بعد سلسلة الهجمات والعنف المستمر وتصعيد حاد استمر لأيام بين الهند وباكستان، أعلنت الدولتان موافقتهما على وقف فورى لإطلاق النار فى منطقة الهيمالايا بعد محادثات قادتها الولايات المتحدة وعدد من الدول لإنهاء أخطر مواجهة عسكرية بين الخصمين النوويين منذ عقود، ليعود الهدوء إلى حدود البلدين، وعلى الرغم من هذا الاتفاق، تبادلت نيودلهى وإسلام آباد الاتهامات بانتهاك وخرق الهدنة خلال الساعات الأولى التى تلت الإعلان.
حمّلت وزارة الخارجية الباكستانية القوات الهندية مسئولية بدء انتهاك وقف إطلاق النار، وأكدت الوزارة أن باكستان لا تزال ملتزمة بالاتفاق، وأن قواتها تتعامل مع الوضع بمسئولية وضبط نفس، وبعد إعلان الرد الباكستانى، قال سكان الشطر الهندى من كشمير إنهم سمعوا انفجارات مدوية فى أماكن متعددة، بما فى ذلك سريناغار وجامو وأودهامبور.. وإكد سكان يعيشون بالقرب من مطار سريناغار، وهو أيضًا قاعدة جوية، أنهم شعروا بالصدمة من الانفجارات وهدير الطائرات النفاثة.
رغم أن الباكستانيين احتفلوا فى البداية بانتقام جيشهم، إلا أنهم فرحوا لاحقًا بالهدنة، معتبرين أنها لحظة فخر وطنى وارتياح بعد أيام من التوتر، ورحب عمر عبدالله، كبير المسئولين المنتخبين فى الشطر الهندى من كشمير، بوقف إطلاق النار، لكنه قال إنه لو حدث قبل يومين أو ثلاثة أيام «لكان من الممكن أن نتجنب إراقة الدماء وفقدان الأرواح الثمينة».
ليس من النادر أن يندلع صراع بين الهند وباكستان، فقد خاض البلدان حروبًا واشتباكات ومناوشات بين الحين والآخر منذ استقلال الهند عن بريطانيا عام 1947، حيث تفجرت الأزمة بين الدولتين بشكلٍ مباغت ومقلق، مع تصعيد ميدانى غير مسبوق بين القوتين النوويتين فى جنوب آسيا، حيث شنّت الهند ضربات عسكرية مُحدّدة على جارتها التى تعهدت «بالانتقام» من ضربات نيودلهى على أراضيها، وكان من المتوقع أن يُنهى وقف إطلاق النار أسابيع من الاشتباكات المتصاعدة، بما فى ذلك هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة، والتى اندلعت على خلفية إطلاق النار على السياح الشهر الماضى، والذى تُلقى الهند باللوم فيه على باكستان التى تنفى هذا الاتهام.
تعود جذور الأزمة التى بدأت عام 1947 مع استقلال الهند عن بريطانيا وتقسيمها إلى دولتين هما الهند ذات الغالبية الهندوسية، وباكستان ذات الغالبية المسلمة، وهذا التقسيم ترك إقليم كشمير منطقة متنازعاً عليها، ونتيجة هذا الخلاف الحدودى ظل الإقليم مركزًا للنزاع بين الدولتين النوويتين وسُجلت سلسلة من المواجهات العسكرية بين نيودلهى وإسلام آباد، والطرفان يتهمان بعضهما بعضاً بدعم منظمات إرهابية، إضافة إلى ذلك، فإن هذا الإقليم غنى بالموارد المائية، ما يجعله ذا أهمية استراتيجية، خصوصاً لجهة أنه يمثل مصدراً مهماً للأنهار التى تغذى باكستان، يُقسم إقليم كشمير فعليًا إلى ثلاثة أجزاء كشمير الخاضعة للهند (ولاية جامو وكشمير سابقًا) وكشمير الخاضعة لباكستان (آزاد كشمير وجيليت بالتستان) ومنطقة صغيرة تحت سيطرة الصين (أكساى تشين) ويُعرف الخط الذى يفصل بين الهند وباكستان فى كشمير باسم «خط المراقبة» وهو خط عسكرى وليس حدودا دولية معترفاً بها، تُعتبر كشمير رمزًا للسيادة فى كلا البلدين، وتُستخدم سياسيًا لتعزيز الخطاب القومى.
تحدث الدكتور أحمد عبده طرابيك، الباحث فى الشئون الآسيوية، قال إن رغم كل هذه الأعمال العسكرية المتبادلة بين الجانبين، إلا أن كلاً من باكستان والهند لا تريدان الدخول فى حرب مفتوحة، خاصة فى تلك الفترة، كما أن الدول الكبرى والمجتمع الدولى لا يريدون بؤرة توتر جديدة إلى جانب البؤر الملتهبة فى الأراضى الفلسطينية والشرق الأوسط والبحر الأحمر والأزمة الأوكرانية، وأضاف «طرابيك» أن العامل الثانى الذى يشير إلى أن الأمور بين الهند وباكستان لن تأخذ اتجاها تصعيديا أكثر من ذلك، فإلى جانب رغبة البلدين فى عدم زيادة حجم التصعيد والرغبة فى العودة إلى ما قبل أحداث 22 أبريل، هو أن البلدين يشكلان موردا رئيسيا للأمن الغذائى، فإذا كانت روسيا وأوكرانيا من أهم مصادر إنتاج القمح، فإن باكستان والهند من أهم مصادر إنتاج الأرز، وحذرت ماليزيا من أن التوترات بين البلدين قد تؤدى إلى تعطيل واردات الأرز إليها والتى تعتمد عليها بشكل كبير، فماليزيا تستورد نحو 40 فى المائة من احتياجاتها من الأرز من البلدين، وفق تصريحات وزير الزراعة والأمن الغذائى الماليزى محمد سابو، حيث تعد الهند موردا رئيسيا للأرز الأبيض، بينما يأتى الأرز البسمتى من باكستان.
ولذلك استجابت كل من باكستان والهند لمبادرات الوساطة التى تقوم بها بعض الدول، وأن تجنح إلى السلم، والاكتفاء بتلك الضربات المتبادلة خلال تلك الجولة، وعدم توسيع دائرة أو نوعية القصف المتبادل حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة التى لا يرغبها دول الجوار والمجتمع الدولى، عدى عن رغبة باكستان والهند نفسيهما فى عدم الدخول فى حرب مفتوحة، وإذا كانت الدولتان لا ترغبان فى الدخول فى حرب مفتوحة، فمن المؤكد حرصهما على عدم اللجوء إلى استخدام السلاح النووى، فتاريخ الصراع الذى يعود إلى عام 1947، والحروب الأربع التى خاضها البلدان أعوام 1947، 1965، 1971، 1999، شكلت تجارب مؤلمة للجانبين، ولذلك لا ترغبان فى العودة مرة أخرى لحروب كبرى خاصة فى ظل التوترات العالمية العسكرية والسياسية والاقتصادية الملتهبة.
