بقلم : إقبال بركة
الحلم بالتغيير، بحياة أفضل للجميع، بربيع دائم تنعم به مصر التى عانت طويلا من قيظ الصيف، كان أرضا من رمال ناعمة ابتلعت ناهد لاشين, خريجة معهد الخطوط العربية ذات الـ 39 ربيعا، الأم لثلاثة أبناء ذكور أكبرهم بالجامعة وابنة بالإعدادى، لم تعقها أعباء الأمومة وخدمة الأسرة عن أن تحلق بخيالها عاليا, لم تحلم ناهد لاشين بأن تصبح عمدة قريتها فقط وإنما دارت فى شوارع القرية وأزقتها تطرق الأبواب وتتحدث إلى الشباب وتخلب الألباب بفصاحتها وذكائها ووعيها وجرأتها, فما الذى أغرى تلك السيدة الجميلة ناهد لاشين بنت الشرقية لأن تقتحم عرين الرجال وتسعى لذلك المنصب فى قرية حانوت مركز كفر صقر؟!
منصب العمدة له مكانة كبيرة فى القرى المصرية يسعى الرجال للحصول عليه بكل الطرق وتختصم العائلات بسببه، لذلك نأت النساء عنه وآثرن السلامة, جسارة لم تمتلكها سوى عدد قليل من النساء أولهن كانت المحامية إيفا هابيل كيرلس (53 عاما) التى ورثت منصب عمدة قرية "كمبوها بحري" عن والدها، وقبل سنوات شغلت امرأة منصب رئيس مدينة في محافظة قنا، كما اختيرت امرأة مسلمة للعمل في منصب المأذون الشرعي, وبعد ثورتين اختبرت فيهما المرأة قدرتها على اقتحام الصعاب والمشاركة رغم كل الصعوبات، تشجعت ناهد وأفصحت عن حلمها, وكما هو متوقع تحمس الشباب على اعتبار أن الدستور الجديد أعطى كل الحقوق للمرأة وأن الديمقراطية التى يحلمون بها تفتح الأبواب أمام الجميع لكل المناصب، أما الشيوخ فقد عارضوا كعادتهم مكررين محاذيرهم المعلبة، صحيح أن الإسلام لم يحرم عمل المرأة ولكن يفضل أن تعمل المرأة فيما يتناسب مع طبيعتها كأنثى, وعمل العمدة أعباؤه صعبة لا يقدر عليها سوى الرجال، فهو قد يتعامل مع الخارجين على القانون وقد يتواجد فى أماكن غير آمنة..الخ وبالإضافة لذلك تصدى بعض الرجال ممن يحلمون بالمنصب لناهد كي تتنازل عن ترشحها.
فجأة وبعد أيام قليلة من احتفال العالم بيوم المرأة العالمى فى مارس الماضى اختفت السيدة ناهد وما زالت إلى اليوم لا يعرف لها أحد طريقا! لا الزوج ولا الأشقاء ولا الأبناء ولا الشرطة استطاعوا أن يعثروا على ناهد لاشين حية أو مقتولة, كأنها قشة ذهبت مع الرياح! والأدهى من ذلك ما يتردد من مبررات غريبة لغيابها، فمن قائل إنها اختفت بسبب خلافات عائلية بينها وبين زوجها، ومن قائل بأنها تعرضت لأعمال سحر قبل اختفائها!
ولابد أن يأتى يوم وتعرف الحقيقة ولكن إلى ذلك الحين سيظل السؤال معلقا فوق رؤوس المسئولين أين ذهبت ناهد لاشين, وما سر اختفائها؟! إن آلاف النساء ممن يتطلعن للفوز بمقعد فى المجالس المحلية ينتظرن بقلق الإجابة على ذلك السؤال, إلى متى ستظل القرى المصرية تعانى من سطوة العادات والتقاليد والعصبية القبلية ؟! وهل سيكون مصير من تمتلك الطموح والشجاعة إلى جانب المؤهلات لأن تشارك فى صنع مستقبل بلادها أن تختفى فجأة، ويعجز الكل عن العثور عليها؟! وهل ستعود السيدة ناهد لاشين لأبنائها وأسرتها وأحلامها التى تنتظر التحقق؟