الجمعة 10 مايو 2024

تحدى الدولة.. زمن ولّى

مقالات21-11-2021 | 14:06

كنت أنتوى الصمت إزاء ذلك السجال الدائر بين المهندس ساويرس رجل الأعمال الشهير وهانى شاكر نقيب الموسيقيين حول قرار الأخير وقف بعض من يطلقون على أنفسهم مطربى المهرجانات لكن بعد أن تطور الجدل إلى حالة من الردح وتبادل التهم وغابت روح المناقشة الهادئة كان لزاما التنبيه إلى ما هو أبعد وأخطر من مجرد القرار وردود الفعل عليه.

 

هذه اللزومية استدعتها عدة عوامل ومنها لماذا أخذت المهندس ساويرس تلك الحمية على الرغم من أنه لا ينتمى إلى وسط الموسيقيين الذين هم أولى بالجدل منه وما هى الحيثيات التى يناطح بها نقيب الموسيقيين فليس له سابق خبرة بالموسيقى أبعد من كونه متلقيا لها وأنه محب للجمال مثله كغيره من المتلقين ولماذا انتقل ساويرس من خانة رافض القرار إلى خانة المهاجم هجوما شخصيا على النقيب هانى شاكر وأنه ما فعل ذلك إلا "نفسنة" بلغة العوالم من حمو بيكا ورفاقه ولم أعلم يوما أن هانى شاكر ينافس فى ميدان هؤلاء المفرحين من أمثال شاكوش وغيره.

 

ليس هذا هو المهم لكن الأكثر أهمية هو أنه على الرغم من أن مصر منذ ثورة الثلاثين من يونيو حين عزم المصريون على إسقاط الدولة الموازية التى أسسها الإخوان لتنافس الدولة المصرية وتبقى متأهبة للحظة التى تنصب نفسها وصيا على المصريين يوم سقوط الدولة وعلى الرغم من تآكل الإخوانجية فى الداخل والخارج إلا أنه يبدو أن هناك إخوانا بيننا ليسوا بإخوان فما فعله ساويرس فى هذه القضية ليس إلا استنساخا من سلوك الإخوان فقد كان لهم مفتى ينازع مفتى الجمهورية ووزراء أيضا ينازعون وزراء الدولة الرأى فما فعله ساويرس ليس إلا منازعة الأمر أهله وبدا جدله أنه محاولة لتحدى الدولة التى يمثلها هانى شاكر بحكم منصبه كنقيب منتخب انتخابا شرعيا ليمثل موسيقيى مصر فى قضاياهم وإنفاذ حقوقهم وصون مهنتهم فما هو محل المهندس ساويرس من كل ذلك ليكون الأعلى صوتا فى مجابهة قرار هانى شاكر.

وهل يقبل المهندس ساويرس أن يصرح أحد ما بأن قراراته فى إدارة أمواله غير صحيحة ويعتريها الهوى؟

 

بأى حق دس المهندس ساويرس أنفه فى قرارات نقابة الموسيقيين مناقشا حقها فى ممارسة سلطاتها التى خولها إياها القانون والدستور. إنها الرغبة الدائمة الكامنة لدى البعض فى تحدى الدولة وإن كان على استحياء ولماذا يقف ساويرس أمام الملايين الرافضين لتسلط مثل هذا النوع من الغناء على مجتمعنا مقابل قلة تستجيب لمثل هؤلاء وتكثر سوادهم.

لاشك إن ساويرس أخطأ بل تجاوز حدوده ولا أعلم إن كانت رعايته لمهرجان سينمائى أوهمته خطأ أنه ضليع فى قواعد الفن وأدرى بما يصلح شأنه.

 

لسنا هنا بصدد مناقشة من هو على صواب ومن هو الأصوب لكننا بصد نقاش أعمق وهو تحويل الفن من ساحة الإبداع إلى ساحة البورصة والجمهور عايز كده فليس كل شيء خاضعا لقانون البيع والشراء يا باشمهندس وإلا فلنقم بإذاعة الأفلام الإباحية وإجازتها لأن هناك فئة من الجمهور تدمنها وتتابعها بل يجب علينا دوما أن نضع الأمور فى نصابها ولو عاد كل منا ليمارس عمله دون تجرؤ على الآخرين لانصلح حالنا ولخجل كل منا من أن يدلى بدلوه فى كل شيء وأى شيء.

 

إن محاولة إحياء تحدى الدولة باستخدام كيانات موازية هو إحياء لثقافة الإرهاب وتراث الإرهابيين الذين بين ليلة وضحاها حاولوا التسلط على الناس فششككوا فى كل شيء بدءا من الوطن وانتهاء بعلاقة الإنسان بربه.

إن أولى الناس بمناقشة هانى شاكر ورد حديثه هو جمعيته العمومية أو مجلس النواب فقط لا غير أما ما بقى بعد ذلك فيكون من باب الاستئناس وإبداء الرأى فى تأدب ولياقة وما عدا ذلك يعد نوعا من الإرهاب لكن بلا دماء مسالة أو رؤوس مقطعة.

 

ليلزم كل منا مساره متنميا التوفيق للآخر أما من يبعث بيننا الفتنة والجدل ويحاول إعادة صياغة المجتمع بقوة المال أو النفوذ أو الشعور بأنه أعلى درجة من غيره فقد قرر الانتحار دون قصد فسوف تسقط مصداقيته ويبدو فى عيون الناس أنه سائر عكس الاتجاه وأنه صاحب هوى أو غرض وأعتقد أن المهندس ساويرس لا يقصد ذلك بل أخطأ التقدير وكان ممن أخذتهم العزة بالإثم انتصارا لرأيه.. إن الانتصار الحقيقى للنفس أن تكون مدركة لحدودها نافعة لغيرها مضيفة إلى مجتمعها أما زمن تحدى الدولة وعصر المواءمات فقد ولى ولا يجب أن يعود مرة أخرى.

Dr.Radwa
Egypt Air