وفى جميع الأحوال، تحدث رئيس الوزراء بشفافية كاملة عن أوضاع الطاقة والكهرباء خلال هذا الصيف، مؤكدًا على توفير كامل الوقود من الغاز الطبيعى المُسال المستورد، بما يضمن عدم العودة بأى شكل من الأشكال إلى ظاهرة تخفيف الأحمال، أو حدوث انقطاعات فى الكهرباء بصفة عامة، وخلال هذا الصيف بصفة خاصة، ولا سيما أنه تم الانتهاء من التعاقد على توفير كافة الشحنات من الغاز الطبيعى المُسال المستورد لمحطات الكهرباء خلال هذا الصيف، وقيام قطاع البترول بتوفير أربعة مراكب لتغييز الغاز المسال المستورد لضخه بالشبكة القومية للغازات.
وبالتوازى، من خلال المؤتمر الصحفى، ولقائه برؤساء الشركات كشف المهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية عن خطط تحرك قطاع البترول لزيادة الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى والزيت الخام.
وقد اتضح من كافة رسائل وزير البترول، أنه لا سبيل لزيادة الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى سوى بسداد مستحقات الشركاء الأجانب وهذا ما يحدث الآن، فضلًا عن الضرورات الملحة لتطوير وتحديث الاتفاقيات البترولية، فى إطار تطبيق العديد من الحوافز لتشجيع الشركاء الأجانب.
وقد اتضح لتحقيق عودة الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى والزيت الخام، أن تتم مواجهة ظاهرة التناقص الطبيعى فى إنتاج الحقول.
وهناك توقعات، وفقًا لتصريحات الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، أن يصل أكبر معدل فى انخفاض الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى، خلال الشهرين القادمين، ثم يعود الإنتاج المحلى من الغاز للثبات وعدم الانخفاض بداية من سبتمبر القادم، ليبدأ بعدها الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى فى الزيادة، ليصل إلى معدلاته الطبيعية خلال عامين.
بينما يتحدث المهندس كريم بدوى عن فترة قد تصل إلى خمس سنوات لتعود مصر إلى تصدير الغاز الطبيعى.
وما بين تصريحات رئيس الوزراء ووزير البترول، فإن الواقع يقول إن الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى خلال هذا الصيف سوف يقل عن 4 مليارات قدم مكعب فى اليوم، وقد يصل إلى 3.7 مليار قدم مكعب فى اليوم حتى يعود إلى الثبات عند 4 مليارات قدم مكعب فى اليوم مع تكثيف عمليات التنمية وزيادة الإنتاج لمواجهة التناقص الطبيعى فى إنتاج الحقول من خلال تعويض هذا التناقص بزيادات عاجلة فى الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى.
وفى الواقع أيضًا، وهذا تحرك إيجابى من الحكومة، أن وزارة البترول تتحرك لإبرام تعاقدات طويلة لاستيراد الغاز الطبيعى المسال حتى عام 2030 مع قطر وأرامكو السعودية وغيرهما، إلى أن يعود معدل الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى إلى أكثر من 6 مليارات قدم مكعب فى اليوم.
وفى جميع الأحوال لن يتحقق ذلك إلا بالاعتماد على الشركاء الأجانب وسداد كامل مستحقاتهم، بما فيها قيمة شراء حصصهم الشهرية.
وربما هذا الذى جعل المهندس كريم بدوى، وزير البترول والثروة المعدنية، يركز على تحفيز الشركاء الأجانب، حتى لو كان من بين هذه الحوافز تعديل الاتفاقيات البترولية، وزيادة أسعار الغاز الطبيعى فى هذه الاتفاقيات.
وإذا كان هناك تركيز على أن الشركاء الأجانب هم الأساس فى زيادة الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى والزيت الخام فهذه حقيقة مؤكدة، منذ أن عرفت مصر الصناعة البترولية منذ أكثر من مائة عام.
ورغم وجود شركة مصرية مائة فى مائة مثل الشركة العامة للبترول، فإن الشركاء الأجانب مثلما هو حادث فى معظم دول العالم هم الذين ينفقون الاستثمارات بمخاطرة حتى لو وصلت إلى مليارات الدولارات، بينما لا تستطيع دول كثيرة، ومنها مصر، تحمل المخاطرة فى الصناعة البترولية.
وإزاء هذا الواقع، فلا بد من الحفاظ على هؤلاء الشركاء الأجانب، وبما يحقق توقيع المزيد من الاتفاقيات البترولية، وزيادة عمليات البحث والاستكشاف، وتحقيق الكثير من الاكتشافات، والإسراع فى تنمية تلك الاكتشافات.
والملاحظ أنه كلما تم التراخى فى سداد مستحقات الشركاء الأجانب، تعرض الإنتاج المحلى من الغاز والزيت الخام لهزات كبيرة، إذ يسارع الشركاء الأجانب إلى التباطؤ فى ضخ استثمارات جديدة، ومن ثم تناقص الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى والزيت الخام، ويتراجع إبرام اتفاقيات جديدة.
وهذا حدث عقب ثورة 25 يناير، وعندما تراكمت مستحقاتهم، تراجع الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى والزيت الخام.
وبمجرد أن عاد الاستقرار، وتم سداد مستحقاتهم بداية من عام 2015، زاد عدد الاتفاقيات، وتحققت اكتشافات كبيرة، من بينها حقل ظهر، وعاد إنتاج الغاز الطبيعى ليزيد على 6.5 مليار قدم مكعب فى اليوم، وعودة مصر إلى تصدير الغاز الطبيعى، وتوقف استيراد الغاز المسال.
حتى إن المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، تحدث وقتها عن تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى، وصدرت مصر كميات كبيرة من الغاز الطبيعى المُسال عبر مشروعى الإسالة فى دمياط وإدكو.
وما إن عاد تراكم مستحقات الشركاء الأجانب فى الزيادة حتى تجاوزت 6 مليارات دولار حتى الآن، حتى قام الشركاء الأجانب بوقف ضخ أية استثمارات جديدة، الأمر الذى أدى إلى عدم تحقيق اكتشافات جديدة، وتناقص الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى والزيت الخام إلى معدلات غير مسبوقة، وهذا الذى أدى إلى عدم وفرة كامل الوقود من الغاز الطبيعى لمحطات الكهرباء والعودة إلى ظاهرة تخفيف الأحمال فى الصيف الماضى، ومواجهة ذلك هذا الصيف بالتوسع فى استيراد الغاز الطبيعى المُسال.
وكما قلت للمهندس كريم بدوى، وزير البترول والثروة المعدنية، فإن العوامل التى تسببت فى تراكم مستحقات الشركاء الأجانب قد أدت إلى تحميل مصر خسائر أضعاف مستحقات الشركاء الأجانب.
تنحصر هذه الخسائر فى استيراد الغاز الطبيعى المسال، والمزيد من المازوت، وبعض المنتجات البترولية بنحو مليار دولار شهريًا.
فضلًا عن عدم وفرة الغاز الطبيعى بكميات كافية لتشغيل مصانع الأسمدة والبتروكيماويات، والأخطر عدم توفير الطاقة للمزيد من جذب الاستثمارات والمشروعات الصناعية.
وإذا كانت حكومة الدكتور مصطفى مدبولى قد استطاعت سداد المستحقات الشهرية لشراء حصص الشركاء الأجانب، فهناك مديونية متراكمة للشركاء الأجانب حتى الآن، تقف حجر عثرة، أمام انطلاق الشركاء الأجانب، كما كان يحدث من قبل.
ورغم تأكيدات رئيس الوزراء ووزير البترول على سداد مستحقات الشركاء الأجانب، وتقديم المزيد من الحوافز، فلا بديل عن ذلك لأنه لا يمكن أن نلوم الشركاء الأجانب، وهم شركات عالمية مقيدة فى البورصات، لا يمكن أن يضخوا استثمارات جديدة دون الحصول على مستحقاتهم المتراكمة.
ولا يعنى ذلك أنهم ضد الاستثمار فى مصر، بل هناك حرص على الاستمرار فى الاستثمار فى مصر والحصول على كامل مستحقاتهم، ويدرك رئيس الوزراء ووزير البترول ذلك.
وأيًا كان الذى حدث، فلا بد أن نعترف بأن التأخر فى سداد مستحقات الشركاء الأجانب يحمّل مصر خسائر ضخمة لا بد من حسابها بالورقة والقلم، بعيدًا عن التصريحات النظرية.
لا خلاف على أن هناك إدراكا لذلك من جانب وزير البترول، خاصة أن عدم زيادة الإنتاج المحلى من الزيت الخام قد أدى إلى زيادة الطاقات العاطلة فى بعض معامل تكرير البترول، حتى إن بعضها يعمل بنحو 16 فى المائة، كما كشف ذلك أحد رؤساء شركات معامل التكرير فى اللقاء الأخير للمهندس كريم بدوى برؤساء الشركات.
ولا يعنى أننا نقول بضرورة الحرص على حل المشاكل التى تواجه الشركاء الأجانب أن يكون ذلك على حساب المصالح المصرية.
العكس تمامًا يحدث، خاصة أن لدينا قيادات فى قطاع البترول قادرة على التفاوض لتحقيق مصالح جميع الأطراف.