رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

سلام للزعيم فى عيد ميلاده الخامس والثمانين


16-5-2025 | 19:10

اشرف غريب

طباعة
بقلم : اشرف غريب

بعد أيام وبالتحديد فى السابع عشر من هذا الشهر يحتفل الفنان الكبير عادل إمام بعيد ميلاده الخامس والثمانين، أعطى خلال كل هذه الأعوام ما يزيد على اثنتين وستين سنة من عمره المديد لخدمة الفن وقضايا وطنه، ولا بد له وهو فى عزلته الاختيارية اليوم أن يشعر بالرضا حيال مشوار طويل، عرف كثيرا من الإحباطات والنجاحات وصنع تجربة إنسانية ثرية قلما تتحقق لغيره من النجوم.

إن مسيرة عادل إمام فى الفن والحياة جديرة حقا بالتفكر والتأمل، فشتان بين رجل بدأ مشواره متصعلكا على حد وصفه، ووصل به إلى مرتبة الزعامة الفنية على حد وصف جمهوره وعشاق فنه، وبين الصعلكة والزعامة تجربة إنسانية ملهمة تستحق أن تكون أمام أعين كل منْ يريد لنفسه مكانا سامقا وفريدا فى تاريخ الفن، بل وفى تاريخ مصر والعرب بوجه عام.

 

وأظننى لا أبالغ إذا قلت إن هذا الكيان الضخم الذى يحيا بيننا تحت اسم عادل إمام قد تمتع بكثير من الخصال التى أهلته مجتمعة لتلك المكانة الخاصة، يأتى على رأسها حرصه الواضح على الالتحاف بالناس والتدثر بهم، ولم لا وهو واحد منهم، أتى من بينهم؟ هو ابن شوارع كما يعبر عن نفسه بخفة دمه المعهودة، ومنْ أتى من بين الناس يصبح من السهل عليه الوصول إليهم والتأثير فيهم، يقول أديب نوبل نجيب محفوظ معلقا على تجربة عادل إمام:

 

«الشارع لا يختار إلا منْ ينجح فى ضبط أوتاره على أفراحه وأحزانه، وهذا ما فعله عادل إمام.»

 

هكذا عرف عادل إمام موجة البث المناسبة، أجاد الإرسال، فأحسن الناس الاستقبال.. ويوم أن ذهب إلى أسيوط فى ثمانينيات القرن الماضى للرد على دعاوى الردة والتخلف واستقبله عشرات الألوف من أهالى الصعيد، سألته: ألست خائفا من أن تطالك يد الغدر؟ أجاب قولته التى صارت بعد ذلك من مأثورات الزعيم بأن من يحيطه حب الناس لا يخشى إلا رب الناس، وهذا ذكرنى بمشهدين من أفلامه فى غاية الرمزية والنضج كتبهما العبقرى الراحل وحيد حامد، ولا أعتقد أن عادل كان بعيدا عن صياغتهما، خاصة أنهما أتيا بالفعل بعد رحلة أسيوط بسنوات قليلة، المشهد الأول فى نهاية فيلم «الإرهاب والكباب» سنة 1992 حين خرج أحمد فتح الباب (عادل إمام) المتهم باختطاف مجموعة من الرهائن داخل مجمع التحرير متدثرا ومحتميا بمن كانوا مخطوفين قبل ثوانٍ، ثم يكتمل المعنى حينما يسأله أحد الصحفيين وهو وسط زحام الناس عن أوصاف الإرهابى المعتوه، فيجيب: «هو لا طويل ولا قصير، ولا تخين ولا رفيع، ولا أبيض ولا أسود.. هو زينا كدا».

 

المشهد الثانى فى نهاية فيلم «المنسى» العام التالى مباشرة – ويا لسحر النهايات فى أعمال عادل إمام ووحيد حامد – حين همَّ كرم مطاوع ورجاله بإطلاق النار على يوسف المنسى (عادل إمام)، لكنه توقف عندما خرج أهل القرية مع إشراقة الصباح لقضاء حوائجهم الاعتيادية، فتراجع المنسى خطوات ثلاث إلى الخلف كى يحتمى بهم.

لقد أدرك عادل إمام أن الناس هى كلمة السر فى أى نجاح يريد تحقيقه، فالأحلام – على حد قوله فى نهاية مسرحية «الزعيم» مش عاوزه فوارس، الأحلام بالناس تتحقق، ومن منطلق هذه القناعة الراسخة وإيمانه بالناس، بادلوه هم أيضا حبا بحب وتقديرا بتقدير، وأنا على يقين من أن لقب «أغلى نجم فى مصر» الذى منحه الجمهور والنقاد للفنان الكبير لم يكن المقصود به فقط أنه الأغلى أو الأعلى أجرا، بقدر ما كان يعنى أنه الأكثر «غلاوة» ومحبة عند الناس.

 

ولكن يبقى السؤال المهم: هل تعمد عادل إمام أن يكون بالناس زعيما؟ أو بعبارة أخرى: هل زعامته الفنية مصنوعة ومتعمدة؟ الإجابة القاطعة لا بكل تأكيد، فالرجل كان دائما معنيا بقضايا الناس وهموم وطنه، ومتحدثا بلسان حال الكثيرين حتى من قبل أن يمسك بصولجان الزعامة الفنية، فى مرحلة الستينيات – مثلا – حينما أعلت ثورة يوليو من قيمة التعليم، وخلقت طبقة متوسطة مثقفة أخذت ترتقى إلى المناصب المهمة قال عادل إمام على لسان دسوقى أفندى وكيل المحامى فى مسرحية «أنا وهو وهى» أول أعماله المسرحية التى شاهدها الناس قولته الشهيرة: «بلد بتاعة شهادات صحيح»، وعندما كان المجتمع يعيش حالة من انعدام التوازن وغياب القدوة فى أعقاب هزيمة يونيو قال بهجت الأباصيرى فى مدرسة المشاغبين عام 1971: «الحكاية مش حكاية خمسة منحرفين، الحكاية حكاية المجتمع اللى ورا الخمسة المنحرفين»، وفى أواخر السبعينيات حينما ارتقت طبقة الحرفيين وأصبحت هى القوة الشرائية الرئيسية قال «عطوة النشال» فى فيلم «المحفظة معايا» سنة 1978: «همه عشرين جنيه ح يعملولى إيه؟ انتم فاكرينى عيل متخرج من الجامعة؟!»، ولما اشتدت أزمة الإسكان مع انتصاف الثمانينيات قال على لسان المهندس شريف المصرى فى «كراكون فى الشارع» سنة 1986: «إحنا مش عاوزين حاجة من الحكومة، احنا عاوزين الأرض الصحراوية ولو بسعر رمزى بدون مشاكل أو روتين»، ثم هو أيضا الذى قال فى «اللعب مع الكبار» على لسان حسن بطل الفيلم: «أنا حسن بهنسى بهلول، أنا المسكين فى هذا الزمان، أنا المحاط بالأوهام، أنا الذى إذا جاع نام، أنا المخدوع بالكلام، كويس أن أبو الهول والأهرام لسة ما اتسرقوش، هو لازم كل حاجة تبقى حجارة عشان ما تتسرقش؟!»، ألم يوجز فى «السفارة فى العمارة» عام 2005 موقف المصريين من التطبيع حينما قال: «إحنا لا سلام ولا كلام مع العالم دول.. صباح الخير يا جارى انت فى حالك وأنا فى حالى»، ثم يختزل رأيه فى هذا العصر الذى نعيشه بعبارة موجزة فى فيلم «عمارة يعقوبيان» عام 2006 حينما صاح صيحته المعروفة: «احنا فى زمن المسخ».

 

كل التحية للقدير عادل إمام فى عيد ميلاده الخامس والثمانين على هذا الوعى الفطرى والمكتسب بالدور الذى يمكن أن يلعبه الفن، وسلام له فى هدوء أيامه، ووقاه الله شر المتربصين.

الاكثر قراءة