الأحد 9 يونيو 2024

الشاعر محمد أحمد إسماعيل: جوائز الدولة تدار منذ 50 عامًا بنظرية شيلني «وأشيلك»

7-6-2017 | 16:19

قال الشاعر محمد أحمد إسماعيل، إن المرحلة الثقافية الراهنة تشهد تحركا جادا لكنه غير كاف وما زال تنقصه الإمكانيات والفرص اللازمة لتحقيق ذلك، مؤكدًا أن "مصر مليئة بالمواهب في المجالات كافة، فقط تحتاج ضمائر خبيرة قادرة على اكتشافها وجذبها للنور بحوافز تمكلها الدولة لكنها معطلة بفعل فاعلين".

وفيما يلى نص حوار "الهلال اليوم" مع الشاعر محمد إسماعيل:

 

فى البداية حدثنى عن التجربة الأدبية الخاصة بك والمراحل المختلفة التى مررت بها؟


في قرية (أولاد عزاز) في حضن الجبل، على الحد الغربي لمحافظة سوهاج، يمر على حافتها الشرقية أحد أفرع النيل الرئيسية فكان لهذه الطبيعة أثرها على أبنائها، منحتهم بساطة النيل وانسيابه، وليونة السهل ورخائه، مع صلابة الجبل وهيبته وقسوته أحيانًا، مزيجا يصنع الإنسان المصري في غالبه ويشكل شخصيته.
كل هذا مع المدارس الطبيعية وأبي وجدي وجدتي وأمي وخالتي وكتاب القرية وحفظ القرآن شكلت لغتي ووجداني وهويتي الثقافية، فكانت المدرسة الابتدائية والفرحة بالنصوص المنغمة (الأناشيد) وحفظها وترديدها قبل دراستها الرسمية ثم بدأت الكتابة.

ووجدت نفسي لا أتحيز لقالب أدبي دون آخر فكتبت القصيدة الفصحى والعامية وبعض القصص القصيرة، ولكن أول ما اكتمل عندي من أعمال كان مسرحًا شعريًا، وأول عمل نشر لي عن الهيئة العامة للكتاب كان المسرحية الشعرية (الحصى والرصاص) 1994 ، ولم أنشر بعدها ــ وإن كنت عاملا في الحركة الثقافية كتابة ومشاركة وإشرافًا على صفحات ثقافية ــ ولكني لم أنشر إلا في عام 2012 وكان ديوان (أحزان السياب السبعة) الذي فاز في العام الذي يليه بالمركز الأول في جائزة مؤسسة فلسطين الدولية وتكريمي بمقرها في العاصمة الأردنية عمان، ثم في عام 2014 فزت بالمركز الأول أيضا في مسابقة القوات المسلحة عن نص بالعامية عنوانه (لسه التاريخ واقف على الجبهة انتباه)

 

ما هى المشكلات التى تواجه الشعراء فى مصر؟


في الحقيقة هي مشكلات عديدة جدا، فالشعر في بلادي ــ للأسف ــ غير مقدر كما ينبغي ولا يُقابل بما يستحق من قيمة ــ وأنا هنا أتحدث عن الشعر الحقيقي ــ فالشاعر يعاني على المستوى المادي إن لم يكن يمتهن مهنة أخرى تغطي احتياجاته وتفيض حتى تغطي احتياجات الشعر أيضا، صعوبة في الوصول للإعلام وإن وصل فمجانا، فعليه تكلفة التحرك والذهاب والإياب دون مقابل بل وعليه أن يشكر من منحوا له الفرصة كذلك.

كما تواجه الشعر مشكلة صعوبة النشر؛ فالنشر العام يعني أنك تتسول أو تتوسل فرصة ما لم تكن من أهل الحظوة أو لك (شلة ما)، أو تنتظر ـ ربما عمرًا كاملًا ــ حتى ينشر لك عمل، والنشر الخاص لا بد أن تدفع، وفي الغالب أصحاب الإبداع الحقيقي لا يملكون المال للنشر، وإذا امتلكوا فعلى حساب حاجات أخرى ضرورية، وإذا نشروا؟ ما هو العائد في زمن تدنت فيه مستويات القراءة وندر الناقد المهتم المحايد، فضلا عن أنه لا عائد مادي على الإطلاق إلا إذا حصل على جائزة من هنا أو هناك.

ما هى أحدث أعمالك الأدبية فى الفترة الحالية؟


ــ صدر لي كما (الحصى والرصاص) .. مسرح شعري عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1994 م، و(أحزان السياب السبعة / ديوان شعر بالعربية الفصحى عن دار الأدهم عام 2012 م.
ولي تحت الطبع:
ــ قمح الكلام .. ديوان شعر بالعربية الفصحى عن الهيئة المصرية العامة للكتاب .
ــ حصان جامح على طريق مشلول .. ديوان شعر بالعامية المصرية .
ــ حفلة البن .. ديوان شعر بالعربية الفصحى.

ــ سأخبر الله بكل شيء .. ديوان شعر بالعربية الفصحى.
ــ حضرات السادة المصريين ... مسرحية بالعامية المصرية .

 

كيف ترى مبادرة القوافل الثقافية التى أطلقتها وزارة الثقافة المصرية؟

ــ جيدة جدا بالطبع، بل هذا من بديهيات العمل في وزارة الثقافة، حسب فلسفتها التي أنشئت بها ومن أجلها، ونتمنى تعود تحت مسماها وهدفها وهي (الثقافة الجماهيرية)، فلا ثقافة بلا جماهير، وجماهير بلا ثقافة تعني أنك أمام قطيع فاقد لهويته وعقله، الثقافة معناها أشمل من ديوان شعر، أو رواية أو مجموعة قصصية، الثقافة فهم عام للحياة والسلوك وعلاقتنا بالكون وكيفية التعاطي مع ظروفنا، الثقافة هي المكون الحضاري الأساس للهوية، ونافذتها على الدور الحضاري، وحلمها في مستقبل أفضل، للأسف لدينا فهم مغلوط عن الدور والتنفيذ، فمعظم ميزانية وزارة الثقافة تُستهلك في مرتبات موظفين وإدارت مواقع ونشر، وأنا أرى أن الدور الحقيقي لكل كيانات وزارة الثقافة هو الاحتكاك بالجماهير والتفاعل معها وحشد طاقاتها في مشروع ثقافي مصري قادر على التصدي لكل ما تعانيه مصر من مشكلات، وأن توجه الميزانية لهذا الفعل فقط.
 

هل ترى أن جوائز الدولة فى المجال الأدبى تحتاج إلى مراجعة؟

نعم.. أن تخرج مثلا من الدائرة المغلقة منذ أكثر من خمسين عاما على أسماء بعينها، فلا يصح أن تعامل الجوائز الأدبية بنظرية التباديل والتوافيق الرياضية، ولا نظرية (شيلني وأشيلك) الفهلوية الشارعية، مطلوب قدر كبير من الموضوعية والشفافية، والمراقبة وتوسيع دور الشباب والبحث عن المبدعين منهم عن طريق فريق من النقاد منصف ودؤوب، وكذلك توسيع مظلات الجوائز بأسماء مبدعين لم ينالوا حظوة ولا شهرة في حياتهم، ولم يستفيدوا ماديا من إنتاجهم الأدبي بشكل حقيقي، كـ(أمل دنقل، يحيى الطاهر عبدالله، علي قنديل ، صالح الشرنوبي، أبو العرب أبو اليزيد، فاروق حسان،..... ) والعديد والعديد كنوع من التثقيف والتعريف بهم وبإنتاجهم، وكتكريم لهم من ناحية أخرى، مع ضرورة تغطية إعلامية مناسبة لكل ذلك حتى نرى نتائج مرجوة.

كيف نعيد الجمهور للالتفاف حول الأنشطة الأدبية مرة أخرى؟

ــ لا سبيل إلا بتحرك حقيقي من وزارة الثقافة وتصاحبها التغطية الإعلامية أيا كان اسمها، لدينا العديد من المواقع الثقافية المهجورة والمعطلة عمدا، والعاملة نجد أن العقليات التي تقودها خاملة بلا رؤية ولا إبداع، دور وزارة الثقافة في المواقع والشوارع والمدارس ومراكز الشباب والأندية لا في أبنية أكلتها رطوبة الجهل والتكلس مكدسة بموظفين خاملين يكرهون الثقافة أصلا وغير مؤمنين برسالتها، لن تعود الجماهير إلا إذا وجدت نشاطا حقيقيا قادرا عل جذبها خاصة في عصر مغريات متعددة، فضائيات.. وإنترنت.

من وجهة نظرك كيف ترى الاهتمام من قبل وزارة الثقافة بالمواهب الإبداعية فى الأقاليم؟
ــ هناك تحرك جاد في المرحلة الحالية ولكنه غير كاف وما زال تنقصه الإمكانيات والفرص اللازمة لتحقيق ذلك، مصر مليئة بالمواهب في المجالات كافة، فقط تحتاج ضمائر خبيرة قادرة على اكتشافها وجذبها للنور بحوافز تمكلها الدولة ولكنها معطلة بفعل فاعلين.


كيف تعود مصر لريادة المجال الأدبى العربى مرة أخرى؟

ــ كل ما ذكرنا سابقًا.. اعتبار الثقافة والإعلام والتعليم وزارات أو مؤسسات سيادية، اعتبار الثقافة ضرورة وليست رفاهية، احترام المبدع في حياته وإعطاؤه القيمة التي يستحقها، دور نقدي جاد وحقيقي، تنوير إعلامي جاد وحقيقي أيضا عن قيمة مصر حضاريا وثقافيا، وليس كما يحدث الآن؛ فالبرامج الثقافية في الإعلام المصري تعامل وكأنها عورة، في أوقات ميتة بالمفهوم الإعلامي أي بلا جمهور، وبشكل غير لائق تقنيا ومهنيا، هذا بالإضافة إلى الإلحاح في التعريف بكل ما ملكت وتملك مصر من طاقات ثقافية قادرة على الفعل والقيادة والريادة.

ما هو تقيمك للمنتج الأدبى فى المرحلة الراهنة؟


ــ برغم انتشار الحركات والمؤسسات والصالونات الثقافية، ودور النشر الخاصة، إلا أن المنتج يحتاج فعلا إلى تقييم حقيقي ومسئول بعيدا عن المجاملات وحفلات التوقيع والزفة الكذابة، لا شك فهذا يحتاج إلى قدر أعلى مسئولية من النقاد الواعين والأكاديميين المحترمين لمتابعة هذا المنتج وغربلته، والإعلان عن الحقيقي والمزيف منه، ثم لا بد أن تكون هناك قوانين أو مواثيق شرف لدور النشر الخاصة والتزام بصيغة ما تخرج الموضوع من شكل السبوبة التجارية، إلى حد مقبول من المسئولية الثقافية والإبداعية، فغالبية المعروض غث لا يساوي ثمن الورق الذي طبع عليه، ولكن كما قلنا.. من يملك المال ينشر، ولكن هذا لا يمنع أبدا أن الإبداع في مصر لا يتخلى عن فتوته وعنفوانه أبدا، ما زال لدينا طاقة إبداعية جبارة ومتجددة تحتاج فقط إلى تنظيم وإدارة ووعي ومحبة لإخراجها للنور.