20-12-2025 | 14:11
خالد فؤاد
فى الخامس والعشرين من ديسمبر، نستعيد ذكري ميلاد الفنانة الراحلة نعيمة الصغير التى ولدت فى هذا اليوم نفسه من عام 1931، والتى تعد واحدة من أبرز نجمات السينما المصرية التى تركت بصمة لا تنسى.
بدأت مسيرتها الفنية كمطربة تقدم مونولوجات كوميدية، لكن تلف أحبالها الصوتية قلب مسارها نحو التمثيل، لتصبح أيقونة فى تجسيد أدوار الشر الكوميدية بطريقة مختلفة وجذابة، تجعل الجمهور يضحك دون أن يكرهها.
نجحت نعيمة فى تحويل محنتها إلى قوة، وشاركت فى نحو 200 عمل فنى بين السينما والمسرح والتليفزيون، حيث قدمت شخصيات لا تنسى واستطاعت أن تتألق فى تقديم أدوار الشر، ولكن بشكل وطابع مختلف عن كل الفنانات الأخريات اللاتى سبقن إياها فى تجسيد الشخصيات الشريرة على الشاشة، كما نتعرف علي هذا في جولتنا التالية..
أسمها بالكامل نعيمة أحمد عبد المجيد عبد الجواد، ولدت فى حى كرموز بالإسكندرية فى 25 من ديسمبر عام 1931، داخل أسرة بسيطة، كانت تمتلك موهبة فطرية، حيث بدأت مشوارها بإلقاء المونولوجات الساخرة والكوميدية فى الساحات الفنية بالإسكندرية، وقامت فى عام 1954 بالتقدم للجنة اختبارات الإذاعة بالإسكندرية، وكان يرأسها مدير الإذاعة حافظ عبد الوهاب «مكتشف عبدالحليم حافظ»، وإجتازت الاختبارات وبدأت تلقى مونولوجاتها عبر أثير الإذاعة فعرفها الجمهور، وتزوجت فى هذه الأثناء من المطرب السكندرى الشهير محمد الصغير، الذى اقترن اسمها بلقبه ليصبح «نعيمة الصغير».
وشكلت معه ثنائياً فنياً ناجحاً، مما ضاعف من شهرتها فى الإسكندرية وقدمت مونولوجات ناجحة مع الفرق المسرحية الكوميدية الكبرى، وكان فى مقدمتها فرقة إسماعيل يس.
وحينما انفصلت عن زوجها لم تتخلَ عن لقب «الصغير» رغم زواجها من رجل آخر من خارج الوسط الفنى بعده، وظلت تحيط حياتها الخاصة بسياج من الخصوصية لدرجة إنها لم تكن تذكر اسم زوجها هذا، بل لم تكن تتحدث عن أبنائها، بينما تم تسليط الضوء على حفيدتها الممثلة عبير الصغير، التى دخلت مجال التمثيل فى حياة جدتها فى نهاية الثمانينيات، وقدمت أدواراً ثانوية قليلة مثل مشاركتها فى فيلم «مجانين على الطريق» الذى شاركت فيه مع جدتها، ولم تواصل مشوارها الفنى فيما بعد وابتعدت عن الأضواء.
حادث خطير.. والنغمة المفقودة
يظل الجانب المجهول لدى الجمهور هو أن نعيمة الصغير مرت بأزمة كبرى تكاد توصف بـ«النكبة الفنية»، أزمة كانت كفيلة بإنهاء مسيرتها قبل أن تبدأ، فقد أصيبت بتلف فى أحبالها الصوتية، ولم تكن تتوقع أن هذا الحادث المؤلم سيتحول إلى ميزة فنية نادرة يختارها بسببها كبار المخرجين والمنتجين.
كانت تحلم بأن تصبح مطربة كبيرة، لكن الحلم انهار فجأة بعد كارثة فقدان صوتها الغنائى، ورغم قسوة الموقف، قادها الابتعاد القسرى عن الغناء إلى طريق آخر، آلا وهو طريق التمثيل، الذى كسبنا منه ممثلة من العيار الثقيل، اتفق كبار الفنانين والمخرجين فى زمن الفن الجميل على أنها واحدة من أبرز وجوهه وأكثرها حضوراً وتأثيراً.
ففى ذروة نجاحها، تعرضت لحادث تسمم عندما تناولت مادة ضارة كانت مختلطة مع كوب الشاى، مما أدى إلى تدهور حالتها الصحية ودخولها المستشفى فى وضع حرج، وبعد فترة علاج طويلة، تبين أن الحادث قد تسبب فى تلف أحبالها الصوتية، وتحول صوتها الغنائى العذب إلى طبقة خشنة ومميزة، لم تكن تتوقع يوماً أن تصبح هذه النغمة الجديدة علامة فارقة فى مسيرتها الفنية.
هذا التحول الصوتى أغلق الباب أمام طموحاتها فى الغناء والمونولوجات الكوميدية التى بدأت بها مسيرتها، لكنه فى الوقت نفسه فتح لها آفاقاً جديدة فى التمثيل، أدركت نعيمة الصغير أن صوتها الخشن وملامحها الحادة يمكن أن يمنحا أبعاداً جديدة لأدوار الشر، وهو مجال لم يسبقها إليه أحد، فبدأت تجسد شخصيات قوية ومعقدة بشكل مختلف وجذاب.
وبالفعل، بعد هذا التحول، أصبحت نعيمة الصغير وجهاً مطلوباً للمخرجين فى السينما والمسرح والتليفزيون، حيث استثمرت قدراتها الصوتية والجسدية لتصبح رمزاً لا ينسى فى أدوار الشر، لكنها لم تتخلَّ عن جانبها الكوميدى تماماً، بل وظفته أحياناً لإضفاء طابع ساخر أو مكثف على شخصياتها.
بين الكوميديا وشر الشخصيات
لم تكن نعيمة الصغير غريبة عن عالم السينما قبل أن يغيرها حادث تلف الصوت، فقد اكتشفها المخرج الكبير حسن الإمام وهى فى سن السابعة عشرة، حين أُعجب بأسلوبها المميز فى تقديم المونولوجات، قدمها فى فيلمه الشهير «اليتيمتان» مع فاتن حمامة وثريا حلمى، حيث تألقت بمونولوجات خالدة مثل «الحظ معايا» و«أوعى وشك»، ما رسخ حضورها الفنى لدى الجمهور.
بعد تحول مسارها الفنى بسبب الحادث، برزت نعيمة فى أدوار الشر الممزوج بالكوميديا السوداء، وأثبتت موهبتها فى تجسيد الشخصيات المركبة. من أبرز أعمالها فى هذا المجال: شخصية والدة سعاد حسنى فى فيلم «القاهرة 30» للعملاق صلاح أبو سيف، وشخصية «الحماة المتسلطة» فى فيلم «الشقة من حق الزوجة» مع محمود عبدالعزيز ومعالى زايد، والتى أعادت تعريف هذا الدور بشكل مختلف عن كل من سبقنها، وأبرزهم مارى منيب.
كما جسدت شخصية «الكتعة» فى فيلم «العفاريت» مع مديحة كامل وعمرو دياب عام 1990، ليكون من أبرز أعمالها السينمائية.
ومن أهم أعمال فى السينما أفلام: «اليتيمتان»، «القاهرة 30»، «الزوجة الثانية»، «ورد وشوك»، «شيء من الخوف»، «آنسات وستات»، «مولد يا دنيا»، «مراهقة من الأرياف»، «بيت بلا حنان»، «سونيا والمجنون»، «شفيقة ومتولي»، «قصة الحى الغربي»، «إسكندرية ليه»، «المشبوه»، «حب فى الزنزانة»، «ريا وسكينة»، «الليلة الموعودة»، «السطوح»، «الشقة من حق الزوجة».
قدمت نعيمة الصغير خلال مسيرتها نموذجاً فنياً فريداً، جمع بين الكوميديا السوداء والشخصيات الشريرة، لتظل أيقونة خالدة فى السينما المصرية.