فى قلب صحراء سيناء، ووسط هدوء الوادى المقدس، يقف دير سانت كاترين شامخا شاهدا على آلاف السنين من التآخى الدينى والتاريخى العريق.. هذا الدير الذى يحمل بين جدرانه أسراراً سماوية، عاد إلى دائرة الضوء مجدداً بعد حملة شائعات مغرضة، دفعت بالرئيس عبدالفتاح السيسى لإعلان موقف حازم وصريح خلال زيارته الرسمية إلى اليونان، مؤكدا أن مصر لا يمكن أن تتخذ أى إجراء سلبى تجاه هذا الموقع المقدس، الذى يعد رابطاً أبديا بين الشعبين المصرى واليونانى.
هذا الدير، رمز التجلى الإلهى، يقع تحت حماية الدولة المصرية، والرئيس السيسى أكد أن بلاده لا يمكن أن تمس هذا المكان المقدس، بينما الشائعات تهدف للعبث بالمودة مع اليونان، كما أن مدينة سانت كاترين بالكامل، تشهد تطويراً شاملاً بتكليف رئاسى، ليصبح مزارا عالميا يليق بالمكانة الروحية لهذا الدير..
الرهبان والقساوسة بدير سانت كاترين، عبروا عن تقديرهم العميق لما يتم من أعمال تطوير غير مسبوقة، وأكدوا أن هذه المرحلة هى الأكثر اهتماما وفاعلية فى تاريخ الدير الحديث، كما أنهم لم يشاهدوا اهتماماً مماثلا للدير من قبل، مثلما يحدث فى الأعوام العشر الأخيرة.
ففى عمق الوادى المقدس تتجلى الروحانية والقداسة فى أبهى صورها عند دير سانت كاترين، أحد أقدم الأديرة فى العالم، وحلقة الوصل الروحية بين الشرق والغرب، ومع تصاعد شائعات مغرضة زعمت اتخاذ الدولة المصرية خطوات سلبية تجاه هذا الصرح التاريخي، جاء الرد سريعاً واضحاً من أعلى مستوى ليؤكد أن مصر لا يمكن أن تقدم على ما يخالف ثوابتها الراسخة فى احترام المقدسات والأديان، وفى الوقت نفسه، تدشن مشروعات تطوير الدير والمنطقة المحيطة به بخطى ثابتة، تنفيذا لتكليفات رئاسية هدفها تحويل المكان إلى مزار عالمى يعكس روحه الفريدة وتاريخه المقدس.
استياء الرئيس كان واضحاً - عبر عنه خلال زيارته الرسمية إلى العاصمة اليونانية أثينا، فى مواجهة الشائعات التى نالت من قدسية دير سانت كاترين، قائلًا: «انزعجت بشدة عندما أثير أن القاهرة قد تقوم بأى إجراء سلبى بشأن سانت كاترين»، مؤكداً أن التاريخ يؤكد أن ثوابت السياسة المصرية لا تتغير».
كما أكد أن التعاقد بين دير سانت كاترين والدولة المصرية هو تعاقد أبدى لا يمكن لأحد أن يمسه، وأن أى أمر يخص الدير، الدولة مستعدة لإنجازه، فهذا الدير يحمل بين طياته جثمان قديسة منذ أكثر من 1500 سنة موجودة فى مصر.
الرئيس ذكر – كذلك، موقف القاهرة الثابت من احترام التعدد والتنوع، قائلاً: «العشر سنوات الماضية ركزنا وبشدة على نقاط محددة لدى الرأى العام فى مصر، ثم انتقلت إلى الرأى العام المحيط بالمنطقة.. وعندما حرق المتطرفون 65 كنيسة هنا، قمنا بإعادة بنائها مجدداً، وفى المجتمعات العمرانية الجديدة يتم بناء المسجد والكنيسة معاً، ومصر إذا كان بها مواطنون يهود، كنا سنقوم ببناء معابد لهم أيضاً».
وأكد سعى مصر لتقديم هذه البقعة المقدسة - التى شرفت بتجلى الله عليها، فى أبهى صورة لها تقديرا لقيمتها الروحية، وجعلها مزارا سياحيا عالميا يليق بمكانتها، كونها حاضنة للأديان السماوية الثلاثة.
دير سانت كاترين (بوابة الغفران والتوبة)
دير سانت كاترين بجنوب سيناء، يتبع حاليا الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية بعد أن كانت وصايته للكنيسة الروسية، تم بناؤه فى القرن السادس الميلادى فى عهد الإمبراطور جستنيان، ويضم مجموعة فريدة من الرموز الدينية التى تجسد الوحدة بين الأديان، شجرة العليقة المشتعلة غير المحترقة، كنيسة التجلى، الجامع الفاطمى ذو المئذنة المجاورة لبرج أجراس الكنيسة.. كما تحيط به، جبال روحانية فريدة مثل جبال (موسى، التجلى، والصفصافة)، ويصعد الزوار عبر طريق الحج القديم، الذى يضم 3500 درجة، تتخللها بوابتا الغفران والتوبة.
يؤكد اللواء محمود نصار رئيس الحهاز المركزى للتعمير، أن الرئيس السيسى، كان تكليفه واضحاً، متمثلاً فى تطوير مدينة سانت كاترين ووضعها بمكانتها اللائقة التى تستحقها هذه البقعة الطاهرة المقدسة، مع إقامة مدينة جديدة، وتعظيم الاستفادة من المقومات السياحية هناك، ذات الطابع الأثرى والدينى والبيئى والتراثى معاً، وذلك تماشيا مع اتجاهات التنمية المستدامة.. وأضاف: «كانت أهم التعليمات أن تكون مدينة خضراء»، وعليه تم إصدار قرار بتحويل كافة مركبات النقل العام إلى مركبات كهربائية، وعمل ثلاث محطات للشحن الكهربائى، وأكثر من 11كم مسارات للمشاة والدراجات.
وأشار إلى أنه يتم تطوير منطقة وادى الدير، التى تضم دير سانت كاترين، المزار الروحى والأثرى العالمى، الذى ذكرته جميع الأديان السماوية، ويشمل المشروع تنفيذ مسار للمشاة، ومسار للجمال، واستبدال الأرضيات بالجرانيت المتماشى مع البيئة، وكذلك تطوير مبرك الجمال القديم وإنشاء آخر جديد لخدمة رحلة جبل موسى ودير سانت كاترين، وينتهى مسار وادى الدير بمركز الزوار والطريق الرئيسى.
14 مليار جنيه إجمالى الاستثمارات
وتتولى الوزارة المشروع، الذى ينفذه الجهاز المركزى للتعمير، وبتمويل من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 14 مليار جنيه.
وتشمل المشروعات المخططة التى يتم تنفيذها بمدينة سانت كاترين، مركز الزوار الجديد بمدخل المدينة بموقع ميدان الوادى المقدس على مساحة ضخمة ويمثل نقطة استقبال وتوجيه محورية للسائح والزائر من خلال مبنى حديث يشمل الاستقبال والمعلومات، ومحلات هدايا تذكارية، مكاتب إدارية، مكاتب حجز رحلات وطيران، مطعم وكافيتريا، صيدلية، قبة سماوية لمشاهدة أفلام ثلاثية الأبعاد عن التاريخ التراثى والروحانى لسانت كاترين وجبل سيناء، بحيرة صغيرة، حديقة تضم نقطة وصول ومناطق انتظار منظمة للسيارات والأتوبيسات والعربات الكهربائية، منطقة أخرى للاستجمام تضم مقاعد للجلوس فى الطبيعة وبحيرة صغيرة مع استخدام المكونات والألوان المحلية المتماشية مع الطبيعة المحيطة.
فندق جبلى متكامل و«درب موسى»
وسيتم إنشاء فندق جبلى متكامل بغرف متنوعة وأجنحة، وحمامات سباحة وكبائن إقامة، ويتمتع بإطلالات متعددة على دير سانت كاترين وهضبة التجلى ووادى الراحة مع حديقة جبلية خلفية ذات تكوينات صخرية نادرة، ويقوم المشروع على استغلال التجويف الكبير الموجود فى الجبل بوادى الراحة لإنشاء الفندق الجبلى، ليضم كافة المقومات التى تجعله فندقا عالميا يتمتع بإطلالات متعددة.
ومن المقرر إنشاء ممشى «درب موسى» ليحاكى المسار التاريخى لسيدنا موسى عبر وادى الراحة وصولاً لجبل التجلى، بالإضافة إلى تطوير عدد كبير من شاليهات النزل البيئى القائم، وتطوير مطعم الصفصافة لاستيعاب وخدمة السياح والزوار، بالنزل البيئى الجديد والقائم.
أحياء سكنية وخدمات ترفيهية
ويشمل مشروع المنطقة السياحية فى سانت كاترين، «تطوير مركز المدينة التراثى القائم»، وتشمل الأعمال رفع كفاءة وتطوير مسجد الوادى المقدس وتطوير المحلات القائمة، وإنشاء بازارات جديدة وتحويل المنطقة إلى منطقة سياحية تراثية للمشاة فقط تناسب طابع المدينة، وكذلك تطوير منطقة إسكان البدو بتكسية المنازل بحجر كاترين ليتماشى مع طبيعة المكان وتنسيق الموقع العام، وإنشاء المجمع الإدارى الجديد، وأعمال تنسيق الموقع بمسار المشاة الرئيسى بوادى الأربعين من مركز الزوار حتى مركز المدينة، ليكون متنزها طبيعيا، يتخلله مسارات مشاه ودراجات ومزارع أشجار زيتون.
تطوير المرافق وإنشاء شبكات طرق بأحدث النظم
هذا كله، مع تطوير وإنشاء شبكات الطرق للحركة الآلية وتطوير ورفع كفاءة البنية التحتية وشبكات المرافق، إلى جانب تنفيذ أعمال الوقاية من السيول، وتشمل معالجة مخرات السيول التى تم مراعاة مساراتها فى تصميم المخطط العام للمدينة، ومعالجتها، بحيث تصبح عنصرا إيجابيا ضمن شبكة المسارات وتنسيق الموقع بالمدينة.
كما يتم العمل على الانتهاء من أعمال رفع كفاءة وتوسعة وازدواج الطريق من كمين النبى صالح وحتى مبنى الزوار.. كذلك تنفيذ أعمال توسعة وازدواج ورفع كفاءة الطريق من مطار سانت كاترين حتى كمين النبى صالح.. وأعمال توصيل الكهرباء بالقدرة المناسبة لتشغيل التطوير والتوسع المستقبلى، شاملة إنشاء محطة محولات سانت كاترين الجديدة، وتنفيذ خط الربط الهوائى من محطة نويبع القائمة إلى محطة محولات سانت كاترين، مع توسعة محطة محولات نويبع القائمة وإنشاء مبانى المحولات والموزعات، ومد الكابلات الأرضية، وقد تم إطلاق التيار الكهربى على محطة محولات سانت كاترين الجديدة فى 25 أبريل الماضى، بالتزامن مع الاحتفالات بأعياد تحرير سيناء.
محافظ جنوب سيناء: مصر تبعث الأمل للتعايش السلمى من سفح جبل موسى
من جانبه قال اللواء الدكتور خالد مبارك، محافظ جنوب سيناء، إن مشروع التجلى الأعظم، أحد أهم وأعمق المشروعات القومية التى تنفذها الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهو مشروع يحمل أبعادا سياسية وروحية وثقافية بالغة الدلالة.
ومن قلب صحراء سيناء، وتحديدا عند سفح جبل موسى، عند الوادى المقدس طوى، يقع دير سانت كاترين كأيقونة روحية فريدة من نوعها، وواحد من أقدس المواقع على وجه الأرض على أرض التجلى الأعظم والأوحد.
وعبر الرئيس السيسى خلال زيارته الأخيرة إلى اليونان عن المكانة التى يحتلها الدير، مؤكدا أنه رمز للإيمان فى زمن عز فيه الإيمان، ومؤسسة لها طبيعة خاصة وارتباط أزلى بمصر.
وأضاف محافظ جنوب سيناء، أن الدير ليس مجرد مبانٍ أثرية، بل هو شاهد حى على التاريخ المشترك للأديان السماوية الثلاثة، ويضم مكتبة عالمية للمخطوطات، وشجرة العليقة المقدسة، وكنيسة التجلى، إلى جانب مسجد صغير بنى داخل أسواره منذ قرون، فى دلالة نادرة على التسامح الدينى والتعايش البشرى.
ومن هذا المنطلق، تولى القاهرة أهمية قصوى للدير، باعتباره مركزا روحيا وإنسانيا عالميا، ومسئولية الحفاظ عليه تعاقد أزلى بين مصر والتاريخ، كما وصفه الرئيس السيسى، موضحاً أن الدولة المصرية ومحافظة جنوب سيناء، يدركان أن الكنوز الروحية والتاريخية لا تقدر بثمن، لذلك تبنت رؤية شاملة لتطوير هذه المواقع، وفى مقدمتها دير سانت كاترين، مع الحرص الكامل على الحفاظ على قدسيتها وندرتها البيئية.
ومن أبرز أوجه هذا الدعم إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ عام 2022 مشروع التجلى الأعظم فى مدينة سانت كاترين لتطوير المنطقة بالكامل كوجهة عالمية للسياحة الروحية والبيئية وبتكلفة حكومية تبلغ 14 مليار جنيه.. وتطوير شبكة الطرق المؤدية إلى الدير، خاصة طريق نويبع – سانت كاترين، لتسهيل الوصول إليه، وإنشاء مراكز للزوار وخدمات متكاملة، تراعى الطابع البيئى والثقافى للمكان.
وأشار إلى أن رؤية الدولة فى هذا المشروع، تتجاوز مجرد التنمية العمرانية، لتؤسس لرسالة حضارية وإنسانية تعكس هوية مصر كأرض احتضنت رسالات السماء، وملتقى للأديان والثقافات.. وكذلك الترويج للسياحة الدينية والثقافية بالتعاون مع شركاء دوليين ووسائل إعلام عالمية، ودعم الأهالى والحرف التقليدية فى محيط المواقع المقدسة، مما يعزز التوازن بين التنمية والحفاظ على الهوية.
وأكد محافظ جنوب سيناء، أن العمل يتم بشكل وثيق مع منظمة اليونسكو للحفاظ على الطابع التراثى والدينى للمنطقة، وضمان توافق المشروع مع المعايير الدولية، بما يعزز من قيمة سانت كاترين كموقع تراث عالمى، كما يجرى التنسيق الدائم بين الوزارات المعنية، وعلى رأسها (الإسكان، السياحة والآثار، الثقافة، البيئة، والتنمية المحلية)، لضمان تنفيذ المشروع بروح تكاملية.
ولفت د.خالد مبارك إلى أن الهدف القومى للمشروع لا ينفصل عن البعد السياسى لمكانة مصر فى محيطها الإقليمى والدولى، فنحن لا نبنى مجرد منشآت، بل نعيد تقديم مصر للعالم باعتبارها مهد الحضارات وواحة للسلام والتسامح، وهو ما يتجلى بوضوح فى مدينة سانت كاترين، حيث تتناغم الرسالات السماوية على أرض واحدة، وتتوحد فيها الإنسانية حول قيم الخير والمحبة.
وأتم محافظ جنوب سيناء، مؤكداً أن سانت كاترين ليست فقط مدينة فى قلب سيناء، بل هى رمز عالمى للتسامح والتلاقى الروحى، ومن هنا تأتى أهمية التعاون القائم بين مؤسسات الدولة كافة لتحويل هذه البقعة المقدسة إلى عاصمة عالمية للأديان والثقافة والسياحة الروحية والبيئية، وهو ما أكده الرئيس خلال زيارته إلى اليونان، مشددا على أن مصر تسعى لتقديم نموذج فريد للتعايش الإنسانى على أرضها.

