رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

نجيب محفوظ وعبد الحميد جودة السحَّار كيف كانت علاقتهما الروائية


16-5-2025 | 17:40

يوسف القعيد

طباعة
بقلم : يوسف القعيد

عندما بدأنا نقرأ نجيب محفوظ مُبكِّراً كُنا نذهب إلى الفجَّالة وهناك مكتبة السحَّار، وكان اسمها فى ذلك الوقت: دار مصر للطباعة. نشترى روايات نجيب محفوظ والبعض منا قد يشترى بعض روايات السحَّار. كان مدير المكتبة فى ذلك الزمان البعيد، وأنا أكتب هذا الكلام معتمداً على ذاكرتى هو الحاج سعيد السحَّار. وكان شقيق عبد الحميد جودة السحَّار

وأشهد الله سبحانه وتعالى بعد أن رحل الجميع من الدنيا أن الحاج سعيد كان مُحايداً وموضوعياً فيما بين روايات شقيقه الأكبر عبد الحميد جودة السحَّار، وصديق عمرهما نجيب محفوظ. ولأن الشيء بالشيء يُذكر عندما حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب فى أكتوبر 1988 كان قد استقر فى دار الشروق. وهى من أهم دور النشر فى الوطن العربى كله، وكان مديرها المهندس إبراهيم المعلم يجعل العلم يتم فيها وفق قواعد موضوعية صارمة. وما من مثقف مصرى أو عربى إلا ويحلم آناء الليل وأطراف النهار بأن ينال شرف النشر فى دار الشروق.

 

والكتاب يبدأ بشهادة أجنبية لناقد أدبى هو رونان ماكدونالد الذى يقول فى كتابه: موت الناقد:

 

- لقد حل الناقد الذى يُشرك الآخرين فى انفعالاته الشخصية وحماسته الذاتية محل الناقد المُعلِّم والحكم الموضوعى والناقد الخبير.

 

ويعترف صاحب هذا الحُكم أنه قرأ رواية نجيب محفوظ منذ أن تعرَّف عليها فى بداية تسعينيات القرن الماضى – سنوياً وبانتظام – وهو يؤكد أنه يذكر الحقيقة دون مبالغة. وأنه استمر فى قراءة نجيب محفوظ بعد ذلك. أما عبد الحميد جودة السحَّار – وليرحم الله الجميع ويسكنهم فسيح جناته – فقد قرأت رواياته مرات أقل من نجيب محفوظ. إلا أن خاطراً كان يومض بين الحين والآخر فى حينه بأن هناك شيئاً ما خيطاً خفيَّاً ربما يربط ما بين إبداع عبد الحميد وإبداع نجيب.

 

أفكار محفوظ والسحَّار

 

يعترف الباحث الأجنبى بأنه شرع منذ سنوات يبحث عن المذكرات أو الأفكار التى تركها عبد الحميد السحَّار وشقيقه الناشر سعيد السحَّار عن علاقتهما بنجيب محفوظ. وبدأ فى دراسة هذا العالم الثنائى القطبين، وبدأت الصورة تبدو أمام ناظريه. ويسأل نفسه:

 

- لماذا يهتم بالرواية وحدها على الرغم من أن الكاتبين يكتبان القصة القصيرة؟.

 

ويستشهد بالدكتور جابر عصفور فى كتابه: القص فى هذا الزمان، الصادر سنة 2014، حيث وصف الرواية بقوله:

 

­- فضلاً عن كونها كتابة فرد يحتج على عصره، ويتوجه إلى فردٍ مثله على مستوى القراءة.

 

لذلك يعترف أنه وجد الرواية هى الجنس الأدبى الذى يُعطى أفضل صور بانورامية شاملة عن الأدبين.

بدأ نجيب محفوظ مساره الإبداعى برواياته من التاريخ الفرعونى عام 1939، ثم تلاه السحَّار فى عام 1943، وبدأ نجيب محفوظ برواياته الواقعية: القاهرة الجديدة 1945، ثم تلاه السحَّار عام 1947 بروايته: فى قافية الزمان. ثم تلاه نجيب محفوظ بعد ذلك بثلاثيته الشهيرة: بين القصرين، قصر الشوق، السكرية عام 1956.

 

استثمر نجيب محفوظ وعبد الحميد السحَّار بعض الحكايات والمواقف الحقيقية فى بعض رواياتهما مثل:

 

* رواية: «فى قافلة الزمان» لعبد الحميد جودة السحار، و«بداية ونهاية» لنجيب محفوظ. سبق عبد الحميد السحار برواية: «الشارع الجديد» 1952، صديقه نجيب محفوظ فى الخروج من القاهرة إلى عالم الإسكندرية التى لم يبدأ محفوظ فى كتابة روايات تدور أحداثها فى الإسكندرية إلا بعد ما فعل عبد الحميد السحار ذلك بعشر سنواتٍ كاملة. وذلك فى رواية «السمان والخريف» عام 1962.

 

تأثر عبد الحميد السحار – فى رواياتٍ قليلة – بالجرأة الحسية عند نجيب محفوظ كما فعل فى روايته: «المستنقع» عام 1957، وتأثر عبد الحميد السحار برواية محفوظ: «السراب»، فكتب رواية: «النقاب الأزرق» على غرارها إلى حدٍ كبير.

 

* كان نجيب يهتم بشوارع القاهرة وأوساطها وفيما بعد بدأ عبد الحميد السحار بمشاركته هذا الاهتمام. وهنا نقدم شهادة الدكتور جابر عصفور حول هذا الموضوع. فقد كتب أن نجيب محفوظ وحده هو الذى استطاع أن ينتقل بالرواية مبكراً إلى الرواية الحداثية، كما يصفها الدكتور جابر عصفور فى كتابه «زمن القص»:

 

- الوعى الضدى والحس الساخر والعقل الذى يؤثر السؤال على الجواب، واللغة التى تجتلى ذاتها وتشير إلى حضورها فى الوقت الذى تشير إلى موضوعها، والمدينة التى تغدو موضوعاً لاكتشاف الرواية. وعنصراً بنائياً فيها. والأنا التى تغوص عميقة فى طبقات اللاشعور والشعور، والمشاعر المتعارضة المتناثرة للبطل اللابطل. والقارئ المضمر الذى يوازى المؤلف المُضمن فى الأهمية والأدوار، وذوات الأبطال اللاأبطال المتشظية كالمرايا المتحطمة التى يتواشح فى فضائها الحضور والغياب فى جدلية الخلق والتهديم التى تجاور بين النقائض التى لم يعد لها محل لليقين. إنها كلها خصائص استهلالية لا تُفارقها الرواية المُحدثة.

 

مزايا نجيب محفوظ

 

ثم تتوقف المقارنة بين الكاتبين الكبيرين، فيقول مؤلف الكتاب:

 

- إن نجيب محفوظ وحده هو الذى استطاع بروايته أن يُحقِّق مقولة للفيلسوف الفرنسى ميشيل فوكو: إعادة اكتشاف الإنسان داخل الإنسان. ونجيب محفوظ أيضاً تميز بالجسارة الأدبية التى دفعته إلى التجريب، بينما ظل عبد الحميد السحار محبوساً داخل الكلاسيكية يخاف أن يغادرها.

 

ويكتب الدكتور جابر عصفور فى كتابه: القص فى هذا الزمان عن الجسارة الإبداعية:

 

- الجسارة هى الصفة الملازمة للتجريب فى الكتابة.

 

كما أنه لا يمكن للكاتب أن يمضى طويلاً فى ممارسة التجريب دون جسارة تُعينه على أن يستخدم بمنطق الإبداع. وبالتقاليد الصارمة مبدأ الرغبة العفوية المفتوح على فعل المساءلة. لا يمكن بالقدر نفسه أن يكتمل معنى الجسارة بالكتابة دون وعى تجريدى يؤسس معرفته بالنسبى لا بالمطلق. السؤال للإجابة، المتغير للثابت، النقص للقبول، المخالفة للإجماع، المغايرة للمشابهة.

 

المغامرة المحفوظية

 

لقد قضى نجيب محفوظ عُمره على عكس صديقه عبد الحميد السحَّار فى البحث عن روح الرواية. تلك التى يصفها ميلان كونديرا فى كتابه: ثلاثية حول الرواية:

 

- إن روح الرواية هى روح التعقيد، كل رواية تقول للقارئ إن الأشياء أكثر تعقيداً مما تظن.

 

هذه الخلافات تمت وهى مشروعة جداً، رغم العلاقة الإنسانية الوثيقة بين نجيب محفوظ وعبد الحميد جودة السحَّار. فقد بدآ معاً وكانا أصدقاء. ومع هذا عندما وصلت الأمور إلى الكتابة الأدبية ذهب كلٍ منهما حيث تتساوى موهبته، بصرف النظر عن العلاقة الإنسانية. وهذا هو الصواب بالنسبة للعملية الإبداعية. مهما كانت العلاقات الإنسانية يبقى الإبداع الأدبى مسألة فرضية.

 

ومن المؤكد أن نجيب محفوظ – وهذا حُكم التاريخ – كان يسبق عبد الحميد السحار فى الكتابة الروائية والنشر والفوز بالجوائز الأدبية. إن عبد الحميد السحَّار هو منْ سعى للتعرف على نجيب محفوظ عندما سمع بفوز روايته بجائزة قوت القلوب الدمرداشية الذهبية. ومنذ عام 1943 قامت صداقة قوية استمرت ثلاثين سنة بين عبد الحميد ومحفوظ، كان فيها عبد الحميد أول من يقرأ نجيب بحكم كونه الناشر وأحد أهم أعضاء ندوة نجيب محفوظ الأسبوعية: شلة الحرافيش كما كان يُطلق عليهم وقتها.

 

لقد عاصرت هذه الأيام بنفسى ولم أسمع أبداً أن المرحوم عبد الحميد جودة السحَّار كان عض

واً فى شلة الحرافيش، ولا شقيقه الحاج سعيد السحَّار.

 

 

 

الاكثر قراءة