بقلم – فريدة الشوباشى
أثار مسلسل الجماعة للكاتب وحيد حامد العديد من ردود الأفعال لاسيما ما يتعلق بإظهار جماعة الإخوان المسلمين على انها صاحبة ثورة يوليو!! ومن ثم تقديم صورة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر تتناقض مع صورته المنطبعة فى وجدان المصريين والعرب وحتى شعوب دول العالم الثالث..وأعترف أننى لست مؤرخة، كما أننى لست مطلعة على تفاصيل التاريخ المعاصر عبر ما كتبه «مؤرخون أو شهود عيان» بل أريد الإشارة إلى ما عشته وربما يكون فى ذلك قدر من شهادتى على عصر عشت الكثير من تفاصيله ومعاركه ..كنت فى الرابعة عشرة من العمر عندما قامت ثورة يوليو وعشت حماس الجماهير وتثمينها للضباط الأحرار وجيشها الذى خلصها من حياة بائسة وفقر مدقع فى ظل ملكية فاسدة واحتلال بريطانى بغيض وفتح أمامها أبواب الأمل وآفاق الحلم ..
كان يسكن فى شارعنا بمدينة حلوان أحد الباشاوات ولم يكن مسموحا لنا بالمرور على رصيف بيته..مازالت زغرودة أمى لدى الإعلان عن قرار الثورة بإلغاء الألقاب يرن فى أذني..ولا أستطيع أن أتفهم كلمات الأستاذ وحيد عن الوثائق التى استند إليها، ومنها مثلا مستندات حمادة حسنى الذى تقطر تصريحاته وكتاباته سماً ضد عبدالناصر بل وضد «الوفد الذى سمح لأبناء البوسطجية»!! بدخول الكلية الحربية..فهل لى أن أسأل كيف تكون جماعة تقدم نفسها على أنها مثال التقوى والالتزام بالدين ولديها كل هذا الازدراء لأبناء الفقراء؟..وإذا كانت الجماعة التى أقصت مسلمى مصر، عندما احتكرت وحدها صفة»المسلمون»، كانت تتمتع بثقل أسطورى وشعبية عارمة، فكيف استطاع عبد الناصر تحجيم أضرارها فلا هى نصيرة الفقراء وحاملة لواء العدالة الاجتماعية، ولا هى عامل تجميع أبناء الوطن تحت راية واحدة؛ بل استهلت فجر تكوينها بمساعدة بريطانيا كما هو معلوم لتعميق الفجوة وتحقيق شعار «فرق تسد» الاستعمارى الكريه وتفتيت الوطن الذى لا يؤمنون به، تحت ستار الدين وخرافة الخلافة الإسلامية، والتى رشحوا لها فى العصر الحالى رجب طيب اردوغان، لإعادة أمجاد الاحتلال التركى البغيص تحت اسم الخلافة العثمانية.
عندما صعد عبد الناصر على منبر الأزهر الشريف إبان العدوان الثلاثى عام ٥٦، فجرت الجماهير أنابيب النفط من الظهران فى السعودية إلى طرابلس الغرب فى ليبيا، فكان قرار الإسراع بالتخلص منه بالعدوان الإسرائيلى المدعوم من قوى عديدة ومعروفة، وعندما تنحى عبد الناصر عقب هزيمة يونيو ٦٧، خرجت الملايين فى نفس لحظة إعلانه التنحى تقريبا، وكانت أجسادنا وأرواحنا سدا منيعا يحذر أعداء المشروع الوطنى المصرى من الاقتراب من مفجر الثورة وقائدها..فكيف يفسر الأستاذ وحيد عدم خروج عشرة مصريين تأييدا للإخوان فى مواجهة عبد الناصر الذى لم يكن يملك واحدا على ألف مما استخدمه حلفاء عدوان يونيو وتحديناهم بعزيمة قالت صحف أجنبية «إنها، أى عزيمة المصريين، قد غيرت الاستراتيجية العالمية..وأتذكر بهذه المناسبة ان كاتبا كبيرا قال فى أحد البرامج «إن الاتحاد الاشتراكى هو الذى دفع بالملايين إلى الشوارع فى التاسع من يونيو!»، وسألته فى مداخلتى: وهل الاتحاد الاشتراكى هو أيضا من أمر ملايين المصريين، بل والعرب، الى ذرف الدموع دما وشد الشعر والعويل والصريخ يوم الرحيل فى سبتمبر عام ١٩٧٠؟»..لم يجد الرجل ما يرد به والبرنامج مسجل عندي..ولماذا لم تقُم للإخوان قائمة رغم كل المواءمات والصفقات التى أبرمها معهم الرئيس الراحل أنور السادات وبعده الرئيس حسنى مبارك؟.ناهيك عن دعم بريطانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية وقوى أخرى إقليمية ؟، وكيف حصل مرشح الجماعة بالكاد على ٥١٪ تقريبا فى الدور الثانى من الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٢؟ كان عبد الناصر وقتها فى رحاب الله منذ أكثر من أربعين عاما..وبماذا يفسر الأستاذ وحيد ومن استند اليهم من «مؤرخين» رفع صور الزعيم الخالد فى ميادين المحروسة إبان ثورتى يناير ويونيه، وما هو حكم أنصار الإخوان على خروج ما بين ٣٥ و ٤٠ مليون مصرى يرفضون حكم ممثل الإخوان الذى حصل على ١٣ مليون صوت فى الانتخابات الرئاسية؟وما هو برأيهم، السر يا ترى وراء حزن الرئيس الأمريكى السابق باراك اوباما لدى خلع مرسى والسعار الذى أصاب الإعلام الغربى فى وصف رفض عشرات الملايين لحكم الجماعة «بالانقلاب!!!!»..وأين اختفت قوة الإخوان التى يتشدقون بها فى ثورة يونيه؟..ربما يرفض حمادة حسنى شهادتى لأننى ابنة عامل ويجدد صب اللعنات على ثورة يوليو وقائدها جمال عبد الناصر لأنه مكّن أمثالى من التعليم بما فيه التعليم الجامعي وهو ما جعلنى أنافس فى فرنسا قامات كبيرة، ليس هنا مجال تفصيل ظروفها ولا شخوصها..ويعرف كل أبناء جيلى كيف يستقبلنا الأشقاء العرب لأننا من بلد عبدالناصر، بل إننى كنت فى زيارة لهونج كونج، وصاح البائع الصينى وهو يفحص جواز سفري.. مصر؟..ناصر؟ ثم أردف: ناصر جيد !!..لن أتحدث عن الكتب العالمية التى تناولت حقبة عبدالناصر سواء مدحا أو نقدا؛ بل أشير إلى ما عشته وكما قلت فى اجتماع كان الدكتور محمد البرادعى قد عقده عندما كان الجميع يتحدث عن «الديمقراطية» أنتم تذكروننى بالمخرج العظيم الراحل صلاح ابو سيف وفيلمه الرائع البداية، حيث رفض فلاح بسيط انتخاب رجل لأنه والعياذ بالله «ديمقراطي»..وأكملت أنا بنت ناس غلابة تقدروا تقولوا بنت شحاتين، ثورة يوليو جعلتنى وأكثر من ٩٠٪ من الشعب آكل وأشرب وألبس وأتعلم وأنافس وأحصل على وظيفة بدون واسطة، فهل كان مطلوبا منى ومن أمثالي الخروج فى مظاهرات تهتف يعيش فؤاد سراج الدين؟»..تاريخ عبد الناصر عشناه ومازلنا نعيشه والحروب التى قامت ضده والتى لم تتوقف بل ازداد سعيرها، مازلنا نعيشها ونقاومها كما أثبت شعب مصر العظيم فى ثورة يونيه.