رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

ماذا يحدث فوق هضبة أهرامات الجيزة؟


17-4-2025 | 19:55

.

طباعة
بقلم: أمانى عبدالحميد

تلك هى أيقونة الحضارة المصرية القديمة. هضبة صخرية تحتضن أهم وأقدم آثار حجرية فى العالم. جبانة ملكية لا مثيل لها. هى أهرامات الدولة القديمة. ملوك مصر العظام وفى مقدمتهم الملك خوفو. مما أكسبها مكانةً خاصةً لا ينافسها أى من المناطق أو المواقع الأثرية الأخرى. سواء داخل مصر أو خارجها. وبالرغم من أهميتها بالنسبة للبشرية جمعاء. فإن التعامل مع تاريخها وأثريتها وتفردها يستدعى التعمق فى دراسة كل ملمح من ملامح التغيير والتطوير والتنمية من أجل الحفاظ عليها كأقدم وأهم عجيبة حية من عجائب العالم القديم. وبالتالى ما يحدث فوق هضبة أهرامات الجيزة يجب أن ينال كل الاهتمام من الدولة المصرية كلها حتى لا يفقد مشروع التطوير، الذى طال انتظاره، فحواه وأهميته.

 

زمن طويل مضى فاق العشرين عامًا، ومشروع تطوير هضبة أهرامات الجيزة مطروح للنقاش والدراسة وتحديداً منذ أن كان الفنان فاروق حسنى وزيرًا للثقافة ويتبعه المجلس الأعلى للآثار برآسة د. زاهى حواس الذى أصبح أول وزير للآثار، والمشروع قيد الدراسة، سنوات من المحاولات المبتورة التى لم تجد وسيلة للتنفيذ. بدأت بإقامة أسوار ممتدة تحيط بهضبة الأهرامات لحمايتها من السرقات والحد من الزحف العمرانى والتوغل داخل حرم المنطقة الأثرية. وبعد سنوات نجح د. خالدالعنانى وزير الآثار السابق ومرشح مصر لرئاسة منظمة اليونسكو فى تغيير بعض من النظام الأساسى للعمل الأثرى وفتح الباب أمام تدخل القطاع الخاص والسماح لرعايته وضخ استثماراته داخل الآثار عبر السماح بالإشراف على المناطق الخدمية داخل المتاحف والمواقع الأثرية، وبالتأكيد كانت منطقة أهرامات الجيزة هى أول المواقع التى تم طرحها ونالتها شركة أوراسكوم بيراميدز للتنمية الترفيهية، سنوات انقضت والشركة تقوم بتغيير ملامح المنطقة الأثرية ككل. حيث أقامت الطرق والمطاعم والمقاهى داخل المنطقة الأثرية. علاوة على بناء منطقة خدمية ومركز الزوار عند المدخل الجديد للمنطقة الأثرية المطل على طريق القاهرة- الفيوم الصحراوى وهى المنطقة التى تستقبل الزائرين أولاً قبل التنقل إلى مسارات الزيارة. الأمر تكلف ميزانيات ضخمة «مليار ونصف المليار جنيه» من أجل مشروع التطوير الخدمى. وكعادة أهل مصر اهتموا بالحجر ونسوا البشر حيث إن عادة المصريين منذ الدولة المصرية القديمة هى ملازمة الملوك. وهو ما نراه بالقرب من كل منطقة أثرية عند البر الغربى لمدينة الأقصر، تل العمارنة الملاصق لمدينة آتون عاصمة دولة إخناتون، وكما هو الحال بالقرب من أهرامات سقارة ودهشور وغيرها من المناطق الأثرية التى تحيط بها القرى والتى ارتبط سكانها بها. لذا فإن وضع أهالى نزلة السمان لم يكن بجديد أو مستغرب طبقًا لقناعة المصريين الذين يفضلون العيش والموت فى معية ملوكهم. وبالتالى فإن أكبر وأهم جبانة ملكية لا يختلف كثيرًا عن غيرها. وتلك هى طبيعة العلاقة بين المصريين وآثارهم منذ عصور الدولة القديمة. وهى العلاقة التى يتناساها كل مَن يتعامل مع آثار مصر.

لذا عندما قررت وزارة السياحة والآثار وشركة أوراسكوم بيراميدز فى البدء فى التشغيل التجريبى لمشروع تطوير هضبة أهرامات الجيزة واجهت صعوبات واعتراضات وقطع طرق وتجاوزات من أصحاب الدواب والخيالة والجمالة والباعة الجائلين «أغلبهم من أهالى نزلة السمان». الخوف على مناطق سيطرتهم وأكل العيش دفعهم لرفض أى مشروع للتطوير. الأمر كان يتطلب تأهيلاً مجتمعيًا وتدريبًا وتنمية بشرية واهتمامًا أكبر كى لا يتحول البشر إلى أسباب فشل المشروع. خاصة أن كثيرين كانوا يجدون تجربة زيارة هضبة الأهرامات سيئة بسبب ملاحقتهم وإصرارهم على تقديم خدماتهم بشكل ملح ومزعج.

واليوم وبعد مرور سبعة أيام من بدء تطبيق نظام التشغيل الجديد بشكل تجريبى لايزال الخلاف مشتعلاً بين كل الأطراف التى تعمل فوق هضبة أهرامات الجيزة. الوضع الجديد قد يبدو غير مريح أو مربح لبعض أطراف المعادلة. مما يستدعى التمهل لمعرفة أسباب تلك الخلافات. وبالرغم من حرص وزارة السياحة والآثار على إصدار بيانات يومية تكشف عن خط سير العمل بالنظام الجديد. إلى جانب وجود لجنة مكونة من كل قيادات المجلس الأعلى للآثار تتواجد بشكل يومى داخل منطقة آثار الهرم لمتابعة تنفيذ خطة التطوير، لا يزال كل من تطأ قدمه المنطقة المترامية الأطراف يعانى من مظاهر الصراع المشتعل فوقها.

حقيقة ما يحدث فوق هضبة أهرامات الجيزة لا يعلمها سوى أطرافها المتناحرين. ما بين وزارة السياحة والآثار وشركة التطوير ورجال نزلة السمان والمرشدين السياحيين وشركاتهم كلهم أطراف صراع لا دخل للزوار به الكل يتصارع فى محاولة لإثبات أنه على صواب والضحية هو زائر المنطقة الأثرية.

وعلى مدار السنوات القليلة الماضية. وبالتحديد منذ تولى شركة أوراسكوم بيراميدز تنفيذ مشروع التطوير ظهرت كثيرًا من الاعتراضات خاصة مع تزايد عدد حفلات الموسيقى «تكنو هاوس» والأفراح أمام سفح الأهرامات. مما أثار مشاعر الغيرة على الجبانة الملكية والتى باتت موقعًا للاحتفالات دون مراعاة حرمة الأثر. وفى المقابل كان لا بد للوزارة والمجلس الأعلى للآثار مواصلة العمل خاصة مع تحديد موعد افتتاح المتحف المصرى الكبير بحلول شهر يوليو المقبل.

«من أجل وضع رؤية مستقبلية للمنطقة الأثرية وتحقيق زيارة سهلة ومريحة للزوار..» هكذا ينظر شريف فتحى وزير السياحة والآثار لمشروع التشغيل الجديد. ويردد قائلاً: «التغيير ليس سهلاً.. يحتاج بذل الجهد وتوفير كل الإمكانات المطلوبة لتحقيق أهداف التطوير..». مؤكدًا على استعداد الوزارة الكامل لتقديم كافة المساعدات وتسخير كافة إمكانياتها من أجل إنجاح التشغيل التجريبى لمشروع التطوير الممتد حتى نهاية شهر مايو المقبل قبل تنفيذ التشغيل الكامل للخدمات بالمنطقة الأثرية ككل، وبالتزامن مع الاستعدادات الخاصة لافتتاح المتحف المصرى الكبير بحلول شهر يوليو المقبل. لذا يقوم يوميًا بمتابعة لحركة الزيارة وفق نظام التشغيل الجديد. ويتابع تقارير اللجنة الأثرية التى يرأسها د. محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار وفريق العمل بالمنطقة بعد انتهاء مواعيد العمل الرسمية. الكل يؤكد على «استمرار انسيابية وسهولة حركة ومنظومة النقل بين المحطات ومسارات الزيارة داخل منطقة أهرامات الجيزة..». وأن شركة الخدمات تقوم بتوفير تجربة سياحية سهلة وميسرة وممتعة تجعل الزائر يرغب فى إعادتها مرات أخرى عديدة..» على حد تأكيدات الوزارة اليومية.

«تجربة سياحية متميزة أكثر سهولة ويسرًا واستمتاعًا.. والدليل زيادة نسبة عدد الزوار داخل منطقة أهرامات الجيزة بلغت 18فى المائة منذ اليوم الأول لبدء التشغيل التجريبى وبنسبة زيادة 68فى المائة عن نفس الفترة من العام الماضي..» طبقًا لتأكيدات الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المتواجدة يوميًا داخل المنطقة الأثرية منذ بداية التشغيل التجريبى.

وبالرغم من سهولة الدخول عبر البوابات الجديدة المطلة على طريق الفيوم الصحراوى، إلا أن المعضلة تكمن فى عملية نقل الزوار إلى داخل المنطقة الأثرية باستخدام أتوبيسات كهربائية. أعداد الزائرين أكبر من الطاقة الاستيعابية للوسائل النقل المتاحة. مما تسبب فى تكدس الركاب داخل الأتوبيسات. وتعذر قيام المرشدين السياحيين بتقديم الشروح التاريخية للمنطقة بشكل واضح. مما دفع الكثيرين منهم إلى اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعى وبث فيديوهات توضح حالات التكدس خاصة خلال الأيام الثلاثة الأولى. الأمر الذى جعل وزير السياحة والآثار يرد بقوله: «نتابع منظومة نقل السائحين باهتمام.. ونعمل على اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان عدم التكدس..». مؤكدًا على أن التشغيل التجريبى هدفه التعرف على التحديات والصعوبات التى تتعلق بخدمات السائحين واتخاذ القرارات اللازمة بشأنها. لذا قرر الوزير التخلى عن استخدام وسائل النقل الكهربائية والسماح لجميع الرحلات السياحية ذات المجموعات الكبيرة التى تتعدى الـ35 فردًا والرحلات السريعة بدخول المنطقة الأثرية بالحافلات الخاصة بهم. مع مراقبة مسارات الزيارة ومتابعة خط السير، مؤكدًاً على تواجد جميع مفتشى منطقة أهرامات الجيزة بالأماكن الأثرية المختلفة لمتابعة حركة منظومة النقل ودخول وخروج الحافلات بالمحطات المخصصة لمسارات الزيارة.

وتظل مشكلة الخيالة والجمالة هى أكبر تحدٍ يواجه مشروع التطوير والتشغيل التجريبي، حيث قرر أهالى نزلة السمان المحتكرين العمل فى مجال ركوب الخيل والجمال داخل هضبة الأهرامات قطع الطريق وإعاقة حركة سير الأتوبيسات داخل المنطقة الأثرية. ظلوا سنوات طويلة يحاصرون الزوار ويتتبعون خطاهم لتقديم خدماتهم دون الالتزام بمكان يخصهم أو حتى تسعيرة موحدة. لكن الأمر اختلف ضمن مشروع التطوير. هناك مكان مخصص لهم ونظام تشغيل يضمن عدم إجبار الزائرين أو مطاردتهم. والأهم هو الحفاظ على نظافة المنطقة الأثرية من فضلات الحيوانات التى كانت تتسبب فى انتشار رائحة كريهة.

وهى المشكلة التى أعاقت العمل بالنظام التشغيلى الجديد ودفعت الشركة المسئولة عن تنفيذ المشروع نحو توفير أكثر من 45 أتوبيسًا لنقل الزوار. وأكدت فى بيان رسمى أن عملية نقل أصحاب الدواب إلى منطقة التريض المخصصة لهم واجهت مشكلة خلال اليوم الأول للتنفيذ. حيث تضمن مشروع التطوير إعادة تأهيلها ضمن المنظومة كإحدى المحطات السبع بهدف تنظيم تجربة ركوب الجمال والخيول للراغبين من الزوار، دون الإخلال بحركة النقل الرئيسية داخل المنطقة الأثرية. لكن للأسف اضطرت الشركة للعودة إلى المسارات القديمة بعد ضغط أصحاب الدواب والخيالة والجمالة وعدم استخدام طرق الإسفلت. ومع انتصاف اليوم الأول قاموا بقطع الطريق «دون تدخل حاسم من الجهات الأمنية» على حد تعبير الشركة. مما أدى إلى تكرار ذلك فى أكثر من موقع، وبالتالى توقف حركة الأتوبيسات وتعطيل كامل للمنظومة. صحيح أنه ومع توالى الأيام بدأت حركة السير تنتظم نوعًا ما. ومن هنا تأتى أهمية التشغيل التجريبى كى يمكن دراسة كل المعوقات وإيجاد الحلول والتعامل مع الأزمات الطارئة قبل الإقرار بكل تفاصيل التشغيل النهائى لهضبة أهرامات الجيزة بالكامل وفق النظام الجديد. والأهم هو القدرة على إعادة تأهيل كل العاملين وأهالى نزلة السمان بشكل يجعلهم يتقبلون التطوير وينخرطون ضمن منظومة التشغيل بشكل إيجابى.

وكانت وزارة السياحة والآثار قد بدأت التشغيل التجريبى لمنطقة آثار هضبة أهرامات الجيزة يوم الثلاثاء الماضى من أجل الارتقاء بجودة التجربة السياحية التى سوف يتلقاها زائرو المنطقة من السائحين المصريين والأجانب منذ دخول المنطقة الأثرية. وقررت غلق المدخل القديم «بوابات الميناهاوس» واستخدم البوابات الجديدة المطلة على طريق القاهرة- الفيوم. إلى جانب تخصيص أتوبيسات وحافلات كهربائية فى عملية التنقل بين المحطات المختلفة لمسار الزيارة. وذلك من خلال تهيئة سبل الراحة والأمان للزائرين، من مظلات، وأنظمة إضاءة حديثة، وتنظيم دخول الحافلات السياحية من البوابات الجديدة، ثم التوقف فى ساحات انتظار مخصصة تتسع لنحو 1200 سيارة وحافلة. بالإضافة إلى تشغيل البوابات الذكية الخاصة بالتذاكر الإلكترونية، ومركز الزوار وما يقدمه من خدمات للزائرين. وافتتاح منطقة البانوراما والبازارت والأماكن المخصصة للباعة الجائلين من أجل تواجدهم بشكل لائق لا يتعارض مع تطوير المنطقة الأثرية ولايؤثر سلبًا على التجربة السياحية للزائرين.

 

أخبار الساعة