تحدد استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية، الأولويات العسكرية للولايات المتحدة، ويتم إعدادها كل أربع سنوات لتتماشى مع توجهات وسياسات الإدارة الجديدة، وبينما تعمل وزارة الدفاع (البنتاجون) حاليا على إعداد النسخة الجديدة من الاستراتيجية المقررة في فبراير 2022، فإن إدارة الرئيس "جو بايدن" لديها فرصة سانحة لتصحيح أخطاء ومعالجة قصور الاستراتيجية في نسختها الأخيرة، لاسيما فيما يتعلق بمفهوم "المنافسة الاستراتيجية".
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018 بشرت بعصر سادت فيه "المنافسة الاستراتيجية بين الدول" لاسيما مع الصين وروسيا، ومما زاد الأمور تعقيدا أن مسؤولي إدارة الرئيس السابق "دونالد ترمب" غالبا ما استخدموا مصطلح "منافسة القوى العظمى" في لغة خطابهم.
وأصبح المفهوم منذ ذلك الحين مهمة ذات أولوية، ولكن دون تعريف واضح لما يعنيه، أو الإجراءات التي يتضمنها، أو شكل "الفوز" في هذه المنافسة. وعلى الرغم من أن هذا الاستخدام يبدو غير ضار، إلا أن إنشاء هذه المهمة الواسعة وغير المحددة ووضعها على كاهل وزارة الدفاع الأمريكية كان له آثار ضارة وقوض الهدف الأصلي للاستراتيجية.
ويرى مراقبون أن إدارة بايدن تفضل أيضا مصطلحات مثل "المنافسة الاستراتيجية"، لكن منظورها لهذه المصطلحات يختلف عن حقبة إدارة ترمب التي أكدت مسألة التنافس مع القوى العظمى، وحددت الأولويات والتهديدات المهمة مثل كوريا الشمالية وإيران والإرهاب.
ويبدو ـ وفقا للمجلة الأمريكية ـ أن إدارة بايدن ستجعل المصطلحات في استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية أوسع وأكثر ضبابية، معتبرة أن ذلك سيكون خطأ، فبدلا من التركيز على المنافسة الاستراتيجية، يجب على الإدارة الأمريكية التركيز على تعزيز الردع النووي والتقليدي ضد كل من الصين وروسيا، وينبغي على وجه التحديد تضييق الفجوة وتعزيز الاستقرار الاستراتيجي لمنع استخدام الأسلحة النووية وردع العدوان التقليدي من خلال الاستعداد الجيد لهزيمة المنافسين في صراع متطور.
وأضافت أن فشل تنفيذ استراتيجية العام 2018 يعود إلى أن المنافسة الاستراتيجية، أصبحت ثغرة للتحايل على الخيارات الصعبة التي تتضمنها الاستراتيجية، حيث كان هناك حالة من الارتباك بشأن ما هو مطلوب لردع العدوان الصيني والروسي، كما دفعت المنافسة الاستراتيجية قادة البنتاجون إلى التعامل مع قضايا تتجاوز نطاق اختصاص الجيش التقليدي، بدءا من مواجهة التضليل المرتبط بالانتخابات إلى حماية الحلفاء والشركاء إلى الحد من التأثير المتزايد للشركات الصينية والروسية في البلدان النائية حول العالم.
وقالت إنه على الرغم من أن هذه القضايا تؤثر على عمل البنتاجون، إلا أنه لا ينبغي للجيش الأمريكي أن يكون في طليعة من يتصدى لها، إن تركيز البنتاجون بعيدا عن الردع الاستراتيجي والتقليدي - وهما مهمتان عسكريتان فريدتان - ليس مفيدا أو فعالا، لاسيما عندما تكون هناك مؤسسات حكومية أمريكية أخرى أكثر ملاءمة لقيادة وإدارة هذه النوعية من القضايا.
وأضافت" كما أن مفهوم المنافسة الاستراتيجية وسع من التركيز الجغرافي لوزارة الدفاع، فعلى الرغم من أن البنتاجون يحافظ على تفويض عالمي متأصل في قدراته الفريدة في عرض القوة، إلا أن استراتيجية 2018 أشارت إلى أن تركيز الجيش الأمريكي يجب أن يكون على الدفاع عن الحلفاء والشركاء في الساحات الخلفية للصين وروسيا.
وتابعت" لكن الواقع يشير إلى أن أنشطة بكين وموسكو لم تقتصر على أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، بل إنهما استثمرتا في أماكن مثل إفريقيا والشرق الأوسط، وهكذا، تم استخدام المنافسة الاستراتيجية كوسيلة من جانب القادة العسكريين الأمريكيين في إفريقيا والشرق الأوسط لتوجيه الانتباه وجذب الموارد، وقد أدى هذا بدوره إلى تحويل الموارد بعيدا عن المناطق ذات الأولوية، إلى جانب أنه تطلب استثمارات كبيرة لتغطية نفقات العمليات والصيانة بدلا من التحديث العسكري المطلوب لردع بكين وموسكو على المدى الطويل.
وعلاوة على ما سبق، فقد أخذت المنافسة الاستراتيجية ـ وفقا لفورين بوليسي ـ مهمة أخرى ذات أولوية تم وضعها في استراتيجية الأمن القومي لعام 2018، وهي التحضير لصراع محتمل في المستقبل مع الصين وروسيا، فبدلا من التحضير والاستعداد لذلك، واصلت وزارة الدفاع الأمريكية استثمار موارد كبيرة في القوات التي قد تكون أقل فائدة في صراع متطور، ويرجع ذلك جزئيا إلى المطالب اليومية للمنافسة الاستراتيجية، حيث إن القوات العسكرية الأمريكية مطلوبة لتسيير دوريات في المجال الجوي للحلفاء في أوروبا ومواجهة الجيش الصيني والقوات شبه العسكرية، إلى جانب مراقبة الوضع في بحر الصين الجنوبي والشرقي.
وقالت إن هذه الأنشطة اليومية لها الأسبقية على هيكل القوة وجهود التحديث المطلوبة لبناء قوة قادرة على هزيمة بكين وموسكو، كما أعاق الكونجرس أيضا محاولات الخدمات العسكرية للتخلص من الأسلحة الأقل أهمية لتركيز الموارد على التكنولوجيات الجديدة؛ ما زاد من تعقيد المشكلة. وهذا يعني أن البنتاجون يشتري المزيد من نفس الشيء للمنافسة، مما يجعله غير مستعد وبشكل يرثى له لردع وهزيمة التهديدات المستقبلية الأكثر إلحاحا.
وتحول الأمر إلى استغلال مصطلح "المنافسة الاستراتيجية" باعتباره الكلمة السحرية التي يجب استخدامها لانتزاع الموارد، فعند طلب قوات أو قدرات أو تمويل إضافي، فإن تصنيف الطلب على أنه ضروري للتنافس ضد الصين أو روسيا - سواء كان الأمر كذلك أم لا، أصبح طريقة مؤكدة للوصول إلى الهدف المنشود.
وكان هذا الأمر مفيدا بشكل خاص للقادة الذين يشرفون على قوات في مناطق مثل الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث شددوا على الحاجة إلى دعم إضافي لمواجهة نفوذ بكين وموسكو المتزايد، لتأمين الحصول على المزيد من القوات والقدرات، فعلى سبيل المثال، انتشرت حاملات الطائرات الأمريكية في الشرق الأوسط بمعدل أكبر بكثير مما اقترحته استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018، تحت ستار مواجهة السلوك الإيراني الخبيث وتقليل حجم النفوذ الصيني والروسي في المنطقة من خلال إظهار القوة والالتزام.
وأضافت أنه كان للانتشار المتكرر والمفترض "الديناميكي" ـ أو النشر غير المتوقع للقوة العسكرية ـ تأثير مشكوك فيه على سلوك الخصم، وأدى إلى تآكل الاستعداد العسكري الأمريكي، وهو أمر بالغ الأهمية لقدرة البنتاجون على مواجهة الصين وروسيا بنجاح.
ووصل الأمر إلى أن الجيش الأمريكي ما يزال غير مستعد لمواجهة التحديات المستقبلية أو ليست لديه القدرة على مواجهة التحديات المستقبلية في المجالات ذات الأولوية، حيث أسهم مفهوم المنافسة الاستراتيجية في إبعاد البنتاجون عن إعادة التوجيه نحو المشاكل الفعلية المطروحة.
ومع انتهاء الحرب الأمريكية في أفغانستان، تخلصت إدارة بايدن مما يمكن وصفه بـ "إلهاء" عن تحقيق أهدافها، وفي بيئة زمن السلم هذه، يجب على إدارة بايدن إغلاق الثغرة (المنافسة الاستراتيجية) التي تستغلها الخدمات العسكرية الأمريكية في استراتيجية الأمن القومي لعام 2022 لضمان استمرار تركيز القوة على الردع المتطور.
وتابعت" للقيام بذلك، يجب على البنتاجون التركيز على ردع الصين وروسيا من خلال تحسين القدرة على المواجهة والفوز في أي هجوم حال فشل الردع، وستعطي استراتيجية عام 2022 الأولوية للصين بشكل صريح مع الحفاظ على تركيز أقل على روسيا وقبول المخاطر ضد التهديدات الأخرى. كما سيتطلب ذلك من البنتاجون الاستثمار في التحديث التقليدي والنووي طويل المدى لإنتاج القدرات المطلوبة لحرمان الصين أو روسيا من أهدافهما، وردع التصعيد، والحفاظ على التفوق العسكري التكنولوجي للولايات المتحدة.
وأضافت" بلا شك، يقاوم هذا النهج إغراءات المنافسة اليومية والرد على كل استفزاز صيني وروسي، وهو أمر محفوف بالمخاطر ومكلف، ويجب التركيز على المناطق والتهديدات الأساسية.
وقد يتضمن ذلك ممارسة مفاهيم عملياتية جديدة والكشف عن قدرات جديدة من شأنها أن تسمح للولايات المتحدة بالفوز في صراع ضد الصين أو روسيا، وكل ذلك بهدف تعزيز الردع، كما يجب أن يدير حلفاء وشركاء الخط الأمامي في آسيا وأوروبا المنافسة العسكرية اليومية، وتمكين القوات الأمريكية من الحفاظ على استعدادها، وتجهيز الموارد لتطوير القدرات اللازمة والمفاهيم التشغيلية الجديدة، والتدريب على العمليات القتالية عالية الكثافة في بيئة شديدة التنازع، ويجب أن تعطي استراتيجية 2022 الأولوية للاستعداد لصراعات القوى العظمى وألا تذكر المنافسة الاستراتيجية، باستثناء القول إنها مسؤولية الوكالات الأمريكية الأخرى، ومن شأن ذلك الخروج بنتيجة مفادها وجود استراتيجية طويلة الأمد قادرة على وضع خيارات صعبة والتعاطي بشكل أفضل مع تحديات المستقبل.
والأمر الأكثر أهمية هو ألا يتم استبدال الكلمة أو المفهوم السحري (المنافسة الاستراتيجية) بآخر، وأن يتم تحديد المفاهيم المفضلة مثل "الردع المتكامل" بوضوح في الاستراتيجية الجديدة لتجنب ذلك، وأن تحدد الاستراتيجية أيضا دور الجيش الأمريكي في هذا الردع وأنه قاصر على الردع الاستراتيجي والتقليدي لعدم تقويض الهدف الرئيسي لاستراتيجية الدفاع، وتمكين البنتاجون من القيام بما هو مأمول منها في هذا الصدد.