الإثنين 25 نوفمبر 2024

مقالات

«الآخر»

  • 19-10-2021 | 12:04
طباعة

قامت الطبيعة البشرية على الاختلاف والتنوع؛ شعوب وقبائل مختلفة الألوان والمُعتقدات لتتعارف وتتآلف لذا فالأصل هو ألا يُشكل الاختلاف تهديدًا ولا يثير المخاوف؛ لكون الوحدانية المُطلقة صفة من صفات الخالق العظيم.

لكن وباستعراض مجتمعنا وعاداته التى وفدت عليه نجدنا وقد تسربت لدينا ثقافة القمع والتسلط فى أسلوب حوارنا ونقاشاتنا وبدورها انتقلت إلى طريقة التفكير والحديث والمفردات فاهتزت العلاقات وخُلِق العنف الاجتماعى؛ فليس بغريب أن تجد قطيعة رحم بسبب اختلاف فى رأي سياسي أو عداوة بين الأصدقاء بسبب الخلاف على نتيجة مباراة، أو تنمر بين الأزواج بسبب تباين في رأى ديني!؛ وهو ما يُعَد مرضًا له  مراحل - (مرض رفض الآخر) - تبدأ بإنكار الاختلاف كمردود لنقص الوعي وعدم الاعتراف بالتعددية وانغلاق الفرد على فكره، يتبعها مرحلة قطبية -إقصائية- خطيرة ينظر فيها الشخص  للمختلف عنه كونه مخطئ وعلى باطل.

وتحمل هذه المرحلة اللغة العدوانية والدفاعية مع شيطنة الآخر وشلل تام فى تجاوز هذا الشعور السلبي وهو ما تجلى فى الفكر التكفيري الإسلامي مُتناسيًا سماحة الدين وعدله واحتضانه لجميع الأعراق والمذاهب والأديان؛ ومما عزز ظهور تلك العدوانية فى السنوات الأخيرة هى حرية التعبير عن الرأى من خلال السوشيال ميديا؛ والتى أصبحت ساحة شن حروب؛ فمن خلال كبسة زر وعند الاختلاف فى أي نقاش يتعرض المخالف للهجوم والإقصاء والتخوين والعِمالة وتهم الكفر والزندقة ونية إشاعة الفاحشة!.

ما نعانى منه فى مجتمعنا يجعلنا على يقين كون ثقافة تقبل الرأى الآخر أمر لم نعتد عليه ولا نملك إرثًا منه؛ فالعامل التربوي الأسري فى المجتمعات العربية شبة مُغيب؛ فمن قهر وتهميش لرأى الأبناء فى محيط الأسرة إلى ضعف التنشئة فى المدارس والتى تصب جمْ اهتمامها على التلقين وثِقل الاختبارات دون تكوين شخصية ناضجة بمعايير تفتح عقلي، إلى سهولة الحصول على المعلومة فى زماننا هذا ؛فالكل (جوجل)!؛ مما أعطى لصاحب الشخصية الناقصة شعورًا واهيًا بكونه منبرٍ ثقافي يتعالى به على الآخر بمنظور (الأنا)، المتمثلة فى انغلاق الذات الإنسانية حول أفكارها المستمدة من الميديا رافضة الانفتاح على أي رأى مخالف.

من المؤشرات التى تضع المجتمعات الغربية فى الصدارة هو تطبيق مبدأ التعايش رغم الاختلاف؛ فالغرب يحيا بمبادئ الإسلام دون أن يدري؛ فديننا الحنيف والأديان السماوية كلها تدعو إلى إرساء ثقافة الاختلاف والتعددية وتقبل الآخر؛ وقد طبقه نبينا الكريم (عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام) حيث عاش المسلمين وغير المسلمين فى كنف الحضارة الإسلامية بأمان واستقرار بمبدأ (وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا) والتعارف هنا بمعنى تبادل المنافع والأفكار والثقافات لأن الاختلاف إرادة الله عز وجل (ولوشاء ربك لجعل الناس أمة واحدة)؛ فهى حكمته الربانية.

وهنا لابد أن نشير إلى نقطة هامة إلا وهى أن قبول الآخر لا يعنى بالضرورة اقتناعك برأيه فللكل الحق فى اتخاذ التصور الذى يراه؛ وإنما إقرار بوجود رأى مختلف واحترامه والإنصات له ومناقشته بتجرد وموضوعية وهدوء ورحابة صدر كل هذا تحت مظلة الاستقلالية دون الذوبان فى الآخر وإلغاء الذات والهوية الثقافية وهذا لن يتحقق فى مجتمعنا إلا بثقافة تُكتسب منذ التنشئة فى الصغر من الأبوين ومتابعة فى المدرسة من قبل المختصين مع تكثيف الضوء على تعلم مهارة الاستماع وهى ليست فقط مهارة مكتسبة؛ إنما وصفة أخلاقية فالكل يريد الحديث ولا من مستمع ولعل المضحك فى الأمر كوننا نشهد تلك الظاهرة إعلامياً  بين المذيع والضيف!.

قال الإمام علي كرم الله وجهه (الناس صنفان إما أخ لك فى الدين أو نظير لك فى الخلق) فربط هنا بين النفوس البشرية على طول الحياة برابطين ،أما الدين أو الخلق وهى أسمى معانى التعايش والسلام التى نتمنى تعزيزها فى مجتمعنا والذى تحول لساحة حرب يومية بين منشورات الفيسبوك ورسائل الواتس أب  وبينهما ضاعت الأخلاق.

 

بقلم ...دكتورة شيرين الملواني

أخبار الساعة

الاكثر قراءة