الخميس 21 نوفمبر 2024

المهندس 20 عملاً مسرحياً وسيدتى الجميلة درة أعماله

فؤاد المهندس

5-6-2022 | 07:46

منى صلاح الدين

 

على بعد خطوات من شقة هند رستم وشقتي المخرجين حسام الدين مصطفى وشادي عبد السلام بشارع المنتزه المطل على نيل الزمالك، وبالقرب من شقة الموسيقار عبد الوهاب، اختار ابن العباسية الفنان الكبير افؤاد المهندس العمارة رقم 35 بشارع محمد مظهر، ليسكن فيها مع زوجته شويكار.

على باب العمارة لافتة الجهاز القومي للتنسيق الحضارى عاش هنا الفنان فؤاد المهندس، ا6 سبتمبر 24 ذ16سبتمر 2006، ولازال يعيش في شقته الدوبلكس بالطابقين السابع والثامن ابنه محمد وأسرته.

حين تنظر إلى العمارة التى ترتفع 9 طوابق، لابد أن تقفز إلى ذاكرتك مشاهد من فيلم االبيه البواب، فبكل طابق شقتين، وبالروف السطوح يسكن حارس العمارة وأسرته، على غرار أحداث الفيلم الذى أداه المهندس أمام أحمد زكي.

 

وإذا وقفت في شارع المنتزه على النيل يمكنك أن ترى شرفة غرفة نوم المهندس، التى كان يقضى فيها أغلب وقته، ووقتها يمكن أن يرن في أذنك مثلي، جملة «صدفة بنت بعضشي» الأشهر «أنت القلب الكبير، أنت نعمة وإحسان، بحكمتك تختال علينا، وأنت مرآة حضارتنا».

 الجملة التى دارت حولها أحداث مسرحية «سيدتى الجميلة» التى يعتبرها نقاد كثيرون «درة» أعماله المسرحية التى تصل لعشرين عملا قدمها خلال 40 عاما، رغم أنها مقتبسة من عمل أجنبي، ورغم العلامات المسرحية الكبيرة التى قدمها بعدها.

لكن سر هذه المسرحية التى قدمها بعد عام واحد من أحداث 67 الصعبة، يقودنا لتتبع خطوات صعود المهندس، حتى «روحية اتخطفت» التى أوقفته عن تقديم مسرحيات أخرى منذ عرضت عام 89 .

في 18 شارع عبد العظيم، بحي العباسية بالقاهرة، عاشت أسرة عميد كلية دار العلوم ووكيل المجمع اللغوى، الدكتور زكي المهندس، وزوجته وأولاده الأربعة على التوالي «درية  وصفية وفؤاد وسامي» عرف الاخوة الأربعة في الشارع بخفة الظل.، كما يحكي «محمد» الابن الأصغر للفنان فؤاد المهندس.

وعرف عن الطفل فؤاد حبه للتقليد منذ صغره، فكان يقلد الطلبة والمدرسين بشكل كوميدى، منذ كان في المدرسة الابتدائية، ثم في مدرسة فؤاد الأول الثانوية بالعباسية، التى اشترك فيها بفريق التمثيل، مثلما التحق بعدها بفريق التمثيل بكلية التجارة بجامعة القاهرة.

عن هذه المرحلة تحكي الإذاعية صفية المهندس، في حوار تليفزيوني مع الكاتب مفيد فوزى،» فؤاد نشأ في بيئة محافظة لها قيمها الدينية والخلقية وتقاليدها، لم يكن من السهل أن تقبل أن يحترف ابنها المتخرج فى كلية التجارة بالتمثيل، فكانت صدمة للعائلة، خاصة أنى قبلها بسنة ونصف تخرجت في الآداب وعملت بالإذاعة في سنة 1948، كان مفهوم عن الإذاعة وقتها إنها طبل وزمر، لكن والدي كان يشجعنا على العمل، وفرح إن الناس اللي كانت تعرفه بأنه عميد كلية دار العلوم، أصبحوا يعرفونه بأنه والد النجم فؤاد المهندس والإذاعية صفية المهندس».

 العباسية ..والريحاني

 يحكي لي محمد فؤاد المهندس عن بداية علاقة والده بالريحاني: خلال الدراسة بالجامعة، كانت أمنية الطالب فؤاد أن يقابل نجيب الريحاني «أو سي نجيب» كما كان يحب أن يسميه،  فكان يذهب ليشاهد عروض مسرحه بعماد الدين، وفي أحد الأيام ذهب إلى مكتبه في المسرح لإجراء مقابلة لمجلة الجامعة.

عن ذلك اللقاء حكى فؤاد المهندس  نفسه، في حديثه التليفزيونى مع هالة سرحان: «في صيف 1946 ..رحت عشان آخد منه حديث، في الدور الثاني في مكتبه،.. أنا تلميذ في كلية التجارة، عايز ايه؟، عايز سيادتك في كلمتين، وأخدت الحوار لمجلة الجامعة، وطلبت منه: مش حضرتك تيجي تخرج لنا في مسرح الجامعة، -أنا فاضى للعيال دي؟،- احنا مش عيال احنا رجالة كويسين، ونقالي رواية اسمها حكاية كل يوم، وأخرجها ووزع الأدوار، وأصابت الأدوار، ودخلنا بيها كأس يوسف وهبي وأخدنا الكأس».

عين فؤاد المهندس بعد حصوله على بكالوريوس التجارة عام 1948 بإدارة رعاية الشباب، فمارس الإخراج للفرق المسرحية الجامعية حتى استقال بعد ذلك للتفرغ للأعمال الفنية.

يعود محمد فؤاد المهندس إلى العباسية مرة أخرى، حيث كانت تسكن عائلة ذو الفقار، وأن والدي الصديق الصدوق لصلاح ذو الفقار، وتنبأ له الأخوان عز الدين ومحمود بمستقبل كبير في التمثيل، وبالفعل أسندا له أول أدواره في السينما، في فيلم «بنت الجيران» عام 1949، وتوالت أدواره بعدها في الأطلال والشموع السوداء.

في نفس العام توفى الريحاني، ودخل المهندس الإذاعة بمساعدة زوج أخته «صفية» المخرج الكبير محمد محمود شعبان «بابا شارو»، الذى أسند إليه دور البغبغاء في أوبريت «عيد ميلاد أبو الفصاد»، وبعدها دور كينج كونج في «كنوز الملك سليمان»، وربما لهذا أراد تقديم فوازير عمو فؤاد للأطفال في التليفزيون فيما بعد.

وفي العباسية أيضا تعرف على محمد عوض الذى كان وقتها لازال بالمدرسة، حين وصل فؤاد للجامعة، وخلال سنوات الجامعة وبعدها تعرف على عبد المنعم مدبولي والمؤلف يوسف عوف، وانضم لفرقتهم «ساعة لقلبك» التى قدمت كوميديا جديدة وقتها، عرفت بكوميديا الموقف.

عن العباسية يحكي لي أيضا المهندس أحمد فؤاد، الابن الأكبر لفؤاد المهندس، «عمل والدي في التمثيل بفرقة ساعة لقلبك، بجانب عمله كموظف في المدينة الجامعية بجامعة القاهرة، وتزوج من والدتي عام 1952 ، وهي من عائلة السيرجاني الشهيرة، وكانت جارته في العباسية، وسكنا بعد الزواج في العباسية أيضا، وانتقلا فيما بعد للسكن في الزمالك.

سيدتى الجميلة

أكثر من خمسة وستين فيلما وأكثر من عشرين مسرحية، عشرات المسلسلات التليفزيونية والإذاعية، قدمها المهندس لسنوات طويلة، في الستينيات شارك فرق التليفزيون المسرحية، ومنها السكرتير الفني (1962)، أنا وهو وهي (1963)، أنا فين وأنت فين (1964)، حالة حب (1965).

وبعد تفاقم مشكلات هذه الفرق إداريا، يؤسس فؤاد مع زملائه بفرق التليفزيون، فرقة «الفنانين المتحدين» بقيادة سمير خفاجي، ويقدم من خلالها: أنا وهو وسموه (1966)، حواء الساعة 12 (1967)، سيدتي الجميلة (1968)، وبعدما انفصل عنها، عاد إليها في أواخر الثمانينيات ويقدم علشان خاطر عيونك (1987).

وخلال فترة انفصاله عن «المتحدين» ينضم هو وشويكار إلى فرقة «الكوميدي المصرية» التى أسسها محمد عوض مع صلاح يسري في 1971، ويقدم من خلالها نجمة الفاتنة، وهاللو دوللي في نفس العام، ويا ما كان في نفسي (1973)، ليه ليه؟ (1976)، إنها حقًا عائلة محترمة (1978)، سك على بناتك (1979)، قسمتي (1983) بالمشاركة مع قطاع المسرح، هالة حبيبتي (1984)، ثم يقدم مع شويكار روحية اتخطفت (1990)، ومراتي تقريبا (1991)، من إنتاج القطاع الخاص.

لكن الناقد المسرحي، د. عمرو دوارة، أحب أن يتوقف معي في مسيرة المهندس عند «سيدتي الجميلة» قائلا: هي درة أعماله المسرحية من وجهة نظري النقدية، بلا مقارنة ولا منافسة مع أي عرض آخر.

عن نفس المسرحية يتحدث فؤاد نفسه لهالة سرحان: أنا الوحيد اللي كان يسمح لي  الريحاني بالوجود في الكواليس عشان اتفرج عليه وهو بيمثل، شفت عبد الفتاح القصري، حسن فايق، بشارة وكيم، ماري منيب وميمي وزوزو شكيب، كلهم كانوا يشتغلوا مع بعض، أنا طلعت في المعنى ده، وطلعت اللي معايا كله كده، أخدت من الريحاني ثقل العمل وقيمة العمل، وإنه يحل مشكلة موجودة، ويوجه الناس، علمنى الريحاني كيف أنظر للحوار، حلو وحش يتعدل، أشوف الترابط بين الشخصيات بعضها البعض، في رواياتي تلاقي كل واحد في مكانه، في سيدتي الجميلة أعداد كبيرة من الممثلين لكن كل واحد في مكانه.

 ويكمل في نفس الحوار: علمنى إزاى أضحك ضحك حلو، لا أضحك باسفاف، لست مع الخروج عن النص أبدا، لم أتبع سياسة الخروج عن النص أبدا، الخروج عن النص إفلاس من المؤلف ومن الممثل، إما النص يتعمل زى ما هو أو ما يتعملش، اتعلمته برضه من الريحاني، أذكر عبد الفتاح القصري في بروفة قال كلمة، وقلب الريحاني في الورق، وقال دى كلمة مش موجودة، لو أنا عارف أنها تفيد كنت حطتها، ما تحطش حاجة من عندك.

خلطة فؤاد

انتهت الخمسينيات تقريبا تاركة مدرستين للكوميديا، مدرسة علي الكسار الذى خرج من عباءته إسماعيل ياسين، ومدرسة الريحاني التى رأى النقاد في فؤاد المهندس امتدادا لكوميديته الراقية.

لكن بمجىء الستينيات ظهر جيل من الكوميديانات، أو كما يسميهم الناقد محمود السعدني «المضحكون» في كتابه الصادر عام 1971 يحمل نفس العنوان، مثل أمين الهنيدي ومحمد رضا ومحمد عوض و عبد المنعم مدبولي وعبد السلام محمد وحسن مصطفى، ثم عادل إمام وسعيد صالح وثلاثي أضواء المسرح، لكن السعدني يفرق بين كل هؤلاء وبين فؤاد المهندس بقوله: «إذا كان بينهم من يتمتع بموهبته، فليس بينهم من يتمتع بذكائه».

ويدلل محمود السعدني على ذكاء المهندس، بأنه بزواجه من شويكار يجرب وصفة جربها الريحاني من قبل، وكانت الوصفة ناجحة للغاية، وذكاء فؤاد المهندس جعله يعرف كيف يستغل لياقته البدنية، يعرف كيف يضحك الناس حين يتكلم،  ويستطيع اضحاكهم أكثر حين يتحرك.

وذكاؤه هو الذى جعله يطمع في تقديم روائع المسرح العالمي، سيدتي الجميلة، الملك وأنا، إيرما الغانية، وجعله يعدل مساره قليلا، لينحرف عن مدار الريحاني، وليصبح له في النهاية مدار مستقل، فهو مضحك الطبقة الجديدة».

أما «خلطة فؤاد المهندس» في رأى مجاملة عبد المنعم مدبولي: والتى قالها في لقاء تليفزيونى مع مفيد فوزى: فؤاد ممثل %100 فنان شامل متعدد المواهب، صاحب مدرسة، له أسلوب خاص متميز عن زملائه، يقدر يقدم كل أنواع الكوميديا الفالس والانسانية، يغني وممكن يطرب..أغنية رايح أجيب الديب من ديله ، لما أسمعها أعيط وجسمي يقشعر، يستطيع أن يضحّك بكلام لا يضحك، بالحركة المصاحبة وباللون اللي بيؤدي بيه الكلام، ويقدر يمثل تمثيل صامت.

وفي البرنامج التلفزيونى نفسه وصف أبوبكر عزت المهندس: فارس من فرسان المسرح، منظم ويهتم بالتفاصيل الدقيقة، ولديه شموخ في الأداء، ملتزم وأنيق، يضحى بالضحكة التى قد تهبط بقيمة العمل.

كوميديان الطبقة المتوسطة

الأديب والناقد د. أحمد الخميسي، يتوقف عند ما يقدمه فؤاد المهندس للجمهور بقوله: مسرحه وجبة كوميدية ممتعة من الضحك النظيف غير المسف، يمكن للعائلة أن تشاهده دون خجل، ويقدم من خلال النص، قضية أو فكرة اجتماعية غير معقدة، وبعيدة عن السياسة، فهو كوميديان الطبقة الوسطى، ولكي يضحك الطبقة الشعبية كان عليه أن يقدم موضوعات تمس حياتهم.

أما سر نجاحه ككوميديان في رأى الخميسي، فاختياره النص الجيد، ويمكنه أن يغير فيه كما يرى، كحال أغلب الأبطال أو النجوم المسرحيين خلال الستينيات، وأغلب النصوص التى قدمها نصوص أدبية مضمونة الجودة، وسبق تجريبها من قبل، على غرار «سيدتي الجميلة»، إلى جانب اختياره للمخرج الجيد، فأنجح مسرحياته أخرجها له عبد المنعم مدبولي، واستطاع أن يقدم مسرحا تجاريا غير مسف، لطيف، لا نكت خارجة ولا إيحاءات جنسية، وهذا يعود لنشأته وتربيته وذكائه.

أما عن الشبه بين الريحاني والمهندس فيقول الخميسي: المهندس يشبه الريحاني فى كونه ملكا على المسرح، وفي أن أعماله السينمائية كانت أقل نجاحا، لم يكن يقلد الريحاني، بل أجاد استخدام جسده، ولا أعتقد أن الريحاني اعتمد على بديعة مصابني في عمله، فقد انفصلا سريعا، وأكمل الريحاني مشواره ب «دراعه»، كما أن شويكار ليست أمينة رزق أو سناء جميل، ولكنها فنانة لطيفة مبهجة.

ويتابع: لم يحب فؤاد أن يكون فرقة خاصة، لأنها مسئولية، خاصة بعد النهاية المؤسفة لفرقتي إسماعيل ياسين ويوسف وهبي، اللتين كانتا سببا في إفلاسهما، ومع هذا قدم وجوها جديدة، مثل عادل إمام وسيد زيان وفاروق فلوكس وسناء يونس ومحمود الجندي وشريهان وغيرهم، وكان لديه ما يشبه الشلة أو مجموعة العمل، شويكار في التمثل ومدبولي في الاخراج، وفرقة الفنانين المتحدين، وبهجت قمر في التأليف، وإن كانت الشلة ليست دائما وراء نجاح الفنان.

لكن الناقد عمرو دوارة يرى أن التشابه بين الريحاني والمهندس جاء بصورة طبيعية، لتشابه التركيبة الشخصية لكل منهما، ولإعجاب المهندس «بالريحاني» ودراسته لعوامل نجاحه، ومنها النصوص المحكمة، والتعاون مع مؤلفين تربطه بهم الألفة والتفاهم والصداقة معهم، مثلما تعاون الريحاني مع أمين صدقي وبديع خيري، اعتمد «المهندس» على بهجت قمر وسمير خفاجي، وتناول القضايا التي تمس الطبقة المتوسطة، والالتزام الفني بعدم الخروج على النص أو خدش الحياء، وتضفير بعض الأغاني والاستعراضات بالأعمال الكوميدية،  وكما اعتمد الريحاني على أغاني بديع خيري وألحان سيد درويش، وداود حسني، كاميل شامبير، إبراهيم فوزي وزكريا أحمد اعتمد المهندس على ألحان محمد عبدالوهاب، منير مراد، حلمي بكر، عمار الشريعي، جمال سلامة، حسن أبو السعود، هاني مهنى.

أحاديث السطوح

فوق شقتي فؤاد المهندس، كان يسكن حارس العمارة الأسواني «عم علي إبراهيم» الذى عمل سفرجيا بأحد قصور العائلة المالكة بالزمالك، قبل أن ينتقل للعمل بحراسة العمارة، وتوفي قبل 3 سنوات عن عمر ناهز 74 عاما، كما يحكي ابنه عادل، الذى ورث مع أخيه أحمد حراسة العمارة عن والدهما.

أولاد عم علي السبعة «3 أولاد و4 بنات» جميعهم تعلم بالجامعة، ولاتزال زوجته موجودة، «عمارتنا كانت من العمارات القليلة في الزمالك المبنية على الطراز الحديث وقت انشائها في الستينيات، وكانت ملكا لتجار ألبان، ثم اشتراها رجل الأعمال صاحب مصانع خزف «الصيني الغندور» بالأزهر» كما يحكي عادل.

للعمارة واجهتان، الأولى غربية بها المدخل على شارع مظهر، والأخرى شرقية تطل طوابقها العليا على شارع المنتزه والنيل، وبها مصعد واحد، وتغير مدخلها الذى كان كبيرا مفروشا بالرخام الأسود، من عرض 10 أمتار، انخفض الآن إلى 4 أمتار ونصف، بعد أن اقتطع منه جزءا تحول إلى متجر ومخزن.

مدخل العمارة الكبير صور فيه بعض مشاهد من أفلام «الأستاذ» منها فيلم «عودة أخطر رجل في العالم»، وقد طلب الأستاذ من مهندس الديكور أن يصل الشقتين اللتين استأجرهما بالطابقين السابع والثامن، بسلم داخلي، ليتحولا إلى ما يشبه الفيللا أو الدوبلكس، واختار أن تكونا علويتين ليرى أكبر جزء من النيل، ومنطقة روض الفرج والساحل.

الشقتان يمين المدخل، ومساحة كل واحدة 175 مترا، وايجار الواحدة لا يتعدى 28 جنيها، وتطل غرفة نوم الأستاذ وشرفتها على النيل، «علاقته بالجيران محدودة، ولا يزوره شخص إلا بميعاد مسبق، وينام مبكرا ويستيقظ مبكرا، إلا أيام المسرح، فكان يعود متأخرا، قائدا سيارته السوداء البيجو، التى يخرج منها صوت أم كلثوم عاليا «يامسهرني» وهو يردد معها، ويركن سيارته في جراج العمارة المقابلة، لأن عمارتنا ليس بها جراج، وفي 86 اشترى سيارة بي إم بقيت معه حتى وفاته، وفي أغسطس  وسبتمبر، كان يقضى الصيف في شقته المطلة على شاطىء ميامي بالإسكندرية.

عادل المولود في 69 يتذكر أنه شارك في حمل معدات برنامج «سينما القاهرة» الذى قدمته ناهد جبر في السبعينيات، وصورت حلقة من داخل فيللا الأستاذ، هي تلك الحلقة التى ظهرت فيها الشقتان والسلم الخشبي الواصل بينهما، والمطبخ والحمام وغرفة نوم الأستاذ وسريره المميز، الذى اشتراه من أحد المزادات، ويصعد إليه بدرجتى سلم، ومساحته متران في مترين ونصف، وهى الغرفة التى التهمتها النيران، قبل وفاته بشهرين.

يتذكر عادل زيارات بعض الفنانين للأستاذ في الثمانينيات، منهم عبد المنعم مدبولي وأمينة رزق وسناء جميل، وسعيد صالح وبعض الشخصيات العربية كان يستقبل فريق برنامج كلمتين وبس في بيته، ليسجلوا معه الحلقات حتى آخر يوم في حياته.

فوجىء عادل ذات يوم بالأستاذ يقول له: ياعادل مش هاتيجي تتفرج علي في المسرح، «وقتها رحت أنا وأخواتي مسرحية هالة حبيبتي في الزمالك، أخذنا معه في العربية، وتخيلنا أنه سيجلسنا في الصفوف الأخيرة لكنه أجلسنا في الصف الأول، يظهر في الأفلام أو المسرح بشخصيته الحقيقة، عصبي وردود أفعاله مثلما كانت تظهر في التمثيل، طيب الخلق ولا يحب المحسوبية ولا النفاق ويحب أن يرتدي الملابس الأنيقة ويتعطر بأغلى العطور، كما يحب الطعام الشهي، هو أقرب لشخصية «مسعود» في فيلم «أرض النفاق».

لكن محمد فؤاد المهندس يرى أن أحب الشخصيات لقلب والده كانت «جيمس بوند»، التى جسدها في «مستر إكس» فيلم «أخطر رجل في العالم» ولاقى الفيلم إقبالا جماهيرا، لم يحظ به «فيلم معبودة الجماهير» الذى شارك فيه وعرض في نفس الوقت.

أما أحب الشخصيات إلى قلبه في المسرح، فكان الرجل الفقير الذى يرتدي بنطلونا قصيرا، «ياقوت أفندي» في السكرتير الفني، ولم يحب أن يقدم دور الفلاح أو الصعيدي الذى يرتدي جلبابا» وكان يقول لي ما أحبش أجسد الدور ده، لأنه مش هينفع معايا، لكن شخصيته الحقيقية لا تشبه أيا من أبطال أعماله، كان طيبا كريما يحب الناس، ومنضبطا جدا وصارما جدا، على غرار انضباطه في حياته الفنية.

من خطف روحية

حصل المهندس  على عدة تكريمات عن مشواره المسرحى، ومنح جائزة الدولة التقديرية عام 2005، ومع هذا كان المهندس قد أوقف العمل بالمسرح بعد مسرحية «روحية اتخطفت» عام 89 كما يقول الابن محمد، فرغم أنها مأخوذة عن قصة فيلم أجنبي، لكن عندما عولجت مسرحيا، لم تنجح المسرحية كما كان يأمل أبي، كان قد توفى بهجت قمر، ومرض سمير خفاجة، فلم يعد هناك من يكتب أعمالا جيدة لفؤاد في المسرح، فقد ربطته صداقة قوية مع بهجت قمر «الذى كان يعرف ماذا يكتب لفؤاد المهندس وكيف وكان قمر كثيرا ما يردد أنا أتنفس فؤاد المهندس، ولما أموت سيبكي على قبري المهندس وشويكار وسمير خفاجي» دلالة على النجاح الذى حققه الأربعة معا ، ولم يفضل والدي أن يكون فرقة مسرحية، لأنه ممثلا وليس إداريا ، ويرى أن صاحب بالين كذاب.

يعود والدي فرحا من المسرح عندما يتجاوب الجمهور معه بداية من أول إفيه، بينما كان ينزعج إذا صدر عن الجمهور ضوضاء أو أحاديث جانبية أثناء العرض، حتى إن كان بكاء طفل صغير، فقد كان هذا الأمر يخرجه من أجواء العرض ويدفعه إلى غلق الستارة، وكثيرا ما حدث هذا.

كنت أذهب مع أبي للتصوير وأقلد أقاربي، وفي إحدى المرات أعطاني فرصة للتمثل أمامه في مسرحية «ليه ليه»، لكنى شعرت بصعوبة التمثيل وهيبة المسرح، فتراجعت، فحبي للتمثل لم يعن أني موهبا، فاتجهت للعمل في التجارة، لكن ابني عمر محمد المهندس «أول أحفاد الأستاذ» درس المسرح والسينما بالجامعة الأمريكية، ومثل مع أحمد حلمى دورا في فيلم «ألف مبروك» وهو الآن مخرج إعلانات، وسيقتحم الإخراج السينمائي قريبا، فهو من تلاميذ المخرج الكبير شريف عرفة.