"إذا أردنا أن نحمي أمننا الاقتصادي، فعلينا أن نتحرك على مسارين: إصلاح داخلي حقيقي، وتوسع خارجي مدروس يحترم استقلال قرارنا ويحقق مصالحنا الاستراتيجية."
في خضم الأحداث المتسارعة التي يشهدها العالم من توترات سياسية إلى أزمات اقتصادية متلاحقة، خرج المهندس إيهاب محمود، الخبير الاقتصادي ورئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الجيل الديمقراطي بالإسكندرية، بتصريحات تحليلية مهمة حول ملامح هذه المرحلة الحرجة من التاريخ العالمي، مؤكدًا أن ما نمر به ليس مجرد سلسلة أزمات منفصلة، بل تحولات جذرية تُعيد تشكيل النظام الدولي من جذوره، بما يحمله ذلك من تحديات وفرص.
عالم متعدد الأقطاب... وصدامات بلا سقف
استهل المهندس إيهاب حديثه بالإشارة إلى أن العالم دخل فعليًا مرحلة "تفكك النظام الأحادي القطبية" الذي ساد بعد نهاية الحرب الباردة، حيث باتت القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا والهند تنازع الغرب بزعامة الولايات المتحدة على النفوذ السياسي والاقتصادي، ما أدى إلى انفجارات جيوسياسية في مناطق متفرقة من العالم.
وأضاف:"من شرق أوروبا إلى الشرق الأوسط، ومن بحر الصين الجنوبي إلى أفريقيا، نشهد صراعات تتجاوز حدود الجغرافيا، وتنعكس على أسواق المال والطاقة والغذاء، الأمر الذي يفرض على الدول النامية أن تعيد حساباتها الاستراتيجية بأقصى درجات الحذر.".
"الحروب الاقتصادية والموارد في قلب الصراع"
وأوضح المهندس إيهاب أن جزءًا كبيرًا من الصراع العالمي بات يدور حول من يملك التكنولوجيا، ومن يتحكم في الطاقة، ومن يسيطر على الغذاء. وبيّن أن هذا التحول يعيد تعريف الأمن القومي ليشمل الاقتصاد، الموارد، التوريد، والمناخ.
وأشار إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية كانت لحظة فاصلة كشفت هشاشة الاعتماد على سلاسل الإمداد الخارجية، وتسببت في تضخم عالمي غير مسبوق، فضلاً عن تداعياتها على أسعار النفط والقمح والأسمدة، وهي سلع ترتبط بها بشكل مباشر الاقتصادات الناشئة، وعلى رأسها مصر.
وأضاف:"لقد أصبح واضحًا أن من لا يملك سلة غذاءه ولا ينتج طاقته، سيظل أسيرًا للأزمات العالمية وتقلبات الأسواق الدولية."..
"مصر في قلب العاصفة.. فهل نستعد؟"
وفي حديثه عن الوضع المصري، شدد المهندس إيهاب محمود على أن التأثر بالتقلبات العالمية لم يكن قدرًا حتميًا، بل نتيجة ضعف في أدوات المناعة الاقتصادية الداخلية، موضحًا أن استمرار الاعتماد على الاستيراد، وضعف سلاسل القيمة المحلية، وعدم توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية، كلها عوامل عمّقت من آثار الأزمات على المواطن المصري.

وأضاف "حان الوقت لثورة اقتصادية وطنية، لا تعتمد على القروض ولا الحلول المؤقتة، بل على خطة طويلة المدى تنطلق من أرض الواقع وتستثمر في المواطن المصري أولاً."
وطالب الدولة بإعادة هيكلة أولوياتها الاقتصادية على النحو التالي:
- تعزيز الإنتاج المحلي في القطاعات الزراعية والصناعية لسد الفجوة بين الاستهلاك والتوريد.
- إعادة النظر في منظومة الدعم والتسعير لضمان عدالة التوزيع واستقرار الأسواق.
- تشجيع الاستثمارات الإنتاجية بدلًا من الاعتماد على الأموال الساخنة.
- إطلاق استراتيجية وطنية للأمن الغذائي والمائي تواكب تحديات التغير المناخي والزيادة السكانية.
- إصلاح المنظومة التعليمية والتدريبية لربطها بحاجات السوق الحقيقي.
- نحو سياسة خارجية اقتصادية مستقلة ومتوازنة
وأكد المهندس إيهاب أن من أهم أولويات المرحلة القادمة هو بناء دبلوماسية اقتصادية ذكية تحفظ مصالح مصر في خضم التوازنات الجديدة، وتضمن تنوع الشركاء بدلًا من الارتهان لمحور بعينه.
وأوضح أن هناك فرصًا واعدة للتعاون مع دول الجنوب العالمي، والكتل الاقتصادية الناشئة مثل "البريكس"، ومبادرات الربط التجاري واللوجيستي مع القارة الأفريقية، لكن بشرط أن تكون مصر فاعلة ومبادرة لا مجرد مستقبِل للقرارات.
وأضاف:"إذا أردنا أن نحمي أمننا الاقتصادي، فعلينا أن نتحرك على مسارين: إصلاح داخلي حقيقي، وتوسع خارجي مدروس يحترم استقلال قرارنا ويحقق مصالحنا الاستراتيجية."
الرهان على الشباب والعقول المصرية
وختم المهندس إيهاب محمود تصريحاته بدعوة واضحة إلى تمكين العقول المصرية، والرهان على طاقة الشباب في قيادة قاطرة التنمية. مؤكدًا أن الحلول الجذرية لن تأتي من الخارج، بل من استثمار داخلي حقيقي في التعليم، والبحث العلمي، وريادة الأعمال.
وقال:"لن تنهض مصر من تحت عباءة المؤسسات الدولية أو عبر منح مؤقتة، بل بنموذج وطني ينطلق من الواقع المصري ويستند إلى الإرادة والشفافية والمشاركة المجتمعية."
وحديث المهندس إيهاب محمود ليس مجرد تحليل تقليدي للأحداث، بل دعوة صريحة إلى التحول العميق في الرؤية الاقتصادية والاستراتيجية لمصر، في زمن تتغير فيه موازين القوى، وتتسابق فيه الدول على المستقبل، فإما أن نكون جزءًا من هذا التحول، أو نُترك على هامش التاريخ.