الخميس 2 مايو 2024

"فردوس محمد" الأم المثالية ..للسينما المصرية

فردوس محمد

5-6-2022 | 07:46

منى صلاح الدين

 

لدى الأمهات والجدات دائما خلطة عجيبة، من اليوميات والمواويل والحكايات والأمثال الشعبية التى يتناقلنها جيلا بعد جيل، تتسرب من خلالها القيم الأصيلة والوجدان الشعبي، والأفكار والحيل والمشاعر، واختيارات الناس ونضالهم وفنونهم التراثية.

وبنفس الخلطة تصنع الأمهات والجدات بصمتهن في عالم السينما السحرى، عبر مؤثرات الصوت والضوء، والحركة والصمت، والملابس والمشية والأداء.

تدهشنا التفاصيل وتدفعنا لتأمل تلك الخلطة العجيبة، فإما أن نختار التماهي معها، أونقرر التمرد عليها، لكن في النهاية تظل هذه الخلطة هي القاسم المشترك الشعبي، الذى يحتكم إليه الجميع

-البت لواحظ الخدامة اللي معاهم في الشقة، بتقول اللي يشوفهم في الشقة يفتكر إنهم لسه في شهر العسل.

-طب هات ورقة وقلم قوام، أنا هوريكم إزاى كيد النساء يغلب كيد الرجال.

-طبعا الراجل اللي يقف أصادقك لسه ما اتخلقش يامعلمة.

-أيدك ياواد عندك..حضرة المحترم كامل بك، ياسعادة البيه النائب..خد بالك من بيتك، وراقب الهانم كويس، فتح عينك.

-يابنت الايه يامعلمة...

-رص كمان يا وله:..النسوان مالهمش أمان، والقط لما يغيب.. يلعب الفار.

هذا الحوار جزء من فيلم «المتهمة» من إخراج بركات وانتاج آسيا عام 1942، وهو فيلم لا يعرض كثيرا على شاشة التليفزيون ومتاح على مواقع الفيديو المصورة، وقد أدت فيه الفنانة فردوس محمد، دور «المعلمة شفيقة» زوجة تاجر المخدرات «برعي»، وهو دور لم نعتد أن نرى فيه فردوس محمد، التى اشتهرت بأدوار الأم أو الدادة، ويعتقد الكثيرون أنها لم تؤد غيرها.

لكن موسوعة تاريخ السينما المصرية للناقد الكبير أحمد الحضري، قد رصدت أدوارا أخرى مختلفة أدتها فردوس محمد، منها دور الاسطى العالمة في فيلم «شارع محمد علي» من إخراج نيازى مصطفى وإنتاج توجو مزراحى 1944، ودور الخاطبة في فيلم «عريس الهنا» من إنتاج وإخراج إبراهيم لاما 1944، ودور الممرضة في فيلم «ابنتى» عام 1944من إنتاج عزيزة أمير، وإخراج نيازي مصطفى.

الغريب أن «هالة محسن نصر» حفيدة فردوس محمد، هي الأخرى تفاجأت عندما علمت أن جدتها قدمت مثل هذه الادوار و قالت : «لا أبالغ إذا قلت أنى لم أشاهد هذه الافلام، لكنى سأعمل في الفترة القادمة على جمع تراث جدتى وما كتب عنها، فقد بدأت حياتها الفنية في المسرح عام 1927 ، ثم اتجهت إلى السينما عام 1935.

بيت الأم المصرية

كل شيء في بيت الابنة «سميرة» والحفيدة «هالة» فيه رائحة الأمومة ولمسة الأمومة وهدوء الأمومة، وبساطة فردوس محمد، وكأننا في بيت مصري في أربعينات القرن الماضي، رغم أنهما تعيشان في كومبوند بمدينة 6 أكتوبر، بعد أن عاشت سميرة مع زوجها مدير التصوير السينمائي الكبير الراحل «محسن نصر» في شقة بالقرب من ميدان الجيزة لسنوات طويلة.

«سميرة محمد أدريس» المولودة في 1941 هي ابنة الفنانة الملقبة بأم السينما العربية «فردوس محمد»، بحفاوة كبيرة وبصوتها الحنون تقول: «انتوا فين من زمان.. كويس إنكم لسه فاكرين ماما».

رائحة البخور تلف الشقة، وتستقبلنا قطع من الاثاث الفاخر ذى الطراز القديم، دولاب فضية وكرسيان بينهما قنصول عليه صور لمدام سميرة وهي صغيرة وصورة لزوجها الراحل، وترابيزة دائرية عليها «بنبونيرة» فريدة من الزجاج الاخضر البوهيمى، وأطباق فاكهة وحلوى من الزجاج البرتقالي والخزف المزين بأوراق النبات والورود بألوان البصلي والأخضر والأصفر الفاتح.

تشير الحفيدة «هالة» لى هذا الأثاث وهذه التحف وأطقم فناجين وسبرتاية قهوة «كل ما تبقى من مقتنيات جدتى بالإضافة إلى دروع التكريمات وصورة قديمة لها.

هالة محسن نصر، المولودة منتصف الستينات، لم تعمل في التمثيل، ولا في التصوير السينمائي، كوالدها وعماها رائدي التصوير السينمائي بمصر عبدالحليم نصر ومحمود نصر»، «ليس لدي ولا لدى أولادى موهبة التمثيل أو التصوير، وحاولت العمل مع والدي لكنى اكتشفت أن مهنة التصوير صعبة جدا، ولابد لمن يعمل بها أن يحبها، وأن يمتلك الموهبة ليستطيع التغلب على صعوباتها ومخاطرها، وبعد الزواج فضلت التفرغ لتربية الأولاد.

ومثل ما حدث مع الحفيدة هالة، حدث مع الابنة «سميرة»، فرغم أنها ابنة فردوس محمد ووالدها الفنان محمد إدريس، فلم تعمل في التمثيل.

المنتج السينمائى الشهير، تاكفور انطونيان طلب من أمي أن أمثل وأنا طفلة، لكنها رفضت بشدة، فكانت تحرص على تعليمي ومذاكرتي، وتوفر لى سبل الراحة لكي لا أضيع أي وقت إلا في المذاكرة، كان عندنا دادة ومساعدة لها، لأن ماما كانت بتشتغل كثير وتقضي وقت كبير خارج البيت ، وكان لدينا سائق وفي بعض الأحيان كانت أمى تقود سيارتها بنفسها».

درست سميرة في مدرسة «الفرنسيسكان في الإبتدائي، وكانت تدرس معها «يويو» أو أميمة ابنة عقيلة راتب، لكنها كانت تكبر سميرة بأعوام، ثم انتقلت لمدرسة «لاروزدي ليزية».

«في الثانوي قدمت لى أمى في مدرسة بشارع مراد لكن الناظرة رفضت التحاقي بالمدرسة لأنى ابنة فنانة، فأشتكت أمى لسليمان بك نجيب، فقال لها ماتزعليش يادوسة وأعطاها ورقة بإمضائه للناظرة، لكن ماما رفضت التحاقي بالمدرسة، خوفا من تربص المدرسات بى، والتحقت بمدرسة كلية البنات بالزمالك، وتوفيت أمى وأنا في الثانوية العامة ، في 30 يناير عام 1961، ولم أكمل تعليمي الجامعي، وقد أنفقت أمي الكثير من أموالها على علاجها من مرض السرطان، الذى عانت منه لسنوات، وقبل وفاتها بشهرين أرسلها الرئيس جمال عبدالناصر للعلاج في السويد على نفقة الدولة، وعادت من الرحلة متعبة جدا وقال الاطباء هناك أنها لن تعيش أكثر من شهرين وهذا ما حدث.

ولحبه لفردوس محمد قرر المخرج الكبير «محمد كريم» تعيين الابنة سميرة موظفة في قسم المونتاج بالمعهد العالي للسينما، وكان وقتها عميدا للمعهد، «هناك تعرفت على الطالب محسن نصر وتزوجنا، وتركت العمل وتفرغت لرعاية زوجى وابنتى الوحيدة هالة.

السيدة البلدية

- كفاية يابنتي كفاية..اخص عليك ياعادل، هي حصلت لكده،.... يافرحة الأعادي اللي هيخلالهم الطريق بعدك..

-ينفقلق بيهم.

-ماتخربيش على نفسك يابنتي، ...والنبي أنا قلبي بيقول لي إن الحكاية دي متلفقة، ..مين دي اللي كلمتك...في التليفون..ماتقولش اسمها ليه إذا كانت حبيبة وعايزة مصلحتك، دي لعبة عاملينها ولاد الحرام عشان يفرقوا بينكم، لكن انت أوعي تمكنيهم من كده، روحي على بيتك، وكأن ماحصلش حاجة أبدا لحد ماربنا يكشف سترهم.....ده بيتك ودي حياتك، انت اللي تطفشيهم، مش هم اللي يطفشوكي، الست العاقلة هي اللي تميل مع الريح لما يعدي، ياالله ياحبيبتي روحي عشان يرجع يلاقيك في البيت.

حوار دار بين فردوس محمد وفاتن حمامة في فيلم سيدة القصر، وهو يشبه الكثير من حوارات أدوار الأم أو الدادة، التى اشتهرت بها فردوس محمد، وصنعت بصمتها في السينما، وفي وجدان أجيال كثيرة، مع حركات جسدها وملابسها وطريقة مشيتها، وحنانها ونصائحها، باعتبارها نموذج الأم المصرية.

المخرج الكبير محمد كريم هو أول من قدم فردوس محمد للسينما، في دور زهرة زوجة المعلم حنفي، في ثانى أفلامه «دموع الحب»عام 1935 بطولة محمد عبد الوهاب، ثم اختارها المخرج نيازي مصطفى لدور ستوتة زوجة سلامة «نجيب الريحانى» في فيلم سلامة في خير1937، بحسب موسوعة تاريخ السينما في مصر، الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

وكتبت مجلة الصباح عن دورها في هذا الفيلم بتوقيع «محمد» في 17 ديسمبر 1937 «فردوس محمد أصبحت هذه الفنانة الناجحة خير من تقوم بمثل هذه الادوار البلدية ولا غبار عليها مطلقا في تصويرها لهذه الشخصيات، وإن يكن دورها هنا محدودا جدا .

وفى 1938 شاركت زوجها محمد إدريس التمثيل في فيلم «خدامتى»إخراج «اليفيزى اورفانيلى» ثم أفلام «ثمن السعادة» و«الدكتور» و«ليلة ممطرة» إخراج توجو مزراحى و«بياعة التفاح» 1939، وعن دور أم البطل أحمد «محسن سرحان» في فيلم «حياة الظلام» انتاج استديو مصر وإخراج أحمد بدر خان، كتب عنها أبو الفتح الاسكندرانى في مجلة الرسالة في 15 يناير 1940 «شخصية واحدة من شخصيات هذا الفيلم هي التى حظيت بشيء من التوفيق وهي فردوس محمد التى أصبحت مختصة بأدوار الأمهات تقوم بها بإتقان تام ونجاح فائق.

ثم يختارها محمد عبد الوهاب منتج فيلم «يوم سعيد» لدور قطايف «أم أنيسة» «فاتن حمامة»، من إخراج محمد كريم، كما أدت فردوس محمد دور أم إحسان الجزايرلى، وحماة فوزي الجزايرلي في عدة افلام منها «الباشمقاول، الفرسان الثلاثة، الحظ السعيد» من إنتاج واخراج «توجومزراحى».

وتفسر المخرجة مريم الجزايرلي حفيدة الفنان فوزى الجزايرلي، نجاح فردوس محمد في أداء دور الأم في سن مبكرة، ولممثلين أصغر منها بقليل- بل وربما أكبر منها سنا، -كما في فيلم فاطمة-بأنها عبرت عن نحو 70% من الأمهات المصريات في ذلك الزمان، بملامح وجهها الحانية وابتسامتها العذبة وصوتها النابع من قلبها وليس عقلها، وإلى ملابسها التى اتسقت مع أدوارها، وكذلك طريقة مشيتها، بأداء صادق غير مفتعل.

وكما توضح مريم أن فردوس أدت دور الأم والمربية بخفة ظل، اتسقت مع أحداث الأفلام، مرجعة الفضل في هذا النجاح إلى مكتشفها المخرج محمد كريم، الذى رأى في تكوينها الجسمانى وشخصيتها ما ينجح هذا الدور، ثم إلى مخرجين آخرين وظفوا إمكانياتها وخبراتها ومخزونها الحياتي من الأمثال الشعبية، لخدمة القصة، مثل توجومزراحى ونيازي مصطفى وهنري بركات وحسين فوزي وأحمد بدرخان وغيرهم، وتحسب مريم لفردوس أنها لم تعتمد على تكوينها الجسمانى في الاضحاك.

الدادة الأصيلة

«لولا..لوليتي..يا أختي ..هي نامت ولا إيه..أنا جبت لك أسبرينة، عقبال ما يغلي التليو..قومي ياحلوة، قومي ياطعمة، قومي ياروح دادة، يا اختي بقى بلاش دلع....يا أمي حرامي».

مشهد شهير لا ينسى في فيلم «غزل البنات، بين الدادة» ما شا الله وليلى مراد التى أخذ مكانها نجيب الريحاني، والمدهش أن دور الدادة لم يكن موجودا في سيناريو الفيلم، كما تحكي الحفيدة هالة، «نجيب الريحانى كان يتفاءل بجدتى، فقد عملت معه في المسرح و كان يحب أن تشاركه أفلامه، فعملت معه في ثلاثة أفلام: سلامة في خير، أبوحلموس، وغزل البنات، الذى طلب من أنور وجدي أن يكتب لها دورا في الفيلم.

قدمت فردوس محمد دور الدادة في أفلام كثيرة، منها : ليلة ممطرة، ليلى، نداء الدم، القلب له واحد، قلوب دامية، وغيرها»، وكما تصفها الابنة سميرة: صوتها الهادىء وقوة شخصيتها واتزانها وحنانها، ميزها في دور الدادة عن أى ممثلة أخرى من جيلها قدمت نفس الدور، مثلما نجحت أمي فى تقديم دور الأم المصرية الصميمة المضحية، التى تشبة أمهات ذلك الزمان من الطبقة الشعبية والقروية البسيطة ،غير الحاصلات على قدر من التعليم، لكن يدفعن أولادهن للتعليم وللنجاح عمليا وخلقيا.

تحب الابنة سميرة أداء أمها فردوس في فيلم «حكاية حب»، الذى حضرت تصويره معها في الاستديو، ورأت كيف صفق لها الحاضرون في البلاتوه، بعد أدائها لأحد المشاهد، «كان عبد الحليم حافظ يعتبرها بمثابة أمه، ويزورها أثناء مرضها، وبعد وفاتها كان دائم الاتصال بى ويطلب منى ألا أتردد في أن أطلب منه ما أريد، كما كانت الفنانة فاتن حمامة تتواصل معي وتسأل عنى وتطمئن على أحوالى منذ وفاة أمى وحتى قبيل وفاتها عام ،2015 فقد كانت تزورنا دائما في بيتنا هى والمنتجة عزيزة أمير، وزينب صدقي وزوزحمدى الحكيم، وكوكب الشرق أم كلثوم، التى نشأت بينها وبين والدتى صداقة قوية بعد أن قامت أمي بدور والدة أم كلثوم في فيلم «فاطمة» رغم أنها تصغرها بعدة سنوات.

كان من أصدقاء امى الذين يأتون لزيارتنا في المنزل سواء في منزلنا في127 شارع رمسيس أو الشقة التى انتقلت أنا وأمي للعيش فيها بعد انفصالها عن والدي بميدان شاهين بالعجوزة، الفنانة نادية لطفى، والمخرجان أحمد بدرخان ومحمد كريم، والممثلة النوبية «زينب محمد» التى أدت دور الدادة فكرية في فيلم «سيدة القطار» كانت أمى تدعوها لزيارتنا وتستضيفها في منزلنا لعدة أيام، ومن جيراننا المقربين في رمسيس الفنانة «فتحية شريف» الزوجة الاولى للفنان عماد حمدى.

مفتقد الأمومة..يعطيها

أم مثالية، مافيش أم زيها في أى سينما في العالم، هى الأم المصرية اللذيذة، اللي تبصلها تفرحك، تبص لوشها تفرحك، اللي الواحد يحبها وتحس إنها بتحبك، هي ماكانتش بتمثل، هي كانت بتحب الممثلين اللي بيمثلوا معاها وكأنهم ولادها، أمهم بجد، وكنت باحس بالأمومة معاها، وكان لها مشية مميزة مع جسم ممتلىء، هكذا وصف عمر الشريف أمومة فردوس محمد في السينما، في لقاء تليفزيوني، وربما كان لفردوس من اسمها نصيب، فالفردوس في اللغة هو البستان، أو الجنة التى وعد بها البارين بأمهاتهم»الجنة تحت أقدام الأمهات.

سر هذه الأمومة، كما تكشفه لى ابنتها سميرة، هو أنها فقدت أمها وهي صغيرة، «كانت تقول لى فاقد الشيء يعطيه أكثر من أي شخص آخر، وتقول لى: حرمت من حنان الأم، لكن أشعر أن بداخلي حنانا وحبا لو وزع على العالم سيكفيه، وقد تأثرت أنا وابنتى هالة بهذه الأمومة وفضلنا أن نتفرغ لحياتنا الأسرية وتربية الاولاد».

ولدت فردوس محمد في 5 مايو عام 1906بحى المغربلين بالقاهرة ،وتوفى والدها وهي طفلة لم تكمل العشر سنوات، وتوفيت أمها بعد الأب بشهرين، فلم تجد الطفلة أحد بجوارها غير الشيخ على يوسف، صاحب صحيفة المؤيد الشهيرة وقتها، الذى ربطتها صلة قرابة بوالدها، فأخذها لتعيش مع أسرته، وألحقها بمدرسة إنجليزية بالحلمية، مخصصة لإعداد الزوجات وتربية الاطفال وتعليم العربية والانجليزية.

زاد وعى أمى وثقافتها في منزل الشيخ علي يوسف، وتزوجت من قريب لها في سن الـ 15 عاما ولم تكمل تعليمها، وقررت أن تجرب حظها في التمثيل فتقدمت لفرقة رائد المسرح ومدير فرقة عكاشة المسرحية، عبد العزيز خليل، فاسند لها دور الأم في مسرحية من تأليف محمد عبد القدوس، بعنوان «احسان بك» عام 1927 ونجحت نجاحا كبيرا، وتمر الأيام، ليطلبها نجيب الريحانى للعمل بفرقته، ثم تعمل بفرقة فوزي منيب، وهناك تعرفت على والدي الممثل والمنولوجست «محمد إدريس» وتزوجا في أواخر الثلاثينات.

رحلة فردوس محمد المسرحية وثقها المؤرخ المسرحى الكبير د. عمرو دوارة في دراسته عن سيدات المسرح، وجاءت مسرحية «إحسان بك» في 1927 كأول مسرحياتها، ومع فرقة «جورج أبيض» قدمت مسرحية «عاصفة في البيت» في 1928؛ ومع فرقة «حسن فايق» قدمت مسرحيتي «الأعراض، الحب بالعافية» في 1929, ومع فرقة «فوزي منيب» المعروف بـ «كشكش البربري» قدمت مسرحيات: «الأميرة قمر الزمان، السر في سبت، خاتم الملك، عريس الغفلة، كنز القبطان، ليالي الأنس، دولة الحظ، مملكة العجايب، بوريه من حماتي، الأمير الهندي، العشرة الطيبة» في 1929.

ومسرحيات «إللي فيهم، بغداد في الليل، زمردة اليتيمة، يا رايح قول للجاي، عثمان ها يخش دنيا، فرجت» في 1930؛ ومع فرقة «صالح عبدالحي» مسرحيتي «برج الغرام، عيد البشاير» في 1930؛ ومع فرقة «فاطمة رشدي» مسرحية «علي بك الكبير» في 1932، «الولادة، أحمس الأول، توسكا، فتاة شنغهاي» في 1933؛ ومع فرقة «إسماعيل يس» مسرحيات «جوزي بيختشي» في 1955، «خميس الحادي عشر، ركن المرأة، أنا عايزة مليونير، سهرة في الكراكون» في 1956؛ ومع فرقة «المسرح الغنائي» مسرحية «يوم القيامة» في 1961.

وشاركها بطولة تلك المسرحيات كبار نجوم المسرح ومنهم: «جورج أبيض، عبدالله عكاشة، صالح عبدالحي، فاطمة رشدي، حسين رياض، أحمد علام، عبدالعزيز خليل، زوزو حمدي الحكيم، عباس فارس، فؤاد شفيق، بشارة واكيم، محمود المليجي، فوزي منيب، ماري منيب، محمد إدريس، جبران نعوم، ثريا فخري، شفيق نور الدين، إسماعيل يس، عبدالفتاح القصري، عبدالوارث عسر، حسن فايق، زهرة العلا، سميحة توفيق» وغيرهم، وهى من إخراج جورج أبيض، عزيز عيد، عبدالعزيز خليل، فوزي منيب، حسن فايق، زكي طليمات، نور الدمرداش.

طباخة مضيافة تخاف الحسد

«يا رايح مغدور يا ولدى، ياللى مالك حبيب ولا نصير يا ولدى، طويل الباع وقصير العمر يا ولدى، وما وجدناك إلا وفقدناك ياكبدي».

كلمات بكت فيها «زيبة»ابنها عنترة بن شداد، وكأن فردوس محمد أرادت في آخر أفلامها أن تبكى فيها أبناءها الثلاثة من زوجها الأول الذين فقدتهم غرقى أمام عينيها.

تحكى الابنة سميرة عن حقيقة وفاة إخوتها الثلاثة، ذهبت أمي للمصيف وبينما كانت تجلس مع إحدى صديقاتها التى كانت تعمل معها في التمثيل، كان أبناؤها الذكور الثلاثة الذين انجبتهم من زوجها الاول، يسبحون في البحر، وفجأة غرقوا أمام عينها، وصدمت صدمة كبيرة، وانفصلت بعدها عن زوجها، واعتقدت أن الحسد وراء ما حدث لأبنائها، وربما لهذا السبب أخفت خبر ولادتى، وعندما بدأت أكبر وشاهدني الناس معها، اعتقد البعض أننى ابنتها بالتبني، خاصة وأن صديقتها الفنانة زينب صدقي كانت قد تبنت طفلة في تلك الفترة، كما كنت أنا وأمى بعيدتين عن الاضواء، و كانت لا تجرى أحاديث صحفية.

ودرءا للحسد، أحبت فردوس إشعال البخور في المنزل، وتذهب للعطار لتحضر «التحويجة» وتضيف إليها المستكة وعين العفريت، ولنفس السبب كانت تعشق اللون الازرق والكحلى، واختارته ليكون لونا سائدا في البيت ،في الستار والمفارش والأغطية والألحفة والسجاد، وورثت الابنة سميرة والحفيدة هالة، حب الأم فردوس للبخور وللون الأزرق.

وكما تحكى لى سميرة، كانت أمي تحب الخياطة وتفصيل الجلاليب والفساتين والطرح، تعشق المطبخ وماهرة في عمل أصناف المأكولات المصرية، كطواجن البامية والملوخية والديك الرومي والحمام والرقاق، وعلمتنى الطبخ، كانت كريمة ومضيافة وتشتري احتياجات البيت بنفسها، شخصيتها تشبه أدوارها في الافلام، أم حنون ومضحية، جادة لاتحب الدلع، خفيفة الظل، تجيد القفشات و التعليقات