العملية، وهنا يبرز السؤال هل تم الإخلاء إلى مكان واحد أم إلى أماكن متفرقة.

٥ – استخدام عربات الدفع الرباعى يفتح الاحتمالات على إمكانية التحرك فى أراض صحراوية تستلزم بالضرورة هذا النوع من السيارات.

٦ – يكشف اختيار موقع تنفيذ العملية أنها تمت بعد استطلاع جيد يقلل فرصة مطاردتهم، فالمنطقة طبقا للشهود كانت خارج نطاق الاتصال لشبكات المحمول، والأهم أنها بعيدة عن أى تجمع سكانى أو نقاط تفتيش لأى جهة أمنية أو حكومية.

٧ – التحذير الذى أصدرته أكثر من دولة على رأسها الولايات المتحدة لرعاياها بتوخى الحذر فى الليلة السابقة للحادثة، يعنى أن أجهزتها تمكنت فى الغالب من رصد مكالمات تمت بين عناصر إرهابية داخل مصر تلقت إشارات أو مكالمات مشفرة تعطى مؤشرات على قرب تنفيذ عملية، لكن من الصعب تحديد المكان بدقة.

٨ – كمحصلة للبنود السابقة يسهل وضع تصور أقرب ما يكون للصحة تأسيسا على الوقائع التى جرت ويمكن تلخيصها فى الآتى:

● أن العناصر المشاركة فى العملية تلقت تدريبها فى أحد المعسكرات خارج مصر.

● توجد صلة بين المنفذين بقيادات من التنظيمات الإرهابية المركزية العابرة للدولة القومية.

● تتلقى العناصر الموجودة فى مصر دعما لوجيستيا وماليا وتسليحيا من التنظيمات المدعمة من جهات ودول ذات قدرات فائقة.

لذلك كان خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى واضحا بعد العملية الإرهابية الإجرامية الأخيرة، حيث أشار إلى أن مصر سوف تتعقب العناصر الإرهابية داخل مصر وخارجها، وكان من اللافت ما نبه إليه من أن مصر نجحت فى الأشهر الثلاثة الأخيرة في تدمير ٣٠٠ عربة دفع رباعى أثناء محاولات لتهريبها من الحدود الليبية إلى داخل مصر، وهنا يجب التوقف لمناقشة هذا الوضع المخيف لمحاولة اختراق مصر وتدعيم الإرهابيين فيها، والأخطر أن هناك إلحاحا وتصميما على القيام بهذا الاختراق الأمنى الذى يمكن أن ينتج تهديدات غير مسبوقة للأمن القومى فى مصر، فكل عربة دفع رباعى من المؤكد أنها كانت تحمل فى داخلها بعض الأسلحة والمتفجرات أو أجهزة متقدمة للاتصالات، وغير ذلك ومع كل عربة يوجد غير السائق عنصر إرهابى أو أكثر.

وتأكيدا على موقف القاهرة إزاء ما تتعرض له من محاولات مسمومة للنيل من وضعها الأمنى، وبعد أن استعرض الرئيس جزءا من طبيعة الهجمة الشرسة ضد استقرار الوطن وسلامة أراضيه قامت القوات الجوية بأعمال قصف متتالية ضد معسكرات الإرهابيين فى درنة التى تعتبر القاعدة المتقدمة لتنظيمات الإسلام السياسى على الأراضى الليبية التى تدير محاولات اختراق الأراضى المصرية ويتم فيها تدريب العناصر من الإرهابيين الذين يتم الدفع بهم إلى مصر عبر الصحراء الغربية أو عن طريق تزوير أوراق هوية ولاشك فى أن يقظة العيون الساهرة من رجال القوات المسلحة التى تقوم بحماية وتأمين الحدود تبذل مجهودا خارقا للتصدى لمحاولات الاختراق، وإن كان هذا لا يعنى أنه لا يمكن لبعضها أن تفلت من الرقابة، فطول خط الحدود والمساحات الصحراوية الشاسعة تجعل المهمة بالغة الصعوبة، والدليل على ذلك أن الولايات المتحدة بكل إمكانياتها من أقمار صناعية ووسائل رصد متقدمة لم تنجح فى إيقاف التهريب على حدودها مع المكسيك، لذلك كان القرار بضرب معسكرات الإرهاب فى درنة ليس بدوافع انتقامية فقط، كما يتصور البعض بعد عملية المنيا، ولكن من أجل مواجهة بؤرة الخطر التى تتسبب فى تهديدات مستمرة للأمن القومى بتوجيه ضربات استباقية لها بعد أن أصبح المناخ الدولى مهيأ لمقاومة الإرهاب، وقد استغلت القيادة السياسية العملية الإرهابية الأخيرة، حتى تبدأ فى الضربات الاستباقية، حيث سيكون من الصعوبة على الدول والمنظمات الداعمة للإرهاب أن تؤلب الرأى العام العالمى ضد مصر مثلما كان يتم من قبل، بل إن الدولة المصرية أصبحت الآن تعتبر دوليا رأس حربة فى المعركة العالمية لمقاومة الإرهاب، وينظر إليها باعتبارها دولة شجاعة ومهمة فى هذه المعركة.

سؤلان هامان يشغلان بال السياسيين والمتخصصين فى مجال مكافحة الإرهاب أولهما هو: هل تحتاج مصر إلى عملية برية ضد معسكرات الإرهاب فى منطقة درنة الليبية؟ أما السؤال الآخر الذى يشغل بال الجميع فى ملف الإرهاب هو من أين يحصل الإرهابيون على هذه الأعداد الضخمة من عربات الدفع الرباعى وعلى هذه الكميات الهائلة من السلاح؟.

بالنسبة للسؤال الأول عن حاجة مصر لعملية برية فإن الإجابة بداية عليه هى أن القوات المسلحة قادرة على تنفيذ عملية عسكرية ناجحة من هذا القبيل، لكن القرار فى مثل هذه الحالة يبقى للقيادة السياسية الأدرى بالتوازنات الإقليمية والدولية، وفى واقع الأمر فإن القضاء المبرم على هذه البؤرة التى تعمل على خلخلة الأمن القومى المصرى ربما يكون فى حاجة إلى مثل هذه العملية التى أتصور أنها لن تستغرق على أقصى تقدير أكثر من يومين، وقد لا يستغرق الوقت اللازم لتطهير المنطقة من الإرهابيين عدة ساعات فقط والقوات المسلحة لديها قوات مدربة على الإنزال البحرى (لاسيما أن المدينة ساحلية) والإبرار الجوى وقادرة على حسم المعركة، كما أن قرب المدينة من الحدود يسمح بتقديم دعم لوجيستى كامل لـتأمين إخلاء للقوات القائمة بتنفيذ العملية، كما أن الضربات الجوية والقصف المتكرر يساعد كثيرا كتمهيد نيرانى على إنجاز مهمة القوات البرية.

أما بالنسبة للسؤال الثانى عن الطريقة التى يحصل بها الإرهابيون على هذه الأعداد الضخمة من العربات ذات الطبيعة الخاصة أى عربات الدفع الرباعى والكميات الهائلة من الأسلحة على مختلف أنواعها، فإن الإجابة عليه فيما يخص الشق الأول يبدأ من الغموض الذى يحيط بالكيفية التى يمكن أن يتم الحصول على هذه الكمية غير العادية فى سوق السيارات العالمى ومن جهات التصنيع وفى الواقع فإن هذا يتم من خلال دول داعمه للإرهاب تقوم بالتعاقد على هذه النوعية من السيارات، وتقوم بعد ذلك بتمريرها على دفعات للتنظيمات الإرهابية كما أن بعض المنظمات الإرهابية تحصل على عائد مالى من بيع البترول الخام فى المناطق المستولى عليها مثلما كان يفعل تنظيم الدولة الإسلامية، حيث كانت تركيا تستغل هذا الوضع لتحصل على البترول بأسعار بخسة تصل إلى ربع ثمنه بأسعار السوق، كما أن المنمظمات الإرهابية تقوم ببيع الآثار وتقوم بزراعة المواد المخدرة وبيعها خامًا أو بعد التصنيع ومن عوائد تلك الأموال يتم شراء جزء من المعدات ووسائل النقل عن طريق السماسرة، بما فيها بالطبع بعض عربات الدفع الرباعى، إلا أن الاعتماد الرئيسى فى هذا المجال يتم عن طريق الدول الداعمة للإرهاب، وبالنسبة للسلاح فإنه يتم الحصول عليه بإحدى وسيلتين الأولى والأعم عن طريق الدول الداعمة التى تقوم بشراء السلاح من السوق العالمى بطريقة قانونية لا غبار عليها، ثم تقوم بتهريبه عبر قنوات خاصة إلى التنظيمات الإرهابية وفى إقليم الشرق الأوسط قامت أكثر من دولة عربية وغير عربية بالمشاركة فى هذه اللعبة القبيحة.

وتعتبر التنظيمات الإرهابية فى سوريا نموذجا دالا على تدخل الدول الداعمة وقيامها بالإمداد بالسلاح والعتاد.

من ناحية أخرى ففى أعقاب سقوط نظام العقيد معمر القذافى قامت كل من قطر وتركيا بالاستيلاء على كميات هائلة من السلاح ورصدت أجهزة المخابرات الأوربية والعربية عمليات شحن للسلاح وتوجيهه إلى منظمات إرهابية فى الإقليم وتقدر كميات السلاح المنهوب من ليبيا بمساعدة تنظيماتها المحلية من الإسلام السياسى بمئات الآلاف من الأطنان والرقم لا مبالغة فيه، وقد تم نقل هذا السلاح بأسطول من السفن التجارية تم تأجيرها من جهات متعددة لهذا الغرض، كما تم استخدام طائرات نقل مدنية وعسكرية لتحويل السلاح من ليبيا عن طريق قواعد جوية داخل ليبيا كانت تابعة لتنظيمات الإسلام السياسى، وبالتحديد الإخوان المسلمون، ووصل جزء من السلاح المكدس فى ليبيا إلى مصر فى فترة السيولة الأمنية التى شهدتها مع انتفاضة ٢٥ يناير وحكم الإخوان المسلمين.

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة