الإثنين 1 يوليو 2024

رمضان X يونيه = انتصاراً بلا انحسار

7-6-2017 | 14:25

بقلم – لواء. نصر سالم

بعد خمسين عاما مرت على نكسة يونيه ١٩٦٧ يتصادف لقاء يوم «النكسة» الخامس من يونيه مع يوم "النصر" العاشر من رمضان، فى يوم واحد هو "الاثنين الخامس من يونيه عام ٢٠١٧ ميلادية، العاشر من رمضان عام ١٤٣٨ هجرية".

فأى معنى يتبادر إلى الذهن من هذا التلاقى؟

هل يقفز المعنى «وبضدها تتميز الأشياء»؟

أى أن الفارق بين الحالتين هو ما يشعرنا بعظمة النصر بعد ذل الهزيمة.

وكيف كنا ثم كيف أصبحنا؟

إن المعانى كثيرة ومتضاربة ومندفعة تارة ومتأنية تارة أخرى.

 

ولكن لعل أقربها إلى القلوب جميعها فى هذه الأيام «المفترجة» هى تلك الآية الكريمة من سورة هود «وأقم الصلاة طرفى النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين» «الآية ١١٤"

نعم إن الحسنات يذهبن السيئات.. خاصة أن سيئات نكسة ١٩٦٧ ما كانت تمحوها إلا حسنات أقوى وأشد «ولله المثل الأعلى».

ولكى نشعر بعظمة ما تحقق يوم العاشر من رمضان، دعونا نلق نظرة سريعة على تلك الأحداث التى سبقت يوم الخامس من يونيه ١٩٦٧ وأوصلتنا إلى هزيمة مروعة ما كنا نستحقها وحصل عدونا على نصر لم يكن يستحقه.

لقد بدأت الأحداث فى منتصف شهر مايو ١٩٦٧ بمعلومات غير صحيحة وردت من سوريا والاتحاد السوفييتى عن حشود إسرائيلية على الجبهة السورية للاعتداء عليها، وبرغم التأكد من عدم صحة هذه المعلومات بمعرفة الفريق أول محمد فوزى رئيس الأركان وقتها شخصيًا، إلا أن حشد قواتنا فى سيناء تم لسبب معلن هو لمعاونة سوريا فى حالة الاعتداء الإسرائيلى عليها.

وبخطوة غير محسوبة انتهزت القيادة السياسية هذه الفرصة وقررت سحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء ثم إغلاق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية، وهو ما اعتبرته إسرائيل سببًا ومبررًا لشن الحرب ضد مصر من وجهة نظرها، وبذلك تحولت الأزمة من تهديد إسرائيلى لسوريا، إلى أزمة جديدة تمامًا مع مصر هى "حرية الملاحة فى خليج العقبة".

كانت مصر وقتها متورطة فى حرب اليمن منذ خمسة أعوام دون حسمها.

وكانت إسرائيل تتمتع بالتفوق العسكرى على كل الدول العربية المجاورة.

وكانت مصر قد عبأت الرأى العام العالمى ضدها.

وأصبح الوقت مناسبًا لاستدراج مصر إلى حرب أخرى ضد إسرائيل التى استعدت لها خلال سنوات عشر سابقة.

أمام كل هذه الملابسات لا يمكن إنكار أن القيادة السياسية فى مصر قد قامت بمغامرة سياسية غير محسوبة سياسيًا أو عسكريًا بإغلاق مضيق تيران لحرمان إسرائيل من المكسب الذى حصلت عليه من اشتراكها فى حرب١٩٥٦ .

وكان الخطأ الأكبر هو عدم إدراك القيادة السياسية أنها كانت أمام مؤامرة خططت بمهارة لاستدراجها للحرب وهزيمتها وتحطيم زعامة "جمال عبدالناصر" فى الوطن العربى.

أما الدور الذى لعبته الولايات المتحدة الأمريكية فى خداع مصر لصالح إسرائيل فيصفه «محمود رياض» وزير خارجية مصر الأسبق فى مذكراته قائلًا:

فى الوقت الذى كانت واشنطن تبعث إلينا بالرسل للتوصل لحل سلمى للأزمة، وفى الوقت الذى كان فيه "يوجين روستو" يستدعى السفير المصرى فى واشنطن ليؤكد له أن الولايات المتحدة سوف تناهض العدوان بقوة، ويؤكد له باعتباره وكيلًا لوزارة الخارجية الأمريكية أن إسرائيل لن تبدأ الحرب مطلقًا.

وفى الوقت الذى يحدد لنا فيه «جونسون» يوم الخامس من يونيه بالذات موعدًا لاستقبال زكريا محيى الدين «نائب رئيس الجمهورية».

فى هذا التوقيت، وخلال ذلك كله، كان جونسون وكبار مساعديه يعرفون على وجه الدقة أن إسرائيل سوف تشن الحرب ضدنا يوم ٥ يونيه، بل ويتفاوض مع رئيس المخابرات الإسرائيلية على مجريات تلك الحرب.

أما عن الأخطاء العسكرية التى ارتكبتها القيادة العامة للقوات المسلحة وكانت تفوق أى تصور ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

قيام المشير عبدالحكيم عامر باصطحاب هيئة قيادته فى طائرة إلى جبهة القتال فى سيناء.. وينتظره فى مطار «تماد» فى وسط سيناء القادة الميدانيون فى نفس اليوم الذى حذره فيه «جمال عبدالناصر» أن إسرائيل سوف تهاجمنا فيه وهو "٥ يونيه" وبدلا من أن ينشط الطيران لتأمين سماء الجبهة ومطاراتها، يبقى جميع الطائرات جاثمة على الأرض، بل ويجعل جميع الدفاعات الأرضية المضادة للطائرات مقيدة - كى لا تتعرض طائرته للإصابة من إحداها عن طريق الخطأ وتكون النتيجة هى النجاح الساحق للطيران الإسرائيلى فى تدمير جميع طائراتنا على الأرض.

كل هذه الأخطاء التى ارتكبها القائد العام شىء - وإصداره للأمر بانسحاب جميع القوات من سيناء قبل أن تحدث أى مواجهة بينها وبين العدو شىء آخر يفوق الخيال.

والأمر الذى أقر به شخصيًا ومعى كثيرون من القادة الذين خبروا المسرح السينائى وطبيعته الطبوغرافية. أن الجيش المصرى لو ترك لحاله دون أوامر انسحاب ودارت بينه وبين العدو أى مواجهة ما تمكنت إسرائيل من الوصول إلى خط المضايق على مساحة ٧٠كم من قناة السويس بل وربما قبل ذلك خط العريش وجنوبه إذا ما تعرض لنسبة خسائر عالية نتيجة تمسك قواتنا بأحد الحوائط الجبلية الثلاثة المنتشرة بطول سيناء.

لقد دفعت مصر وجيشها ثمنًا غاليًا لهذا اليوم، وحصدت إسرائيل مكاسب لا حصر لها. وراحت على مدى سنوات ست تبنى حصونًا ودفاعات فى سيناء وكأنها لن تخرج منها أبدًا.

لقد جهزت إسرائيل خطا دفاعيًا هو الأقوى والأشد مناعة على مر التاريخ حتى الآن.

إذ مر إنشاؤه بعدة مراحل انتهت بأن تحولت تحصيناته إلى منشآت هندسية ضخمة مزودة بكل وسائل القتال والإقامة بطول المواجهة الصالحة من قناة السويس والتى تبلغ "١١٠كم" وبلغ عددها ٢٢ موقعا دفاعيا تشمل ٣٦ نقطة حصينة تسيطر على المواجهة والأجناب والخلف وحصنت مبانيها بالأسمنت المسلح أو الكتل الخرسانية وقضبان السكك الحديد والرمال والأتربة بحيث توفر وقاية كاملة ضد أى قذائف مدفعية أو قنابل الطائرات التى تزيد على الألف رطل، وجهزت بخزانات وقود ونابالم يصل منها أنابيب إلى سطح القناة وبإشعالها تتحول القناة إلى سطح هائل من اللهب حرارته بلغت «٧٠٠ درجة مئوية» وزودت كل نقطة بمخزون يحقق اكتفاء ذاتيا لمدة "١٥ يومًا" تستطيع القوات القتال من داخلها طوال هذه المدة دون الحاجة لأى إمداد خارجى، لم يكن هذا الخط ممتدًا خطيا على القناة فقط بل كانت هناك سواتر ترابية وخط ثان من التحصينات على مسافة ٥ - ٨ كم ومراكز قيادة للقطاعات تحت الأرض محصنة تحصينًا كاملًا، وقواعد صورايخ مضادة للطائرات ومرابض نيران مدفعية ذاتية الحركة وبعيدة المدى.

لقد أجمعت آراء الخبراء والعلماء العسكريين على أنه خط دفاعى كامل التحصين جعلت منه قناة السويس حالة فريدة فى التاريخ العسكرى، لذلك أصبحت عملية اختراقه كجزء من العملية الهجومية لاقتحام قناة السويس مثالا فذًا لاقتحام الموانع المائية والخطوط المحصنة فى وقت واحد.

لقد قدر المتفائلون من الخبراء أن خسائرنا فى اقتحام هذا الخط فقط وعبور القناة سوف لا تقل عن ٥٠٪ من القوات.

وكان الجنرال حاييم بارليف الذى سمى الخط باسمه يتباهى بقوله "لقد أنشأنا هذا الخط بتكنولوجيا تسبق المصريين بخمسين سنة على الأقل، ولن نسمح لهم بتجاوز هذه المدة أى سنحافظ على هذا الفارق باستمرار.

ولم يكن خط بارليف فقط هو الذى يتميز بهذا التفوق، فقد كانت القوات الجوية الإسرائيلية تفوق ما لدى مصر وسوريا من طائرات معًا كما وكيفًا.

ويجىء يوم العاشر من رمضان عام ١٣٩٣ هـ، وتشرق شمسه على أعظم خطة خداع عرفها التاريخ - فقد أعطينا العدو كل ما يمكن أن يحتاج معرفته من عناصر المفاجأة الأربعة «الوقت - المكان - السلاح - والأسلوب» ولكننا أضفنا بعدا آخر هو نية الهجوم التى نجحنا فى إقناع العدو بعدم توافرها لدينا.. وصدقها.

وبناء على معلومات مدققة عن مسرح العمليات لم تتوقف طيلة السنوات الست السابقة قامت قواتنا الجوية بضربة جوية مركزة لمراكز قيادة العدو ومطاراته وأهدافه المهمة فى سيناء، أفقدته توازنه وخاصة عندما صاحبها وتلاها إبرار قوات الصاعقة لقطع كل طرق مواصلاته، وبمفاجأة فى الأسلوب والمعدات اقتحمت قواتنا خط بارليف المنيع لتحقق فى ست ساعات فقط الاستيلاء على كل ما أنشأته وجهزته إسرائيل فى ست سنوات وقبل أن تغرب شمس ذلك اليوم يكون للجيش المصرى خمس فرق كاملة العتاد والمعدات قوامها خمسون ألف مقاتل، على الضفة الشرقية لقناة السويس.

لقد حسمت هذه الساعات الست من يوم العاشر من رمضان عام ١٣٩٣هـ معركة ما تبقى من أيام.. الأمر الذى جعل الولايات المتحدة الأمريكية تزيد من دعمها للجيش الإسرائيلى ما هو أكثر من الجسر الجوى الذى يحمل لها كل مطالبها من الأسلحة والعتاد، وبنوعيات لم يكن الجيش الأمريكى ذاته قد سبق له استخدامها.

فقامت بتقديم الدعم المباشر له بإمداده بكافة المعلومات عن قواتنا أولًا بأول وأشركت عناصرها من الحرب الإلكترونية والقوات الجوية، غيرت معها موازين الحرب لصالح إسرائيل لبعض الوقت.

وعندما استعادت قواتنا امتلاكها لزمام الأمور واستعدت للقضاء على القوات الإسرائيلية التى نجحت فى عبور القناة والتواجد غربها.. كان التدخل الأمريكى سافرًا حيث بعث الرئيس الأمريكى نيكسون بوزير خارجيته هنرى كسينجر إلى الرئيس المصرى برسالة مفادها «أن الجيش الأمريكى سوف يتدخل مباشرة إلى جانب الجيش الإسرائيلى لقتال الجيش المصرى إذا ما حاول القضاء على القوات الموجودة غرب القناة»،

وكان رد الرئيس السادات حاسمًا: لن أترك شبرًا من أرضى حتى آخر رجل فى جيش مصر».

ويرد عليه كسينجر «لن تترك شبرًا من أرضك وسوف تعود بالكامل إذا ما بدأت مفاوضات مباشرة مع إسرائيل.

ودارت المفاوضات بعد توقف القتال وعادت أرضنا كاملة غير منقوصة.

وتدور أيام ليأتى يوم الخامس من يوينه مع العاشر من رمضان فى يوم واحد فقد انتهى أثر الهزيمة ولم يبق إلا النصر، نصر العاشر من رمضان.