كتب : محمد الشريف
أتاها الله من العقل والحكمة ما أهلها إلى أن يخلد التاريخ ذكرها إلى يوم الدين، لم يصدها طوفان الكفر الذى تعيش فيه فى قصر فرعون عن عبادة الله، ولم يمنعها كونها زوجة لملك لم يكتف بملك لا يدانيه ملك فزعم أنه إله واستخف قومه فأطاعوه وعبدوه من دون الله من الإيمان بنبى الله موسى، إنها آسية بنت مزاحم زوجة فرعون التى لم يذكر القرآن اسمها صراحة بل عرض به فى موضعين حيث قال «قالت امرأة فرعون قرة عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا »، وقال فى سورة التحريم «ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة .»
كانت آسية بنت مزاحم تعيش فى أعظم قصور زمانها يخدمها المئات من الجوارى والعبيد، طغى زوجها فرعون وتجبر، واستضعف بنى إسرائيل فقتل أولادهم واغتصب نساءهم قال تعالى «وإذ نجيناكم من آل فرعون يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم.. »، استخف قومه فأطاعوه، ونصب نفسه إلها على شعبه وأمر أتباعه أن يعبدوه ويقدسوه وحده ولا أحد سواه وأن ينادوه بفرعون الإله حتى وصل تكبره أن قال أنا ربكم الأعلى، أما آسية فقد تلقت النبى موسى من اليم بعد أن أمر الله أمه بوضعه فى الصندوق وإلقائه فى اليم قال تعالى «وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى.. » فالتقطته إحدى جوارى السيدة آسية وأحضرته لها فلما رأته ألقى الله محبته فى قلبها مصداقا لقوله «وألقيت عليك محبة منى ولتصنع على عينى » لينجو من الذبح المحتوم الذى كان ينفذه فرعون فى ذكور بنى إسرائيل خوفا من النبوءة المزعومة أنه سيولد ولد تكون نهاية فرعون على يده، وأقنعت السيدة آسية زوجها بالاحتفاظ بالطفل ليكون عوضا لها عن الولد الذى لم تنجبه قال تعالى «قالت امرأة فرعون قرة عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. »، وبدون أن يشعر فرعون أصبح القائم على حماية موسى، وأصبحت آسية أما بديلة له ليتحقق ما كان فرعون وجنوده يخافون من حدوثه وليسجل التاريخ أن الحذر لا يمنع قدر أنفذه الله قال تعالى: «ونرى فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون.. .»
إيمانها بموسى
وعندما شب موسى وهاجر إلى مدين هروبا من بطش فرعون وظلمه ثم عاد إلى مصر مرة أخرى كانت آسية أول من آمنت به وصدقته وأخفت ذلك خشية بطش فرعون، وما لبثت حتى أشهرت إسلامها واتباعها لدين موسى- عليه السلام- متنازلة عن حياة الترف والرفاهية التى كانت تحياها فى قصور زوجها الطاغية فجن جنونه لسماعه بإيمانها وحاول ردها عن إسلامها واستخدم فى ذلك شتى الأساليب، فتارة يحاول إقناعها بعدم تصديق ما يدعو إليه موسى- عليه السلام- وأخرى يرهبها بما قد يحل بها جراء اتباعها له لكنها كانت ثابتة على الحق لم يزحزحها تهديد فرعون عن دينها وإيمانها مقدار ذرة. ولما علم فرعون بإيمان ماشطة ابنتها قتلها بعد أن قالت له متحدية: ربى وربك الله، ونتيجة لذلك قذفها فى النار وأولادها الخمسة، فلم ترض زوجته بذلك وقالت له عندما أخبرها عن أمر الماشطة: الويل لك ما أجرأك على الله. فقال لها: «لعلك اعتراك الجنون الذى اعترى الماشطة ». فقالت: ما بى من جنون ولكنى آمنت بالله تعالى رب العالمين، وبعد ذلك دعا فرعون أم آسية وقال لها: «إن ابنتك قد أصابها ما أصاب الماشطة » وأقسم ليذقنها شتى ألوان العذاب لتعود عن دين موسى أو لتموت دونه، وحاولت الأم إقناع ابنتها بالكفر بدين موسى لكنها أبت فنادى فرعون زبانيته وأمرهم بتعذيبها.
قوة إيمانها
أثناء ذلك نظرت آسية إلى ما عند الله ودعت ربها أن يبنى لها بيتاً فى الجنة وينجيها من بطش فرعون وكفره فكان جزاؤها أن ضرب الله بها المثل فى قوة الإيمان والثبات على الدين وصدق اليقين قال تعالى «وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة ونجنى من فرعون وعمله » وكشف الله عن بصيرتها فأطلعها على مكانها فى الجنة أما فرعون فقد هلك فى البحر وكان مصيره النار.
أكمل النساء
وقد عد الرسول –صلى الله عليه وسلم- السيدة آسية رحمها الله من أكمل نساء العالمين فعن ابن عباس أنه قال «أفضل نساء الجنة أربع خديجة بنت خويلد، وفاطمة الزهراء، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون »، وقال كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران
المصادر:
- قصص القرآن لابن كثير.
- الطبقات الكبرى لابن سعد الزهرى.