الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

تحقيقات

د. محمد الباز: علاقتي بربنا خارج التصورات التقليدية لجميع الأديان.. ونحتاج لتطوير العقول قبل الثقافة (حوار)

  • 26-11-2021 | 21:37

د. محمد الباز

طباعة
  • محمد فتحي وحسن محمود

- ليبيا لا يزال لديها الكثير من الوقت للوصول للديمقراطية الحقيقة

- ساويرس عادة لا يكون فى وعيه.. ويتحدث كثيرًا بتصريحات مناقضة لوضعه

- الصراع الأساسى بين الدين الإبراهيمى الحنيف والديانة المصرية القديمة

- نحن فى حاجة لتطوير العقول وليس لتطوير الثقافة

- مصر ضاعت تمامًا عندما أهدرت قيمة التعليم

فى مكتب متوسط الحجم، ممتلئ بالكتب التى تحمل ذكريات الجمهورية القديمة والحديثة، تجد العديد من المؤلفات التى أصدرها منذ أن طبع أول كتابٍ له فى السنة الرابعة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، بالإضافة لمجموعة من الصور لأشهر الفنانين والكُتاب والشعراء فى مصر، وصورة والدته التى خطها رسام له، تجد فيها فطرة وطيبة المرأة الريفية الأصيلة، واضعًا إياها على الجانب الأيمن له ليراها فى كل لحظة حتى لا تغب عن عينيه نظرًا لارتباطه الشديد بها، أما الجانب الأيسر يحتوى على مكتبة ضخمة تحتوى مئات الكتب في مجالات متنوعة، تجد الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز، رئيس مجلس إدارة وتحرير جريدة وموقع الدستور، جالسا على مكتبه يتابع الأحداث عبر «اللابتوب» الخاص به داخل وخارج مصر ليحللها تحليلا دقيقًا ويضعها بين يدى القراء وجبة سهلة للفهم.

 

أجرت بوابة «دار الهلال»، حوارا مع الدكتور الباز، أكد فيه أن موقف الرئيس من سد النهضة قد يبدو غير مفهوم للبعض نظرا للهدوء الذى يتعامل به، والذى قد لا يعكس حالة الغليان فى الشارع، مشيرا إلى أن هذا الهدوء غير مستغرب على العسكريين، لأن القرارات لابد أن تكون محسوبة وغير عشوائية أو على الأهواء، ومن وجهة نظري، مصر «منفوحة» بوجود الرئيس السيسي، وأرى إنه كان أداة الله لإنقاذ هذه البلد.

 

وإلى نص الحوار:

 

** أزمة ليبيا السياسية هي الحاضرة الآن بقوة في المشهد الإقليمي.. كيف ترى مستقبلها؟

ليبيا لا يزال لديها الكثير من الوقت للوصول للديمقراطية الحقيقية، وفيما يخص زيادة عدد المرشحين للانتخابات الرئاسية، فإنه لا يعكس الديمقراطية التى تعيشها، وأيضًا لا يعكس استقرارا أو حرية، بل يعكس وجود مجتمع متفتت ومتخبط، لأن كل منطقة قدمت مرشحًا، وهو ما يشير إلى عدم استقرار.

وأيضًا ليبيا لديها طريق طويل لتعبره خاصة بعد انهيار رأس النظام بسقوط القذافي، وفى ظل غياب المؤسسات، وبالتالى لم تعد هناك دولة على عكس ما حدث فى مصر، التى يوجد بها مؤسسات قوية وشامخة وعريقة تداركت الأمر عقب 25 يناير مثل: «الجيش، والشرطة، والقضاء»، وهو ما ساعد فى عدم سقوطها، ولكن تحتاج ليبيا للكثير من الوقت لتصل لما تريد، خاصة أنها كانت و لاتزال مطمعًا للعديد بسبب ثرواتها.

ومن الصعب التكهن بالفائز فى الانتخابات الرئاسية الليبية المقبلة، وبنفس القدر الصعوبة التكهن بدعم الدول العربية أو الغربية لمرشح على حساب الآخر، فالأمر يُدار فى الكواليس بغاية السرية، وموقف مصر واضح فى دعم ليبيا بضرورة بناء مؤسسات قوية وأن يتولى حكمها الليبيين وتدار بشكل سليم، وإلا يتدخل الغير فى شؤونها الداخلية لكى تُقيم مصر معها علاقات سليمة وطبيعية، فالاستقرار فى ليبيا يأتى أولوية للقيادة المصرية باعتبارها تمثل عمقًا عربيًا لمصر.

 

** مشروع 30 يونيو وموقف الرئيس السيسى من الإخوان وأزمة سد النهضة كل هذا يشغل الرأي العام في مصر.. فكيف يفكر به الدكتور محمد الباز؟

أعلنت منذ البداية انحيازى التام لمشروع الرئيس السيسى فى ثورة 30 يونيو، لأن وقوف الرئيس السيسى ضد جماعة الإخوان وأفكارها المتطرفة، يجعلك توقع على بياض ورقة تأييده فى كل المواقف.

وفى مصر، نحن بحاجة لشخص لديه تصور واضح فى التعامل مع الجماعات صاحبة الأفكار الإرهابية والمتطرفة «مش يلعب معاها سياسة»، بمعني: «الملك فاروق لعب سياسة مع الإخوان، وجمال عبدالناصر قام بنفس الأمر رغم أنه كان أكثر قسوة عليهم»، ويمكن القول أن عبدالناصر لعب بالإخوان سياسة، والسادات لعب معهم سياسة، مبارك لعب معهم «بيزنس وصفقات»، لذلك معظم مليارديرات الإخوان ظهروا فى عصر مبارك.

 

أما تعاطي الرئيس السيسى مع أزمة الإخوان فهو تعاطى حقيقى وليس لعبة سياسية، فهو لم يراوغ ليكسب شعبية لنفسه والدليل على ذلك رفضه المصالحة معهم فى أكثر من مناسبة، لأن الرئيس يرى أن الفكر الذى يعتنقه الإخوان خطر على مصر ومستقبلها، ويأتى إدراكًا منه لخطورة الإخوان خاصة إنه تعامل معهم وهم فى الحكم، الأمر الذى لم يكن متاحًا لسابقيه سواء الملك فاروق أو جمال عبدالناصر أو السادات أو حتى مبارك.

ولدى قناعة كبيرة بنزاهة الرئيس السيسي، كما لدى ثقة كبيرة فى إخلاصه فيما يعتقد إنه صحيح، حتى لو اختلف البعض معه ورأوا أن بعض قراراته غير صحيحة أو مختلفين معه، لكن المعيار لدى هو إخلاص الشخص لما يعتقد إنه صحيح أم لا، وهو لا يتعامل بألاعيب السياسيين من خلال القيام ببعض القرارات التى يكسب بها شعبية، بل يقوم بالعكس، ويقوم بقرارات تأخذ من شعبيته أو تجعلها تتآكل مثل قرارات الإصلاح الاقتصادى وفيما يتعلق بالأسعار، لكنى أثق إنه يقوم بالعمل الأصلح لمصلحة مصر.

 

وموقف الرئيس من سد النهضة قد يبدو غير مفهوم للبعض نظرا للهدوء الذى يتعامل به، الذى قد لا يعكس حالة الغليان فى الشارع، لكن هذا الهدوء غير مستغرب على العسكريين، لأن القرارات لابد أن تكون محسوبة وغير عشوائية أو على الأهواء، ومن وجهة نظري، مصر «منفوحة» بتواجد الرئيس السيسي، وأرى إنه كان أداة الله لإنقاذ هذه البلد.

وفى الحقيقة مصر فى عهد الرئيس السيسي لا زالت فى البداية على المستوى علاقاتها الخارجية على جميع الأصعدة وفى مختلف المجالات، وطبيعى أن تجد من يسعى لتحجيم دورها سواء على الصعيد الإقليمى والدولي، البعض لا يريد أن تكون مصر رقم «1» فى المنطقة.

 

** لك العديد من الكتب.. ما أبرز التحديات التي واجهتك بعد طبعها وعرضها للجمهور؟

كتبت 64 كتابا حتى الآن، أولها كان «كتاب محاكمة الشعراوى ما له وما عليه»، إذ كنت حينها فى السنة الرابعة بكلية الإعلام وطبعت الكتاب وشارك فى معرض الكتاب حينها، ولم تكن لدى أى معاناة فى أى كتاب كتبته، قمة السعادة أن تكون هوايتك هى مصدر رزقك، وبالفعل كانت هوايتى هى القراءة والكتابة، وهو الأمر الذى لم يجعلنى أعانى فى كتابة كُتبى السابقة، بل وجدت لذة فى كتابتها.

كما لم أجد معاناة فى الفكرة أو الكتابة، لكن وجدت مشكلة أحيانا فى الشكل النهائى للعمل، أقصد ترتيب الأفكار، إذ كان لدى كتب كتبتها تواكبا مع أحداث معينة وأحداث ضخمة وهو الأمر الذى انعكس فى كتاب «الفريسة والصياد» الذى يتناول تأصيل علاقة رجال الأعمال بالفنانات على غرار قضية هشام طلعت مصطفى وسوزان تميم، أما أقرب الكتب لنفسى هى ثلاثية: «القرآن فى مصر، والرسول فى مصر، والله فى مصر».

 

** ما الغرض من السلسلة ومن المخاطبون بها؟

فى الحقيقة علاقتى بربنا خارج التصورات التقليدية لجميع الأديان، وهناك شكل خاص للعلاقة بينى وبين الله، ولا أفضى بالكثير من أسرارى إلا لله، وأردت منذ البداية أن يكون لى تصور خاص بى لعلاقتى مع الله، وفى الغالب هناك فكرة راسخة وهى الاستعباد بالدين للقائمين على أمر الدين وليس فقط فى الدين الإسلامى بل فى جميع الأديان.

ولذا أرى أن الصراع الأساسى بين الدين الإبراهيمى الحنيف والديانة المصرية القديمة سيظل قائما، إذ كان الغرض الأساسى من وراء ثلاثية «القرآن فى مصر، والرسول فى مصر، والله فى مصر» هو شرح فهم المصريين للدين؛ وتناقش الكتب شكل الله عند الفقراء ولدى الأغنياء، المعنى «الممارسة الفعلية على الأرض، وبعيدًا عن التنظير»؛ فمثلا هناك فصل فى الكتاب عن «الله عند نوال السعداوي»، وآخر «المصريون يحررون الله من الأسر»، وتتناول الكتاب: «تجسيد المصريين لله فى السينما وكيف تحدثوا معه.. التوصيف الصحيح لهذه الكتب هو الدين المصري، وكيفية نسج علاقتنا مع الله والرسول بعيدا عن ما هو تقليدي»، وباختصار شديد هو المعنى المصرى للدين.

 

** أجبت سابقًا عندما سئلت لوكنت نقيبا للصحفيين ما أول قرار ستتخذه سيكون بفصل 99% من الصحفيين المقيدين فى النقابة.. فسر لنا هذه الإجابة؟

فى الحقيقة لو كنت نقيبًا للصحفيين لا أستطيع فصل صحفى واحد من النقابة، لكن يمكن القول أن هناك مشكلة كبيرة حدثت بعد 2011، وهى اختلاط ما هو سياسى بما هو مهنى داخل النقابة، قبل ذلك كان يختلط ما هو سياسى بما يندرج تحت مسمى «مصالح»، وهو أمر كان سهلًا ومقدور عليه.

وبعد 2011، دخل النقابة نشطاء سياسيون ليس لهم علاقة بالمهنة، هؤلاء النشطاء حدثت لهم «قيمة مضافة»، وأنا أطلق عليها «قيمة مضافة زائفة»، لأنهم أفسدوا المهنة، وكذلك الأجيال الجديدة لديها مشكلة كبيرة فى التعليم والتدريب وأعمالهم فى الجرائد، والموجودون فى النقابة الآن يتمثل فى «البدل» فقط، وأصبحت النقابة مصدر رزق للصحفيين لا أكثر ولا أقل، وبدون البدل لن يرغب أحد فى الالتحاق بها.

 

** ما رأيك فى إدارة الهيئة الوطنية للصحافة لأزمات الصحف القومية؟

المشكلة فى الصحافة الورقية هى مشكل وسيط وليس مهنة؛ وعلى سبيل المثال عند اختفاء شريط الكاسيت لم يختف الغناء بل اختفى الوسيط، كذلك الصحافة الورقية باعتبارها وثيقة تاريخية توثق تاريخ الأمم والشعوب، وبشكل عام الصحافة الورقية مستمرة وستظل لفترة من الزمن، لكنها فى مرحلة العناية المركزة «الإنعاش» على أجهزة التنفس الصناعى ولو تم رفعها ستموت.

ولكن فيما يتعلق بالهيئة الوطنية للصحافة، فوجود هيئة تتولى شئون الصحافة القومية هو أمر غاية فى الأهمية، وأتمنى أن توفق فى مهمتها الصعبة، ولا شك لدى أنها تبذل كل جهدها فى تطوير المؤسسات القومية والمحافظة على ما تبقى من الصحافة الورقية فى ظل تحديات أقوى من الجميع، لأننا نتحدث هنا عن صناعة الصحافة فى ظل ظرف اقتصادى صعب على الجميع.

 

** يواجه وزير التعليم انتقادات حادة بسبب المنظومة الجديدة.. فكيف تراها؟

أنا مؤيد تمامًا لوزير التعليم فيما يقوم به، وأؤيد فكرة التطوير رغم رفض الكثير لها، لأن أهالى الطلاب يرفضون أى تطوير، وأى شيء جديد من أى نوع مرفوض بشكل تام وبدون نقاش.

 

** هل يحتاج التعليم الأزهري تطويرًا؟

التعليم الأزهرى لديه مشكلة كبيرة فى المنهجية، والمفروض أن يدخل يدخل فى منظومة التطوير، والأفضل عدم وجود تعليم أزهرى فى مصر، لأن تعدد أشكال التعليم فى أى بلد يضر بها، وفى مصر هناك تعليم دينى وأخر مدني، لذا يجب أن يقتصر التعليم الدينى على المؤسسات الدينية مثل: «المساجد، مدارس الأحد»، ويتم ذلك تحت إشراف الدولة، وإذا لم يتم إلغاؤه، فتطويره واجب بالأخذ بتجربة التابلت.

 

** في مصر.. نحتاج لتطوير العقول أم الثقافة؟

القول الأصح أننا فى حاجة لتطوير العقول وليس لتطوير الثقافة، فالحاجة ماسة لتنمية العقل المصري.

 

** كيف ترى دفاع ساويرس عن مطربى المهرجانات فى مصر؟

دفاع نجيب ساويرس عن مطربى المهرجانات فى مصر تعبير عن ذوق فاسد أكثر منه إيمان أو انتصار لحرية الإبداع، لأن ساويرس لم يكن يوما ما مؤمنًا بالحرية أو مدافعًا عنها، ومن الممكن أن يكون ساويرس يستمتع بأغانى المهرجانات، لكن هذا لا يعبر عن ذوق سليم أو مستقيم، فكلمات المهرجات كلها مسيئة ومهينة للمجتمع وقيمه وتحوى إيحاءات جنسية.

ومصر ضاعت تماما عندما أهدرت قيمة التعليم، والغناء والموسيقى تشكل جزءًا من تاريخك ولا يجب الاستهانة بهذا الأمر أو التهاون مع مطربى المهرجانات، ومن يؤيدهم ذوقه فاسد، وساويرس واحدًا من هؤلاء.

أما هانى شاكر، نقيب المهن الموسيقية، فهو رجل يطبق القانون واللوائح، ويمنع من لا يمتلك تصريحًا من الغناء فى الأماكن العامة فقط، لكنه لم يلغ المهرجانات، وأكد لى فى تصريحات سابقة، سعيه لتقنين أوضاع هؤلاء وأنه لا مانع فى إعطاء تصريحات لمن يصلح منهم، فى النهاية هانى شاكر ينفذ القانون ولم يمنع أحد، وهناك فارق كبير بين الأمرين.

 

** مؤخرا قال ساويرس إن المنافسة بين القطاعين الحكومى والخاص غير عادلة وأن الدولة يجب أن تكون جهة تنظيمية وليست مالكة للنشاط الاقتصادي.. ما تعليقك؟

هذه التصريحات لها سيناريوهان، أحدهما أن ساويرس عادة لا يكون فى وعيه؛ فهو يتكلم كثيرا بتصريحات مناقضة لوضعه، ومن المفروض أن يكون آخر من يتحدث عن مزاحمة شركات الدولة والقطاع الحكومى للشركات الخاصة لأنه أكثر من استفاد من الدولة، أما السيناريو الثاني: هو أن ساويرس يريد زيادة مساحة استفادته وزيادة حصته من حجم الأعمال، وفى رأيى السيناريو الأول هو الأٌقرب.

 

** هل تؤيد أن العنف بالأعمال الدرامية يساهم فى زيادة معدلات الجريمة.. جريمة الإسماعيلية مثال؟

الأعمال الدرامية التى تحتوى على بلطجة وأعمال درامية، لا تخلق الجريمة، لكن الأعمال الدرامية العنيفة تجعل الجريمة شيئًا معتادًا، وجريمة الإسماعيلية ما زاد من فجاعتها هو تصوير المشهد وعرضه على وسائل التواصل الاجتماعى مما زاد من تأثيرها، لكن الدراما تخلق نوعًا من الاعتياد لمثل هذه الأفعال والجرائم وتزيد من نسبتها.

 

** حدثنا عن أزمتك مع الزعيم عادل إمام؟

ليس لدى أزمة حقيقية مع الفنان عادل إمام، ولم تربطنى به علاقة يوما ما، لكن ما حدث هو أن ما كتبته انتقادا له من زواج ابنته من نجل قيادى فى جماعة الإخوان، وكانت مجرد وجهة نظر وقتها، لكن على المستوى النظرى ما زلت مؤمنا بهذه الفكرة، ولو عاد الزمن بى مرة أخرى لم أكتب رأيى فى زواج ابنته، ولم أكن بنفس الحدة فى هذا الموقف، فلم يكن لدى ابنة فى ذلك الوقت، لكن بعدما أصبح لدى ابنة الآن لا يمكن أن أقف أمام حبها وسعادتها حتى لو اختلفت مع الشخص الذى يطلبها للزواج فى كل شيء.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة