تسعى هذه الوقفة، مع ذكرى ثورة 30 يونيو 2013م، إلى ترسيخ مفهوم "المقاومة" و"الجذور الثقافية" لها، من خلال معايشة ودراسة تجربة ثورة 30 يونيو. فالثقافة دوماً يُؤخذ منها ويُضاف، لكنها تبقى بالخبرات الجماعية للشعوب وتتراكم.. على العكس من السياسي القابل للتبدل إلى حدّ الاختفاء، كما في تجربة "الاتحاد السوفييتي القديم".
إن منجز تلك الفترة، ومنذ بشائر الحراك الشعبي في 25 يناير وما قبله، هو حراك ثقافي.. بداية من توظيف تقنية ثقافية جديدة (الشبكة العنكبوتية)، ثم فرز جيل شاب جديد، جسد دلالات "المثقف" الجديد مع التقنية الرقمية، إلى ملامسة أفكار الثورة (دوافعها وتأثيراتها اليومية).. حتى كان المنتج الثقافي بداية من الشعارات، إلى التدوينات، إلى "فن الجرافيتي والكاريكاتير"، إلى جملة ما تم إبداعه من الشعر والقصة.
يمكن تعريف "أدب المقاومة" بأنه الأدب المُعبّر عن التجارب الكبرى، مثل التجربة الحربية، والثورات الوطنية، ومواجهة الاستبداد والظلم وغيره.. وهو "الإبداع المُعبّر عن الجماعة الواعية بهويتها، الساعية إلى حريتها، من أجل الخلاص الجماعي".
لقد أضافت التقنية الرقمية شريحة جديدة إلى المثقفين، وأعني بذلك إلى مفهوم مصطلح المثقف، الذي لم يعد يعني الكاتب أو الأديب أو المفكر أو الأكاديمي أو الفنان فحسب.. بل يشمل التقني لفنون الكمبيوتر ومعطيات الثورة الرقمية، وكذلك المستخدم المتفاعل بوعي مع الشبكة (أيًّا كان عمره أو تخصصه).
تعريف الثورة:
هي عمل يتسم بالعنف، جماعي، موجه ضد السلطة القائمة، من أجل أهداف مشروعة.. وهي ظاهرة إنسانية للتعبير العنيف عن الصراع بين جموع الأفراد والسلطة/الإدارة القائمة عليهم.. وهي (سياسيًّا) تغيير للوضع الراهن.
ثورة 30 يونيو.. وتوظيف التقنية الرقمية:
إن البُعد الثقافي لعب دورًا هامًّا مع شباب الثورة، خصوصًا مع توظيف "الإعلام البديل"، وهو ما تجلى في الآتي:
أولًا: الإعداد والتجهيز لخروج الشباب في هذا اليوم (وما قبله).
ثانيًا: لم تكن مطالب الجماهير فئوية، ما أسقط مقولة أن الفقر وحده يمكن أن يكون سببًا للثورات.
ثالثًا: أصبح السؤال حول الدور الثقافي؟ حيث يأتي مفهوم الإبداع – بعد الثورة الرقمية – باعتباره البحث عن الحلول البديلة والمتجددة في الحياة اليومية.
خطوات التفاعل على صفحات المواقع الاجتماعية:
نشر ومتابعة أحداث ما كان لها أن تنتشر، لولا تلك الشبكات.
تواصل الشباب حول بعض الموضوعات والأحداث.
المتابعة لمجريات ما حدث تكشف عن قدر غير هين من الخبرات المكتسبة.
نمو واتساع درجات الاستجابة، سواء في عدد المجموعات وتوجهاتها، إلى درجة يصعب حصرها (لا توجد إحصاءات رسمية).
اتضح أن الشباب اكتسب صفة التنظيم بالمعنى الأيديولوجي، ما تجلى في حملة (تمرد) التي جمعت 22 مليون موافقة على إسقاط محمد مرسي وحكم جماعة الإخوان الإرهابية.
ساهمت تلك الشبكات في خلق "لغة" بالمعنى الأدبي وبالمعنى السياسي، لها سماتها التي اكتسبتها في حدود ثقافة ووعي الشباب.
يظل التلفزيون له سطوة خاصة إعلاميًّا، على الرغم من كل ما سبق (45 بالمائة من المتابعين، بينما كانت نسبة متابعي الإنترنت 40 بالمائة).
صورة نجاح ثورة 30 يونيو على المواقع الاجتماعية تتجلى في الآتي:
1. نقل واقع ما يحدث في العالم الواقعي (باستخدام الهاتف المحمول في التصوير والتسجيل) على شكل مقطوعات فيديو وتبادلها.
2. إيصال صور ومشاعر التعبير عن الغضب والرفض لما يحدث، وتأهيل قبول الدعوة للخروج إلى الشارع.
3. نجح الفيس بوك في تحويل الغضب الافتراضي إلى غضب واقعي.
4. تخصصت صفحات على الفيس بوك في نقل الأحداث لحظة بلحظة بمقاطع الفيديو والصور والتفاصيل الدقيقة، وهو ما أحرج وسائل الإعلام الرسمية.
نموذج المنتج الثقافي/الإبداعي للثورة (الشعار):
هو العتبة الأولى التي يجب التوقف أمامها للتعرف على هوية الثورة، ليس فقط لكونه أول ما أفرزته القريحة الإبداعية الجمعية للثوار، ولا لقيمته الفنية الجمالية؛ فهو وليد مجهول الأب، قليل الكلمات، كثير الدلالات، أشبه بتلك الحكم والمأثورات الموروثة، ذات إيقاع موسيقي رنان، ذلك الإيقاع القابل للتكرار والتسارع والبطء.
"الشعار" هو: "موجز دال لفكرة جوهرية أو لمنجز كبير أو لمطلب.. قد يكون بالكلمات، وقد يكون رسمًا على منتج ما أو لمهنة ما".
يُلاحظ أن الشعارات والهتافات بدت متنوعة في ظاهرها ومحتواها، مثلما كانت موحدة في الهدف والغاية.
أولًا: دلالة المواكبة الزمنية للأحداث:
(1) شعارات تخاطب الشعب، وهي أشبه بمحاولة للتعريف بهوية وأهداف هذه المظاهرة:
ثانيًا: الخصائص الجمالية والأدبية العامة:
يبدو الشعار فردي الإنتاج، إلا أنه جماعي الدلالة والمعنى.
دومًا مضمون الشعار يكون موافقًا عليه من الجماعة.
غالبًا المفردات عربية فصيحة، قريبة الدلالة، شائعة ومتداولة.
قِصر الشعار في عدد كلماته، مباشر في دلالته.
المفردات غالبًا من اللهجة العامية، ذات إيقاع مريح وموسيقي على الأذن.
موسيقى التركيبة اللغوية تلعب دورًا هامًا في تحمس ومشاركة الجماعة.
أهم ما يعبر عنه الشعار هو المضمون الفكري، أو لنقل القضية التي يدافع عنها أو يعلنها.
قد يتشكل الشعار الجامع من عدد من شعارات مفردة، من أجل توصيل رسالة كاملة (كما في شعار "باطل").
أسباب الثورة من خلال الشعارات:
الإحساس بتعسف السلطة والبطش، مما بذر بذور الإحباط لدى الشعب.
سيطرة الأسرة الواحدة والحزب الواحد على مقاليد ومقدرات الشعب، دون إعطاء المواطنين فرصة للمشاركة في الحكم، مع عدم حل مشكلات المواطنين العالقة.
عدم اليقين بوجود تنمية حقيقية تلامس هموم أفراد الشعب، خصوصًا الشباب، أو إنجازات للحاكم خلال فترة حكمه الطويلة.
رؤية علمية:
لقد عبّر عالم الاجتماع الفرنسي "جوستاف لوبون"، خلال القرن التاسع عشر، في دراسته عن "دور الدعاية" ووظيفة الشعارات الحماسية فيها، في تكوين وتشكيل والتعبير عن الرأي العام، بداية من إثارة الجماهير وحفزهم على المشاركة في الحشود، إلى تجمع وتعارك تلك الحشود وسعيها إلى تحقيق أغراضها. وانتهى إلى أن تلك الشعارات ليست إضافية، ولم توجد في التجمعات الثائرة على غير داعٍ، بل هي مظهر ووسيلة ومسعى للأنا الجمعية الحاشدة، والآخر الذي تُوجَّه إليه الرسالة.
لعب البعد الثقافي دورا مهما مع شباب الثورة، خصوصا مع توظيف "الإعلام البديل".. وهو ما تجلى في الإعداد والتجهيز لخروج الشباب في هذا اليوم
الشعار هو موجز دال لفكرة جوهرية أو لمنجز كبير أو لمطلب.. فبدت الشعارات والهتافات متنوعة، فى ظاهرها ومحتواها، وإن كانت متوحدة فى الهدف والغاية