الأحد 28 ابريل 2024

حديث النفس.. مهلا أيها الزمن!

مقالات6-11-2021 | 13:36

في حكاياتنا مع الزمن كلنا متشابهون.. نتمني زمانا غيره.. قد يسرقنا فنندم.. وقد نكون من اليقظة لنلحلق بقطاره.. ولكننا مهما بلغنا من اليقظة وقدرات الركض فإنه حتما سيسبقنا ونكون أقرب للماضي من المستقبل الذي من الممكن ألا نبلغه او من حاضر أصبح ماضيا نندم عليه.. فهو طبع الزمان الذي يسير ولا ينظر او ينتظر أحدا.. يخطو بقدرات اكبر منا.. نلهث ولا نلحق.. نستريح ولا نستجمع قوانا .. نعود ونجري فيسبقنا.. لتنتهي أعمارنا.. دائما مصدومين من تحوله حتي ولو ظننا اننا اخذنا  فرصتنا كاملة.. لأننا دائما ما نطلب وقتا إضافيا وفرصا جديدة وعمراجديدا فمازلنا نطمع في نعيم الدنيا وأماني وطموحات لا تنتهي.

 ونعيش في أسباب مجهولة لأمور مفروضة.. ولكنه الزمن الذي يشكو منه الجميع من أسعده ومن لم يسعده.. فقد لا يرى السعادة إلا بعد مرور زمن يرى فيه ماهو أسوأ.. فنعلم أننا أضعنا زمانها.. وقد نهرب لمجهول غامض نظن أنه الأفضل في مغامرة هروبا من واقع نرفضه.. وقد نخشى مجهولا قادما لأننا نحيا سعداء الآن.. ونعيش ما بين ماض نحن له وواقع نشكو منه أو مجهول قد نهرب اليه يقطع الزمان بمسافاته وسنينه ولا ينتظرنا.. وقد نتعلم أو لا نتعلم.. لكننا جميعنا متأخرون في الفهم.. نصحو علي صدمة تحمل أجراس من الشيب نراها أو نتغاضي عنها.. تنقلنا إلى محطات الوهن والضعف تشكل وجداننا وإدراكنا لألة الزمن فنراها سريعة أو بطيئة.. على الرغم أن الزمن هو الزمن لكننا مختلفون حسب طموحاتنا ورغباتنا.. قد نقضي حياتنا نتوهم المزيد من العمر لأننا متعلقين بها وقد نستسلم لننتظر كلمة النهاية.. فهو الزمن الذي يفرض علينا كل شروطه!

إدراكنا للزمن الذي نحيا فيه هو الأمر المختلف بيننا فمنا من يشعر أنه بطئ ومنا من يطلب يوما وساعات إضافية لليوم الذي يعيشه ليستكمل المزيد من الإنجازات.. وهذا الأمر غالبا يكون في عمر الانجاز .. أما لو كان يعاني الإنسان من الفراغ او البطالة التي قد تتواكب مع عمر الشباب في أحيان كثيرة في وقتنا الحاضر .. فيحاول الإنسان إضاعة الوقت لأن الصباح والمساء دائما ما يذكرانه أنه إنسان بلا قيمة فيصبح الوقت عبئا عليه.. وحتى لو استسلم لإضاعته.. خاصة إذا نظر حوله ووجد أقرانه يعملون ويجنون ثمار تعبهم ويحققون تقدما في مسيرتهم العمريه وزمانهم حتي ولو كانت إنجازات عادية وروتينية.

 لكن العبرة بعدم إضاعة الوقت.. فتجد اليوم عند الذين لا يعملون يسير كالعقوبة ساعاته طويلة مملة.. أو قد تصيب الإنسان بعد تفرغه من عمله في نهاية عمره في الوقت الذي يكون كل من حوله في تشاغل ويسبب اقتحامه لهم تعطيل كما يرون او يظهرون له.. يا لها من قسوة يحياها في انتظار ان يتذكره أحد من المشغولين!.. وهنا قد يكون الإنسان من الفطنة حتي يرفض التقاعد  او الاستسلام لحالات الفراغ طالما أنه قادر علي العمل حتي ولو كان عملا تطوعيا ليشعر بوجوده وانه ينتظر اليوم القادم ليقدم الجديد.. اما لو كان من الضعف والوهن فإنه ينتظر آخرته بعدما يشعر بأنه عبء علي الأيام فيعيش في فراغ الماضي القاتل الذي يشعره ببطء الايام!

وقد يقضي الإنسان حياته في سعي مستمر وعطاء ولكن من نوع العطاء الاستهلاكي بمعني أن تخدعه أعماله ومن حوله بأن يكون في خدمة الكل وتحت أمر الكل.. صحيح يسعي ويعمل لكن ينسي أن يحصل علي مقابل لنفسه ويتحول الزمن بالنسبة كطاحونة تستهلكه وتأخذ منه كل وقته وجهده وصحته.. وقد يستيقظ علي صدمة انتهاء عمره وهنا ينظر إلى ما مضى من عمره وما تبقي له.. وفي الغالب يكون من الفئات الكادحة التي تعمل دون أن تصل إلى نقطة في أعلى المنحنى الوظيفي.. أو يعمل ويكد ويشقي ليوفر نفقات من يعول وتأخذه الأيام والسنون في سلسلة من الأعباء والهموم حتي أنه ما إن يخرج من عبء وهم حتي يدخل في غيره.. حتي يأتي اليوم الذي يستريح فيه وغالبا يكون إجباريا بعدما تكون اجمل سنوات العمر مضت وضاعت الصحة والشباب فلم تعد لديه القدرة علي الاستمتاع.. أو قد لا تمكنه رحلته من الشقاء علي ادخار ما يعينه علي إصلاح ما أفسده الشقاء.

 ومنا من يصبر نفسه بأن رحلته كانت مثمرة في تربية أبنائه أو إعالة غيره.. أو أنه حقق المعادلة الصعبة برفضه لكل مغريات الانحراف الوظيفي ويحمد الله علي الكسب الحلال.. أيا كانت الخاتمة.. حضرت الشيخوخة وأوشكت الرحلة علي النهاية ما بين مسئوليات وهموم وحرمان لمكابدة ظروف الحياة الصعبة.. علي فكرة هذا هو النموذج الشائع. 

ومع ذلك لسنا كلنا معذبون في الحياة تأخذنا رحلة الشقاء والصبر التي لا ترحم.. فمنا المترفون الذين لديهم من الوقت الفارغ ما يجعلهم يبحثون عن متع  لملئه .. وطبعا هؤلاء لديهم من الأموال والامكانيات ما تجعلهم يتفننون في المتع الحياتية وهم حولنا في كل مكان.. فهم قرروا أن يكسبوا الزمن فيحصلوا منه علي متع  قبل رحيله بعدما تأكدوا أن اليوم الذي يحييون فيه متمتعين سعداء قد لا يجود به الزمان مرة أخرى.

ومنا من وازن في حياته بين عمله وراحته واختار أساليب فعلا تسعده.. فمنا من يجد راحته في عبادة في رحلة روحانية.. او حتي في إسعاد أبنائه ليذهبوا هم للترويح عن أنفسهم وهي لا تقل سعادة عن ترويح أنفسهم.

ولا يخلوا أي زمان من شكوى أهله.. فهي ليست طبيعة الزمان ولكنها طبيعة الناس فحينما نشكو من تقلب الأيام فإننا ننسي أن الناس هم من انقلبوا في غدر وفساد وليس الزمن .. فلا يصح أن نهجو الدهر فقال الله تعالي في حديث قدسي" لاتسبوا الدهر فانا الدهر".. وننسي ونتندر علي أزمنة سابقة ونصفها بالزمن الجميل .. يا عزيزي كل إنسان ابن عصره ومن أدراك أن الزمن السابق كان خاليا من هذه العيوب.. الإنسان بطبائعه موجود في كل زمان لكننا ننسي أمورا ونتذكر أخرى حسب حاجتنا الإنسانية..  فالغدر والقتل موجود منذ بدء الخليقة والتي بدأت بأبشع جريمة بقتل أخ لأخيه!

والأيام دول نداولها بين الناس وثابت أنه سيأتي ضعف بعد قوة.. وفقر بعد غني.. ومرض بعد صحة لذلك أمرنا الله أن نغتنم أوقات قوتنا في صالح الأعمال ليجعل لنا من كل ضيق مخرجا.

 وفي رحلتنا مع الزمن وانكارنا لمصائبه دائما ما نحن للماضي أو نتمنى مجهولا ويصور لنا عقلنا أنه الأفضل لنا حتي ولو كان مغامرة غير محسوبة نلتمسه لشدة كرهنا لواقع نعيشه.. وقد نسعي له ونلقي بأنفسنا في التهلكة في لحظة يأس حسب قوة تحمل كل الانسان.. وقد نخشي من مجهول في مستقبل قادم لأننا نتمتع بحاضر جميل نسعد فيه بامور نخشي أن نفقدها ونقول لأنفسنا نخشي غدر الأيام.. ونتناسي أن أحوالنا في الزمان لا تستقر علي حال!

وإذا تأملنا علاقتنا مع الزمن فتجدنا نولد متمنين أن يمر الزمان لنكبر ونحقق أمانينا  متعجلين سنوات أعمارنا.. نريد أن نكبر ونحب ونتزوج وننجب ويتزوج أبنائناوهكذا..  فتمر الساعات والأيام والسنون في سلسلة من الأماني ونحن لا نشعر انها أعمارنا التي تنتهي .. لكنها سنة الحياة.

وتمر السنون ونراقب علامات الزمن علينا التي قد نتجاهلها في بداياتها بحجة أن شكلنا يبدو اصغر من عمرنا.. وإننا مازلنا بصحة جيدة وإننا قادرون علي العطاء .. واننا أصبحنا نري زهرة شبابنا في اولادنا.. كلها أمور نقنع أنفسنا بها خاصة إذا ما قارنا بيننا وبين اقراننا لنقنع أنفسنا اننا علي الطريق الصحيح .. ويحلو لنا دائما ان ننظر الي المرآة نراقب علامات السن ومدي وضوحها علينا او نراها في عيون الآخرين علي الرغم من المجاملة في بعض الأحيان التي قد لا تشفع ولا تنفع وأفضلنا من يباغت الآخرين باعترافه بسنه لرفع قدره وقيمته وهيبته.. لكن ما من شك في صدمات تأتي للإنسان حينما يكمل عقد من الزمن فتأتي الصدمة الأولي عند الأربعين ويتناسي الإنسان حتي الصدمة الثانية حين يكمل الخمسين وهنا يتوقف لأنه لم يعد يتبقي من حياته مثلما مر.. وقد يقول أين ذهبت هذه السنوات.. اين عمري .. إلا مهلا أيها الزمن لا تباغتني بقرب موعد الرحيل.. وهنا يتشبث بما بقي من عمره محاولا تعويض ما فاته .. ولسان حاله تحولت السنون لساعات بل ثوان معدودة.. ويحاول أن يعوض نفسه مل تبقي من عمره خاصة وإذا  كان ممن يحرمون أنفسهم في سبيل الآخرين.. وقد تكون حسرة وندم إن لم يكن قد حقق إنجازات حياتيه معقولة أو بصمة تبرهن علي رحلته.

ونتساءل دائما هل يصالح الزمن أحد ويعاند آخر؟ وهل يصفي لأحد ويتعكر في وجه آخر؟ الحقيقة أن الزمن محايد معنا جميعا يسير بخطواته الثابتة التي تجعل كل شئ يسير مهما كان حزينا او مفرحا.. يسير في طريقه ما بين ساعات ودقائق وثواني وصباح ومساء.. والإنسان هو الذي يحدد علاقته بالزمن  فإن فشل يشكو وإن نجح يطلب المزيد .. زمنك هو عمرك الذي تقضيه في هذه الحياة الدنيا.. وليس غريبا أن ينقضي بسرعة فقال الله تعالي "يوم يحشرهم جميعا كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار يتعارفون بينهم".

الزمن يمر ولا يقف فيجعل كل حياتنا تمر.. فلو كان زادك في الدنيا صالحا فستنقل لحياة أبدية صالحة وقبلها تعيش زمانا عظيما.. هي حكاية كل واحد منا الوقت قليل والأحلام كثيرة.. والخوف من زمن تدور علينا فيه الدوائر ويشمت بنا الأعداء.. لم يعد امامنا الكثير حتي ولو كنا شباب فالأعمار لاترتبط بالسنين.. تزود في زمنك بخير الزاد التقوى.. قبل أن يرحل وتقول مهلا ايها الزمن لم استعد بعد!

Dr.Randa
Dr.Radwa