في مقالات عديدة تعرضت بسرد تاريخي موثق لحجم المشكلة التي تواجه الوطن نحو إيجاد وسيلة لإنهاء مشكلة الإسكان فى مصر. وإنهاء العوار التشريعي في المنظومة القانونية التي تحكم العمران فى مصر حيث تعانى المحروسة من أنظمة متعددة في إيجارات المساكن، ولعل مصر هي الدولة الوحيدة في العالم التي تنفرد بجمع هذه الأنظمة معاً. وعلى سبيل المثال لدينا شقة إيجار مفروش» أو شقة «إيجار فاضي». شقة إيجار قديم وشقة إيجار جديد (قانون (4 لسنة (1996) وشقة إيجار جديد بتعديل 201 لسنة 2005
صدق أو لا تصدق كل هذه الأنظمة تنظمها قواعد وقوانين ولوائح، وطبعا الفارق عظيم وعظيم جدا بين نظام وآخر في «الإيجار القديم مهزلة إنسانية لا يمكن قبولها بأي شكل من الأشكال إلا أن قانون تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر يمكن أن يكون حلا سحريا لهذه المعضلة، ولكن هذا يتطلب جهدا حكوميا، وشعبيا ومن منظمات المجتمع المدنى لكى تنهى عصرا من الظلم الاجتماعي بدأ مع تخفيض الإيجارات منذ عام 1920 وتوالت القرارات في الخمسينييات والستينييات حتى وصلت إلى قتل أي إنسان يفكر في بناء عمارة للسكنى أو حتى يفكر فى إنشاء عمارة ليسكن فيها هو نفسه، قتلنا فئة في المجتمع كانت تسمى من ذوى الأملاك)، وكانت هذه الفئة هي الحل السحرى للقضاء على أية صعوبات في إيجاد شقة للإيجار، ولعل هذا القانون وقد شاركت فى إعداده ضمن مجموعة طيبة من نخب مثقفة مصرية إلا أن الحكومة لم تجرؤ على تقديمه أو قبوله فهى حكومة مش عايزة وجع (دماغ) كفاية اللي هي فيه !!
وللأسف الشديد توالت التعديلات التشريعية وكلها كانت ضد المالك وغير عابئة بالآثار الجانبية لهذا العوار الدستورى.
حيث صدر القانون رقم (136) لسنة 1981 والمعدل والمكمل للقانون رقم (49) لسنة 1977 وقد تضمن قواعد وإجراءات تحديد الأجرة وقيمتها في الأماكن ضمن المواد من رقم 1 إلى رقم 6 ثم تصحيح بعض أوضاع الأماكن القديمة من المواد رقم 7 إلى رقم 10 ثم التخفيف من أعباء الضريبة على بعض العقارات في المادة 11 ثم العمل على توفير المساكن فى المادة 8 المادة 12 ثم العقوبات والأحكام العامة .
وبتاريخ 1996/1/30 صدر القانون رقم «4» لسنة 1996 والذي قرر تطبيق أحكام القانون المدنى على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها والأماكن التي انتهى عقود إيجارها قبل العمل بهذا القانون . وفي 1997/3/26 اضطرت الحكومة للتدخل على عجل الإصدار
القانون رقم
"6" لسنة 1997 بتعديل الفقرة الثانية من المادة رقم (29) من القانون رقم
(49) لسنة 1977 أثر صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 1997/2/22 بعدم دستورية ما تضمنته المادة 29 من القانون رقم (49) لسنة 1977 بشأن استمرار عقد الإيجار وتوريثه لورثة المستأجر، وما لبثت الأمور أن تعقدت من جديد أثر تضرر المستأجرين للأماكن المؤجرة لغرض غير السكني من زيادات الأجرة الواردة بالقانون رقم (6) لسنة 1997 والأمر الذي أدى لصدور القانون رقم (14) لسنة 2001 باستبدال نص الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من القانون رقم (6) لسنة 1977 لتخفيض الزيادة السنوية الدورية، ومازالت العقود تتوارث بنفس القيمة الإيجارية دون أي ارتفاع فى قيمتها ولا موعد لإنهائها طبقا للقوانين والمساكن التي أنشئت قبل صدور القانون رقم (4) لسنة 1996 .

وقد تدخلت وزارة الإسكان بعد تولى الوزير المهندس أحمد المغربي بتعديل تشريعى فى القانون رقم (4) لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون المدنى على الأماكن التي انتهت أو انتهى عقود إيجارها دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها، وصدر بمجلس الشعب باسم الشعب رئيس الجمهورية قانون رقم (137) لسنة 2006 تضاف فقرة ثانية إلى المادة الثالثة من القانون (4) لسنة 1996 نصها الآتى: ويكون للمحررات المثبتة لهذه العلاقة الإيجارية وشروطها وإنهائها قوة السند التنفيذي بعد توثيقها بحضور أطرافها»، وهو ما يعرف بقانون الإيجار الجديد، متجاهلا كل ما هو سابق للعقارات التي تعاني وأصحابها من النسيان. وهكذا أصبح للمؤجر حق تطبيق عقد الإيجار دون اللجوء للمحاكم بغية إنهاء العقد في موعده وتطبيقا لشروطه.
ثم قررت القيادة السياسية المصرية فور إيلائها الاهتمام بهذه القضية أن كلفت جهاز التعبئة العامة والإحصاء بوضع البيانات الصحيحة من الميدان في التعداد الإحصائي الأخير، والذي وضع النقاط على الحروف بأن 6 في المائة من سكان مصر هم المستأجرون سواء ما قبل قانون 12 لسنه 1966، أو ما قبله، كما أن الإحصائيات أثبتت أن لدينا أكثر من اثني عشر مليون وحدة سكنيه مغلقة، سواء كانت مؤجرة أو تحت التشطيب أي أن مصر ليس لديها مشكلة إسكان، ولكن لدينا مشكلة وحدات سكنية) غير مشغولة لأسباب متعددة وغير معقولة وغير منطقية !!
كل هذه التشريعات الاستثنائية التي تحكم العلاقة فيما بين المالك والمستأجر رسخت النفور من الاستثمار التأجيري وفي تدهور حال البنية العمرانية، وانتشار الحقد بين المالك والمستأجر وعشرات الآلاف من القضايا في المحاكم فى محاولات لاسترداد حقوق الملكية المهددة بالقانون والذى خالف كل مواد وأحكام الدستور المصرى الذي قضى على حماية وصيانة الملكية وحرية التصرف فيها.
وجاء حكم المحكمة الدستورية في 5 مايو 2018 لكى يلزم مجلس النواب قبل انتهاء الفصل التشريعي بإصدار قانون ينظم ويحرر العلاقة بين المالك والمستأجر في الأماكن الاعتبارية» ولم يوفق مجلس النواب حتى عام 2022 من إقرار قانون بهذا الحكم الدستوري.
ثم أخيرا جاء الحكم الدستوري الأخير الذي يلزم مجلس النواب بتشريع قانون ينهى هذه المسألة خلال هذه الدورة وإلا أصبح حكم المحكمة الدستورية نافذا ..
وأوضح أهم السلبيات والإشكاليات فى القوانين الحالية التي تحكم المنظومة العمرانية في مصر

أولا: عدم دستورية تأبيد عقود الإيجار، جرى نص المادة الثانية من الدستور المصرى على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع هذا وقد أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية على أن عقد الإيجار ينصب على استئجار منفعة لمدة مؤقتة يحق للمؤجر بانتهائها أن يطلب إخلاء العين من مستأجرها وهو يؤدى إلى امتناع تأبيد هذا العقد ولا تجهل مدته .
فلما كانت قوانين إيجار الأماكن قد خالفت هذه النظرية، فهى بذلك تكون خالفت الدستور، الأمر الذي يلزم معه والحال كذلك إلغاء مخالفتها هذه.
ثانيا: مخالفة قوانين الإيجار الاستثنائية السياسة الدولة الاقتصادية، حينما تحولت سياسة الاقتصاد المغلق إلى سياسة الاقتصاد الحر وإعمال آليات السوق، وهو يتعارض مع القوانين القائمة بصفة عامة .
مؤجرها على حقوق غيره عاصفا بها أو محددا في مجال تطبيقها، وإلا أقام كل منهما حربا على الآخر، وبالتالى فلا يجوز أن يكون مغبون الأمس وهو المستأجر غابنا ولا أن يكون تنظيم المشرع للعلائق الإيجارية فيما بين طرفيها إجحافاً لأيهما . فلا يقسط في الحقوق التي يكلفها لكل منهما بل ينحاز لأحدهما افتتانا على الآخر؛ ليحل الصراع بين هذين المتعاقدين بديلا عن التعاون بينهما .
ثالثا: الإضرار بالاقتصاد القومى، فقد أدت قوانين الإيجارات إلى إحجام المستثمرين الصغار عن الاستثمار في مجال البناء بغرض التأجير، الأمر الذي أدى إلى حرمان السوق المصرى من حركة دوران مؤثرة في حوالى 80 في المائة من الأنشطة الممارسة في الأسواق.
كما أدت إلى توجيه غالبية مدخرات المصريين لتوفير المسكن بدلاً من المشاركة في استثمارات تفيد الاقتصاد القومى بمساهمتهم بجزء من مدخراتهم المالية فى المشروعات الاستثمارية.
ولعل من الجدير بالذكر فى مقالى هذا أن نتطرق إلى الآثار الإيجابية التي سوف تنعكس على المجتمع والدولة بتنحية هذا العوار الدستوري في مصر حيث بإلغاء هذا القانون سوف يتم الآتى:
رابعا: الخلل الاجتماعي حيث الأصل فى العلائق أو العلاقات الإيجارية أن يتحقق التضامن بين مؤجر العين ومستأجرها من الواجهة الاجتماعية، وأن تتكامل مصالحها من زاوية اقتصادية فلا تتأكل حقوق مؤجر العين التواء وإيثاراً لمستأجرها، ولا ينقض
1 إنعاش خزينة الدولة بمليارت الجنيهات من الضرائب العقارية وضريبة الثروة العقارية التي سيتم تحصيلها من ملاك المباني المؤجرة سواء حكوميا أو تجاريا أو إداريا أو سكنيا بعد تحديد العلاقة الإيجارية وتحصيل القيمة الحقيقية حسب آليات السوق .
-2 إيرادات هائلة لوزارة الأوقاف وبعض الوزارات التي تمتلك أصولا عقارية ضخمة حال تأجيرها بالقيم الإيجارية العادلة والسوقية.
-3 إيرادات هائلة من العملات الأجنبية بعد إنهاء عقود الإيجار القديم لمقار البعثات الدبلوماسية ثم تأجير هذه المقار بالقيم الإيجارية الحقيقية العادلة إلا في حالة المعاملة بالمثل).
-4- إنعاش قطاع هام من قطاعات الاقتصاد القومى بضخ ثروة عقارية هائلة في شرايين الاقتصاد المصرى بعد فتح ملايين الوحدات المغلقة نظرا لتدنى قيمتها الإيجارية، مما يساهم في خفض القيمة الإيجارية للوحدات المؤجرة بقيمتها الحقيقية وعودة النظام الإيجاري في السكن، والذى تقلص كثيرا بسبب ارتفاع الإيجارات بشكل مبالغ فيه نظرا لقلة المعروض، وكذلك سيتم خفض أسعار تمليك الوحدات السكنية حسب نظرية العرض والطلب .
-5- إنشاء صندوق لدعم المستأجر غير القادر من الضرائب العقارية وضريبة الثروة العقارية المحصلة، يكون الغرض منه دعم المستأجر غير القادر على دفع القيمة الحقيقية للإيجار العادل التي يقطنها توصيل الدعم لمستحقه فقط)، كما تفعل سائر الدول المتحضرة بشرط تقديم المستأجر غير القادر على دفع قيمة الإيجار السوقية إقرار ذمة مالية عنه وعن أبنائه، وفى هذه الحالة يدفع فرق
الإيجار من الصندوق.
- عودة النظام الطبيعى لخدمة السكن وهو نظام التأجير والذي سيعطى الحرية للأفراد محل سكنهم بالقرب من مقار عملهم مما يعود بالإيجاب على التوفير فى المحروقات المدعومة والمساهمة في حل الاختناقات المرورية، وكذلك سيعطى الفرصة لرب الأسرة للعودة من عمله مبكرا وقضاء أكبر وقت ممكن مع أسرته، مما يساهم في عودة الترابط بين أفراد الأسرة المصرية والذي افتقدناه كثيرا في العقود الأخيرة .
-7- عودة ملاك العقارات القديمة فى استثمار أموالهم في بناء العقارات بغرض التأجير مما يرفع العبء عن كاهل الدولة صرف المليارات على حل مشكلة الإسكان في مصر وتوجيه هذه المليارات للتنمية وكذلك مساعدة الدولة في القضاء على ظاهرة العشوائيات وظاهرة سكان المقابر والذى لا يليق بدولة بحجم ووزن و تاريخ مصر. عودة رونق التراث الحضارى المصرى والمتمثل في ثروة عقارية هائلة ذات طراز معمارية فريدة ومتميزة تروى تاريخ وعظمة مصر، وذلك بعد حصول الملاك على القيم الإيجارية العادلة الحقيقية للوحدات المؤجرة، والتى تمكنهم من إعادة ترميمها وصيانتها والمحافظة عليها واستغلالها سياحيا واقتصاديا بما يعود بإيرادات هائلة للموزانة العامة للدولة.
9 حل مشكلة العقارات القديمة المتهالكة بالإزالة، والتي تعتبر هى القنابل الموقوتة الحقيقية والتي بدأت فعلا في الانفجار في صورة انهيارات متتالية لعقارات أصبحت مقابر لساكنيها، وذلك مع إمكانية إعادة بنائها، مما يساهم أيضاً في ضخ وحدات جديدة بالسوق العقاري .
10 تخفيف الضغط على دوائر المحاكم بإنهاء النزاعات القضائية المزمنة وإنهاء حالة الاحتقان بين المالك والمستأجر والتي تستمر سنوات تهدر فيها الأموال والوقت والجهد والتي وصلت بينهم إلى ارتكاب جرائم وصلت إلى حد القتل، مما يؤدى إلى تحقيق السلم المجتمعي الذي ننشده جميعا (60) في المائة من القضايا المتداولة قضايا إيجارات قديمة).
-11- وقف ظاهرة ابتزاز معظم المستأجرين لملاك العقارات لترك وحداتهم بطلب مقابل مادى يقترب من سعر الوحدة، مما أدى إلى تفشى العداوة الكراهية بين المالك والمستأجر ..
-12 - تحقيق الالتزام بمواد الدستور الذي أقسم على احترامه كل مسئول بالدولة وجميع نواب الشعب).
ولعل في هذا المقال يرى صاحب القرار السياسي الآثار الإيجابية، والتي ستنعكس على الجميع وليس فقط على ملاك العقارات المهضوم حقهم منذ أكثر من مائة عام.
واليوم نواجه قرار محكمة دستورية حازما وصادما موجها للحكومة ومجلس النواب بتشريع قانون ينهى هذه المسألة خلال هذه الدورة وإلا أصبح حكم المحكمة الدستورية نافذا وهنا أصبحت الحكومة ومجلس النواب في موقف لا يحسدان عليه حيث وجب وضع التشريع والقانون وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر وتنظيم القيمة الإيجارية العادلة طبقا للظروف الاقتصادية والتضخم.
أرى أن المصريين جميعاً يجب أن يسعدوا بهذا المشروع بقانون ونحترم جميعا الإرادة السياسية التي توفرت لإنهاء هذا العوار غير الدستوري في مصر.